فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (235)

{ عرضتم } أفهمتم المعنى بلفظ محتمل له ولغيره .

{ أكننتم } سترتم .

{ حتى يبلغ الكتاب أجله } حتى ينتهي أمد العدة .

{ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم } روى البخاري{[731]} عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى { فيما عرضتم به من خطبة النساء } هو أن يقول إني أريد التزوج ولوددت أن تيسر لي امرأة صالحة وأورد النيسابوري أن النساء على ثلاثة أقسام أحدهما من تجوز خطبتها تعريضا وتصريحا وهي الخالية عن الزوج والعدة إلا إذا كان قد خطبها آخر وأجيبت إليه وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ) . . ثانيا ما لا يجوز خطبتها تعريضا ولا تصريحا وهي المحصنة . . وثالثها ما يفصل في حقها من التعريض والتصريح وهي المعتدة غير الرجعية سواء كانت معتدة عن وفاة أو عن طلقات ثلاث أو عن طلقة بائنة كالمختلعة أو عن فسخ وسبب التحريم أنها مستوحشة بالطلاق فربما كذبت في انقضاء عدتها بالإقرار مسارعة إلى مكافأة الزوج ، وأما المعتدة عن وفاة فظاهر الآية يدل على أنها في حقها لأنها ذكرت عقب آية عدة المتوفى عنها زوجها ثم إنه خص التعريض بعدم الجناح فوجب أن يكون التصريح بخلافه . . وعن أبي جعفر محمد بن علي أنها دخلت عليه امرأة وهي في العدة فقال : قد علمت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق جدي علي وقدمي في الإسلام ، فقالت غفر الله لك أتخطبني في عدتي وأنت يؤخذ عنك ؟ فقال إنما أخبرتك بقرابتي من نبي الله قد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وكانت عند ابن عمها أبي سلمة فتوفي عنها فلم يزل يذكر لها منزلته من الله وهو متحامل على يديه حتى أثر الحصير في يده فما كانت تلك خطبة { أو أكننتم في أنفسكم } أو سترتم وأضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين ، أباح التعريض في الحال أولا ثم أباح أن يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك بعد انقضاء العدة { علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } عن مجاهد قال ذكرك إياها في نفسك ، قال : فهو قول الله { علم الله أنكم ستذكرونهن } ، وعن ابن عباس { لا تواعدوهن سرا } يقول لا تقل لها إني عاشق وعاهديني ألا تتزوجي غيري ونحو هذا . عن قتادة هذا في الرجل يأخذ عهد المرأة وهي في عدتها ألا تنكح غيره فنهى الله تعالى عن ذلك وقدم فيه وأحل الخطبة والقول بالمعروف ونهى عن الفاحشة والخضع من القول { إلا أن تقولوا قولا معروفا } لعل الأرجح أن { إلا } في هذا الاستثناء بمعنى لكن فكأن المراد لكن قولوا قولا معروفا ، عن مجاهد يعني التعريض { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } عن مجاهد : حتى تنقضي العدة وعن الضحاك لا يتزوجها حتى يخلوا أجلها .

{ واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم }- فاحذروا الله واتقوه في أنفسكم أن تأتوا شيئا مما نهاكم عنه من عزم عقدة نكاحهن أو مواعدتهن في السر في عددهن وغير ذلك مما نهاكم عنه في شأنهن في حال ما هن معتدات وفي غير ذلك { واعلموا أن الله غفور رحيم } يعني أنه ذو ستر لذنوب عباده وتغطية عليها فيما تكنه نفوس الرجال من خطبة وذكرهم إياهن في حال عددهن وفي غير ذلك من خطاياهم وقوله { حليم } يعني أنه لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم-{[732]} .


[731]:في النكاح.
[732]:من جامع البيان الطبري.