بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (36)

ثم ذكر البدن ، يعني : ينحرون البدن . فهذه الخصال الحسنة صفة المخبتين .

قوله عز وجل : { والبدن جعلناها لَكُمْ } ؛ قرأ بعضهم : { والبدن } بضم الدال والباء ، وقراءة العامة بسكون الدال والمعنى واحد . { مِن شَعَائِرِ الله } ، يعني : جعلنا البدن من مناسك الحج . { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } ، يعني : في نحرها أجر في الآخرة ومنفعة في الدنيا . { فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صَوَافَّ } ، يعني : إذا نحرتم ، فاذكروا اسم الله عليها { صَوَافَّ } أي قائمة قد صفت قوائمها . والآية تدل على أن الإبل تنحر قائمة . وروي عن عبد الله بن عمر ، أنه أمر برجل قد أناخ بعيره لينحره ، فقال له : انحره قائماً ، فإنه صفة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ، وروي عن ابن مسعود ، وابن عباس أنهما كانا يقرآن { فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صوافن } ، والصوافن التي تقوم على ثلاثة قوائم ، إذا أرادوا نحره ، تعقل إحدى يديه فهو الصافن ، وجماعته صوافن ؛ وقال مجاهد : من قرأ صوافن ، قال : قائمة معقولة . من قرأها صواف ، قال يصف بين يديها . وروي عن زيد بن أسلم أنه قرأ { ***صوافي } بالياء منتصبة ، ويقال : خالصة من الشرك ؛ وروي عن الحسن مثله وقال : خالصة لله تعالى ، وهكذا روى عنهما أبو عبيدة ، وحكى القتبي عن الحسن قال : كان يقرأ { عَلَيْهَا صَوَافَّ } مثل قاض وغاز أي خالصة لله تعالى ، يعني : لا تشرك به في حال التسمية على نحرها .

ثم قال : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } ، يعني : إذا ضربت بجنبيها على الأرض بعد نحرها ، يقال : وجب الحائط إذا سقط ، ووجب القلب إذا تحرك من الفزع ؛ ويقال : وجب البيع إذا أبرم . { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر } ، فالقانع الراضي الذي يقنع بما أعطي وهو السائل والمعتر الذي يتعرض للمسألة ولا يتكلم ؛ ويقال : القانع المتعفف الذي لا يسأل ويقنع بما أرسلت إليه والمعتر : السائل الذي يعتريك للسؤال .

وقال الزهري : السنة أن يأكل الرجل من لحم أضحيته قبل أن يتصدق ، وروي عن عطاء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَتِه » . وروى منصور ، عن إبراهيم قال : كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم ، فرخص للمسلمين بقوله : { فَكُلُواْ مِنْهَا فَمَن شَاء أَكَلَ وَمَن شَاء لَمْ يَأْكُلُ } . قال الفقيه أبو الليث رحمه الله : والأفضل أن يتصدق بثلثه على المساكين ، ويعطي ثلثه للجيران والقرابة أغنياء كانوا أو فقراء ويمسك لنفسه ثلثه . وروي عن ابن مسعود نحو هذا . وروي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن القانع والمعتر ، فقال : القانع الذي يقنع بما أعطي ، والمعتر الذي يعتري بالأبواب ، قال : أما سمعت قول زهير :

عَلَى مُكْثريهمُ حَقُّ مَنِ يَعتَرِيهِم . . . وَعِنْدَ المُقِلِّينَ السَّمَاحَةُ وَالبَذْلُ

وقال مجاهد : القانع جارك وإن كان غنياً . ثم قال تعالى : { كذلك سخرناها لَكُمْ } ، أي ذللناها لكم وهي البدن . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، يعني : لكي تشكروا رب النعمة .