تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (36)

{ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 36 ) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ( 37 ) } .

36

التفسير :

36 - وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ . . . الآية

البدن : جمع بدنة ( بالتحريك ) وأصل الجمع ( بدن ) بضم الباء والدال ، ثم خفف بتسكين وسطه ، وهي الإبل ، وكذا البقر كما قيل ، وتطلق على الذكر والأنثى .

شعائر الله : جمع شعيرة ، أي : علامة ، فالبدن من علامات دين الله في الحج .

صواف : أي : قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن استعدادا لنحرها .

وجت جنوبها : سقطت على الأرض ، ويراد بذلك : زهقت أرواحها وفقدت الحركة .

القانع : الراضي بما عنده وبما يعطي من غير مسألة ، وفعله من باب فرح يفرح ، ومصدره القناعة .

والمعتر : المتعرض للسؤال .

سخرناها لكم : ذللناها ومكناكم منها .

يمتن الله سبحانه وتعالى على عباده بتسخير الجمال والنياق لهم ؛ فهي مع بدانتها وقوتها ، قد ذللها الله لنا وسخرها لنا ؛ فنركبها ونأكل لحمها ، ونشرب لبناها ، ونذبحها فلا تفر ولا تمتنع ؛ مع أن بعض الوحوش أقل منها حجما وقوة ، ولم يذلل للإنسان ، وإذا جمح البعير وند استعصى على الآدمي ، وهي حين تساق إلى البيت الحرام ، لتذبح في الحرم من شعائر الله ، ومعالم الدين والنسك ؛ حيث تساق قربانا لله تعالى ، وتذبح عند البيت الحرام في منى ومكة ؛ وفي الحديث الشريف : ( فجاج مكة كلها منحر ) .

لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ .

جملة من المنافع الدينية والدنيوية : فأنتم تركبون عليها ، وتحملون عليها أمتعتكم ، وتشربون ألبانها ، وتأكلون لحومها ، وتقدمونها للهدي أو الأضحية أو التقرب إلى الله تعالى ، فلكم فيها طائفة من المنافع الدنيوية والدينية .

فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ .

أي : عند إرادة الذبح يقول الذابح : باسم الله ، الله أكبر ؛ وبهذا يجمع بين التسمية والتكبير ، ويكون النحر للإبل وهي قائمة ، قد صففن أيديهن وأرجلهن ، وتعقل إحدى يديها ؛ ليسهل وقوعها على الأرض بعد ذبحها .

وقرئ : صوافن . أي : قائمات على ثلاث وتعقل إحدى يديها ، وعقل إحدى يديها سنة ؛ فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما ، عن ابن عباس : أنه رأى رجلا قد أناخ بدنته وهو ينحرها ؛ فقال : ابعثها قياما مقيدة ، سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمxxiv .

فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ .

فإذا سقطت على الأرض ، وزهقت أرواحها ؛ فأتموا سلخها وتقطيعها ، ويباح لكم الأكل منها وإطعام الفقراء القانعين ، الذين يمكثون في بيوتهم بدون سؤال ، والمتعرضين لكم بالسؤال ؛ سواء طلبوا بألسنتهم ، أو بالمرور عليكم صامتين لتطعموهم من لحمها .

والأكل من الهدايا مباح أو مندوب ، أما إطعام الفقراء فواجب عند الشافعي ؛ حيث أوجب إطعام الفقراء من الهدي ؛ وذهب أبو حنيفة إلى أن الإطعام مندوب ؛ لأنها دماء نسك ، فتحقق القربة منها بإراقة الدم ، أما إطعام الفقراء فهو باق على حكمه العام وهو الندب .

كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .

هكذا سخرناها لكم وذللناها لكم ؛ لتستفيدوا منها بالركوب والحلب والأكل ، والهدي والتقرب بها إلى الله تعالى ؛ لتشكروا إنعامنا عليكم ، بالتقرب والإخلاص في أعمالكم .