قوله تعالى : { والبدن } جمع بدنة سميت بدنة لعظمها وضخامتها ، يريد : الإبل العظام الصحاح الأجسام ، يقال بدن الرجل بدناً وبدانةً إذا ضخم ، فأما إذا أسن واسترخى يقال بدن تبديناً . قال عطاء و السدي : البدن : الإبل والبقر أما الغنم فلا تسمى بدنة . { جعلناها لكم من شعائر الله } من أعلام دينه ، سميت شعائر لأنها تشعر ، وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم أنها هدي ، { لكم فيها خير } النفع في الدنيا والأجر في العقبى ، { فاذكروا اسم الله عليها } أي : عند نحرها ، { صواف } أي : قياماً على ثلاث قوائم قد صفت رجليها وإحدى يديها ، ويدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا عبد الله بن مسلمة ، أنبأنا يزيد بن زريع ، عن يونس ، عن زياد بن جبير قال : " رأيت بن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنةً ينحرها ، قال : ابعثها قياماً مقيدةً سنة محمد صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهد : الصواف إذا عقلت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث قوائم . وقرأ ابن مسعود : صوافن وهى أن تعقل منها يد وتنحر على ثلاث ، وهو مثل صواف . وقرأ أبي والحسن ومجاهد : صوافي بالياء أي : صافية خالصة لله لا شريك له فيها . { فإذا وجبت جنوبها } يعني : سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض . وأصل الوجوب : الوقوع . يقال : وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب ، { فكلوا منها } أمر إباحة ، { وأطعموا القانع والمعتر } اختلفوا في معناها : فقال عكرمة و إبراهيم و قتادة : القانع الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسأل ، والمعتر : الذي يسأل . وروى العوفي عن ابن عباس : القانع الذي لا يعترض ولا يسأل ، والمعتر الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل ، فعلى هذين التأويلين يكون القانع : من القناعة ، يقال : قنع قناعة إذا رضي بما قسم له . وقال سعيد بن جبير والحسن والكلبي : القانع : الذي يسأل ، والمعتر : الذي يتعرض ولا يسأل ، فيكون القانع من قنع يقنع قنوعاً إذا سأل . وقرأ الحسن : والمعتري وهو مثل المعتر ، يقال : عره واعتره وعراه واعتراه إذا أتاه بطلب معروفه ، إما سؤالاً وإما تعرضاً . وقال ابن زيد : القانع : المسكين ، والمعتر : الذي ليس بمسكين ، ولا يكون له ذبيحة يجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم . { كذلك } يعني : مثل ما وصفنا من نحرها قياماً ، { سخرناها لكم } نعمة منا لتتمكنوا من نحرها ، { لعلكم تشكرون } لكي تشكروا إنعام الله عليكم .
ويستطرد السياق في تقرير هذا المعنى وتوكيده وهو يبين شعائر الحج بنحر البدن :
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ، فاذكروا اسم الله عليها صواف . فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر . كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون . . لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ، ولكن يناله التقوى منكم ، كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ، وبشر المحسنين . .
ويخص البدن بالذكر لأنها أعظم الهدي ، فيقرر أن الله أراد بها الخير لهم ، فجعل فيها خيرا وهي حية تركب وتحلب ، وهي ذبيحة تهدى وتطعم فجزاء ما جعلها الله خيرا لهم أن يذكروا اسم الله عليها ويتوجهوا بها إليه وهي تهيأ للنحر بصف أقدامها : ( فاذكروا اسم الله عليها صواف ) . والإبل تنحر قائمة على ثلاث معقولة الرجل الرابعة - ( فإذا وجبت جنوبها )واطمأنت على الأرض بموتها أكل منها أصحابها استحبابا ، وأطعموا منها الفقير القانع الذي لا يسأل والفقير المعتر الذي يتعرض للسؤال . فلهذا سخرها الله للناس ليشكروه على ما قدر لهم فيها من الخير حية وذبيحة : ( كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ) . .
يقول تعالى ممتنا على عباده فيما خلق لهم من البدن ، وجعلها من شعائره ، وهو أنه جعلها تهدى إلى بيته الحرام ، بل هي أفضل ما يهدى [ إلى بيته الحرام ]{[20223]} ، كما قال تعالى : { لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ [ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ]{[20224]} } الآية : [ المائدة : 2 ] .
قال ابن جُرَيج : قال عطاء في قوله : { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } ، قال : البقرة ، والبعير . وكذا رُوي عن ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري . وقال مجاهد : إنما البدن من الإبل .
قلت : أما إطلاق البَدَنة على البعير فمتفق عليه ، واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة ، على قولين ، أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعا كما صح في الحديث .
ثم جمهور العلماء على أنه تُجزئ البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ، كما ثبت به الحديث عند مسلم ، من رواية جابر بن عبد الله [ وغيره ]{[20225]} ، قال : أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نشتركَ في الأضاحي ،
البدنةُ عن سبعة ، والبقرة عن سبعة{[20226]} .
[ وقال إسحاق بنُ رَاهَويه وغيره : بل تُجزئ البقرة عن سبعة ، والبعير عن عشرة ]{[20227]} . وقد ورد به حديث في مسند الإمام أحمد ، وسنن النسائي ، وغيرهما{[20228]} ، فالله أعلم .
وقوله : { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } ، أي : ثواب في الدار الآخرة .
وعن سليمان بن يزيد الكعبي ، عن هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما عَمِل ابن آدم يوم النحر عملا أحبّ إلى الله من هِرَاقه دم ، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان ، قبل أن يقع على الأرض ، فطِيبُوا بها نفسا " . رواه ابن ماجه ، والترمذي وحَسنه{[20229]} .
وقال سفيان الثوري : كان أبو حاتم{[20230]} يستدين ويسوق البُدْن ، فقيل له : تستدين وتسوق البدن ؟ فقال : إني سمعت الله يقول : { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ }
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنفقت الوَرقَ في شيء أفضلَ من نحيرة في يوم عيد " . رواه الدارقطني في سننه{[20231]} .
وقال مجاهد : { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } قال : أجر ومنافع .
وقال إبراهيم النَّخَعِيّ : يركبها ويحلبها إذا احتاج إليها .
وقوله : { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ } وعن [ المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن ]{[20232]} جابر ابن عبد الله قال : صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدَ الأضحى ، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه ، فقال : " بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عني وعمن لم يُضَحِّ من أمتي " .
رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي{[20233]} .
وقال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن ابن عباس ، عن جابر قال : ضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين في يوم عيد ، فقال حين وجههما : " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا مسلمًا ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له ، وبذلك أمرت ، وأنا أول المسلمين ، اللهم منك ولك ، وعن محمد وأمته " . ثم سمى الله وكبر وذبح{[20234]} .
وعن علي بن الحسين ، عن أبي رافع ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلى وخطب الناس أتى{[20235]} بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية{[20236]} ، ثم يقول : " اللهم هذا عن أمتي جميعها ، مَنْ شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ " . ثم يُؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ، ثم يقول : " هذا عن محمد وآل محمد " فيُطعمها جميعًا المساكين ، [ ويأكل ]{[20237]} هو وأهله منهما .
رواه أحمد ، وابن ماجه{[20238]} .
وقال الأعمش ، عن أبي ظِبْيَان ، عن ابن عباس في قوله : { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ } ، قال : قيام على ثلاث قوائم ، معقولة يدُها اليسرى ، يقول : " بسم الله والله أكبر{[20239]} ، اللهم منك ولك " . وكذلك روى مجاهد ، وعلي بن أبي طلحة ، والعَوْفي ، عن ابن عباس ، نحو هذا .
وقال ليث . عن مجاهد : إذا عُقلت رجلها اليسرى قامت على ثلاث . ورَوَى ابن أبي نَجِيح ، عنه ، نحوه{[20240]} .
وقال الضحاك : تُعقل رجل{[20241]} واحدة فتكون على ثلاث .
وفي الصحيحين عن ابن عمر : أنه أتى على رجل قد أناخ بَدَنته وهو ينحرها ، فقال : ابعثها قيامًا مقيدة سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم{[20242]} .
وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا ينحَرون البُدْن معقولةَ اليسرى ، قائمة على ما بقي من قوائمها . رواه أبو داود{[20243]} .
وقال ابن لَهِيعة : حدثني عطاء بن دينار ، أن سالم بن عبد الله قال لسليمان بن عبد الملك : قفْ من شقها الأيمن ، وانْحَر من شقها الأيسر .
وفي صحيح مسلم ، عن جابر ، في صفة حجة الوَدَاع ، قال فيه : فنحر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثًا وستين بَدَنة ، جعل{[20244]} يَطعَنُها بحَربة في يده{[20245]} .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن قتادة قال : في حرف ابن مسعود : " صوافن " ، أي : مُعقَّلة{[20246]} قياما{[20247]} .
وقال سفيان الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد : مَن قرأها " صوافن " قال : معقولة . ومن قرأها { صَوَافَّ } قال : تصف بين يديها .
وقال طاوس ، والحسن ، وغيرهما : " فاذكروا اسم الله عليها صوافي " يعني : خالصة لله عز وجل . وكذا رواه مالك ، عن الزهري .
وقال عبد الرحمن بن زيد : " صوافيَ " : ليس فيها شرك كشرك الجاهلية لأصنامهم .
وقوله : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } قال : ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : يعني : سقطت إلى الأرض .
وهو رواية عن ابن عباس ، وكذا قال مقاتل بن حيان .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } يعني : نحرت .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } يعني : ماتت .
وهذا القول هو مُرَادُ ابن عباس ومجاهد ، فإنه لا يجوز الأكل من البَدَنة{[20248]} إذا نُحرت حتى تموت وتَبْرد حركتها . وقد جاء في حديث مرفوع : " ولا تُعجِلُوا النفوسَ أن تَزْهَق " {[20249]} . وقد رواه الثوري في جامعه ، عن أيوب ، عن يحيى ابن أبي كثير ، عن فَرافصَة الحنفي ، عن عمر بن الخطاب ؛ أنه قال ذلك{[20250]} ويؤيده حديث شَدّاد بن أوس في صحيح مسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح{[20251]} ولْيُحدَّ أحدكم شَفْرَته ، ولْيُرِحْ ذَبِيحته " {[20252]} .
وعن أبي واقد الليثي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما قُطع من البهيمة وهي حية ، فهو ميتة " .
رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وصححه{[20253]} .
وقوله : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } قال بعض السلف{[20254]} : قوله : { فَكُلُوا مِنْهَا } أمر إباحة .
وقال مالك : يستحب ذلك . وقال غيره : يَجِبُ . وهو وَجْه لبعض الشافعية . واختلف في المراد بالقانع والمعتر ، فقال العوفي ، عن ابن عباس : القانع : المستغني بما أعطيته ، وهو في بيته . والمعترّ : الذي يتعرض لك ، ويُلمّ بك أن تعطيه من اللحم ، ولا يسأل . وكذا قال مجاهد ، ومحمد بن كعب القُرَظِيّ .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : القانع : المتعفف . والمعتر : السائل . وهذا قولُ قتادة ، وإبراهيم النَّخَعي ، ومجاهد في رواية عنه .
وقال ابن عباس ، وزيد بن أسلم وعِكْرِمَة{[20255]} ، والحسن البصري ، وابن الكلبي ، ومُقَاتِل بن حَيَّان ، ومالك بن أنس : القانع : هو الذي يَقْنع إليك ويسألك . والمعتر : الذي يعتريك ، يتضرع ولا يسألك . وهذا لفظ الحسن .
وقال سعيد بن جبير : القانع : هو السائل ، ثم قال : أما سمعت قول الشَّمَّاخ :
لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحُه فَيُغْني *** مَفَاقِرَه{[20256]} ، أَعَفُّ مِنَ القُنُوع{[20257]}
قال : يعني من السؤال ، وبه قال ابن زيد .
وقال زيد بن أسلم : القانع : المسكين الذي يطوف . والمعتر : الصديق والضعيف{[20258]} الذي يزور . وهو رواية عن عبد الله{[20259]} بن زيد أيضا .
وعن مجاهد أيضا : القانع : جارك الغني [ الذي يبصر ما يدخل بيتك ]{[20260]} والمعتر : الذي يعتريك{[20261]} من الناس .
وعنه : أن القانع : هو الطامع . والمعتر : هو الذي يَعْتَر بالبُدْن من غني أو فقير .
وعن عكرمة نحوه ، وعنه القانع : أهل مكة .
واختار ابنُ جرير أنّ القانع : هو السائل ؛ لأنه من أقنع بيده إذا رفعها للسؤال ، والمعتر من الاعترار ، وهو : الذي يتعرض لأكل اللحم .
وقد احتج بهذه الآية الكريمة مَن ذهب من العلماء إلى أن الأضحية تُجزَّأ ثلاثة أجزاء : فثلث لصاحبها يأكله [ منها ]{[20262]} ، وثلث يهديه لأصحابه ، وثلث يتصدق به على الفقراء ؛ لأنه تعالى قال : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } . وفي الحديث الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس : " إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فكلوا وادخروا ما بدا لكم " {[20263]} وفي رواية : " فكلوا وادخروا وتصدقوا " . وفي رواية : " فكلوا وأطعموا وتصدقوا " {[20264]} .
والقول الثاني : إن المضحي يأكل النصف ويتصدق بالنصف ، لقوله في الآية المتقدمة : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } [ الحج : 28 ] ، ولقوله في الحديث : " فكلوا وادخروا وتصدقوا " .
فإن أكل الكل فقيل{[20265]} : لا يضمن شيئا . وبه قال ابن سُرَيج من الشافعية .
وقال بعضهم : يضمنها كلها بمثلها أو قيمتها . وقيل : يضمن نصفها . وقيل : ثلثها . وقيل : أدنى جزء منها . وهو المشهور من مذهب الشافعي .
وأما الجلود ، ففي مسند أحمد عن قتادة ابن النعمان في حديث الأضاحي : " فكلوا وتصدقوا ، واستمتعوا بجلودها ، ولا تبيعوها " {[20266]} .
ومن العلماء من رخص [ في ذلك ]{[20267]} ، ومنهم من قال : يقاسم الفقراء ثمنها ، والله أعلم .
[ مسألة ]{[20268]} .
عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما نبدأ{[20269]} به في يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع فننحر . فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم [ عجله ]{[20270]} لأهله ، ليس من النسك في شيء " أخرجاه{[20271]} .
فلهذا قال الشافعي وجماعة من العلماء : إن أول وقت الأضحى إذا طلعت الشمس يوم النحر ، ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين . زاد أحمد : وأن يذبح الإمام بعد ذلك ، لما جاء في صحيح مسلم : وألا تذبحوا حتى يذبح الإمام " {[20272]} .
وقال أبو حنيفة : أما أهل السواد من القرى ونحوهم{[20273]} ، فلهم أن يذبحوا بعد طلوع الفجر ، إذ لا صلاة عيد{[20274]} عنده لهم . وأما أهل الأمصار فلا يذبحوا حتى يصلي الإمام ، والله أعلم .
ثم قيل : لا يشرع الذبح إلا يوم النحر وحده . وقيل : يوم النحر لأهل الأمصار ، لتيسر{[20275]} الأضاحي عندهم ، وأما أهل القرى فيوم النحر وأيام التشريق بعده ، وبه قال سعيد بن جبير . وقيل : يوم النحر ، ويوم بعده للجميع . وقيل : ويومان بعده ، وبه قال أحمد . وقيل : يوم النحر وثلاثة أيام التشريق بعده ، وبه قال الشافعي ؛ لحديث جبير بن مطعم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " وأيام التشريق كلها ذبح " . رواه أحمد وابن حبان{[20276]} .
وقيل : إن وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة ، وبه قال إبراهيم النَّخَعِيّ ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن . وهو قول غريب .
وقوله : { كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } : يقول تعالى : من أجل هذا { سَخَّرْنَاهَا لَكُم } أي : ذللناها لكم ، أي : جعلناها منقادة لكم خاضعة ، إن شئتم ركبتم ، وإن شئتم حلبتم ، وإن شئتم ذبحتم ، كما قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ . وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ . وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ } [ يس : 71 - 73 ] ،
وقال في هذه الآية الكريمة : { كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }