الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (36)

{ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَآ أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالْبُدْنَ } أي الإبل العظام الضخام الأجسام ، وتخفّف وتثقّل واحدتها بدنة مثل تمرة وتمر وخشبة وخشب وبادن مثل فاره وفره ، والبدن هو الضخم من كلّ شيء ومنه قيل لامرئ القيس بن النعمان صاحب الخورنق والسدير : البدن لضخمه ، وقد بدُن الرجل بدناً وبدانةً إذا ضخم ، فأما إذا أشفى واسترخى قيل : بدّن تبديناً .

وقال عطاء والسدّي : البدن : الإبل والبقر .

{ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ } أي أعلام دينه إذا أُشعر { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } النفع في الدنيا ، والأجر في العقبى { فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا } عند نحرها ، قال ابن عباس : هو أن تقول : الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر ، اللهمّ منك ولك .

{ صَوَآفَّ } أي قياماً على ثلاث قوائم قد صفّت رجليها وإحدى يديها ويدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك .

روى يعلى بن عطاء عن يحيى بن سالم قال : رأيت ابن عمر وهو ينحر بدنته فقال : صوافّ كما قال الله سبحانه ، فنحرها وهي قائمة معقولة إحدى يديها .

وقال مجاهد : الصواف إذا عقلت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث وتنحر كذلك .

وقرأ ابن مسعود : صوافن وهي المعقلة تعقل يد واحدة ، وكانت على ثلاث وتنحر ، وهو مثل صواف .

وقرأ أُبيّ : صوافي وهكذا أيضاً مجاهد وزيد بن أسلم بالياء أي صافية خالصة لله سبحانه لا شريك له فيها كما كان المشركون يفعلون .

{ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } أي سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض .

وقال ابن زيد : فإذا ماتت ، وأصل الوجوب الوقوع ، يقال : وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب ، ووجب الفعل إذا وقع ما يلزم به فعله .

{ فَكُلُواْ مِنْهَا } أمر إباحة ورخصة مثل قوله سبحانه

{ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ } [ المائدة : 2 ] وقوله سبحانه وتعالى

{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ } [ الجمعة : 10 ] .

{ وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } اختلفوا في معناهما ، فروى العوفي عن ابن عباس وليث عن مجاهد أنّ القانع الذي يقنع بما أُعطي ، ويرضى بما عنده ولا يسأل ، والمعترّ : الذي يمرّ بك ويتعّرض لك ولا يسأل .

عكرمة وابن ميثم وقتادة : القانع : المتعفف الجالس في بيته ، والمعترّ : السائل الذي يعتريك ويسألك ، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس .

حصيف عن مجاهد ، القانع : أهل مكة وجارك وإن كان غنّياً ، والمعتّر الذي يعتريك ويأتيك فيسألك ، وعلى هذه التأويلات يكون القانع من القناعة وهي الرضا والتعفّف وترك السؤال .

سعيد بن جبير والكلبي : القانع : الذي يسألك ، والمعترّ : الذي يتعرّض لك ويريك نفسه ولا يسألك ، وعلى هذا القول يكون القانع من القنوع وهو السؤال . قال الشماخ :

لمال المرء يصلحه فيغني *** مفاقره أعفّ من القنوع

وقال لبيد :

واعطاني المولى على حين فقره *** إذا قال أبصر خلّتي وقنوعي

وقال زيد بن أسلم : القانع : المسكين الذي يطوف ويسأل ، والمعترّ : الصديق الزائر الذي يعترّ بالبدن .

ابن أبي نجيح عن مجاهد : القانع : الطامع ، والمعتر : من يعتر بالبدن من غنّي أو فقير .

ابن زيد : القانع : المسكين ، والمعترّ الذي يعترّ القوم للحمهم وليس بمسكين ولا يكون له ذبيحة ، يجيء إلى القوم لأجل لحمهم .

وقرأ الحسن : والمعتري وهو مثل المعتر ، يقال : عراه واعتراه إذا أتاه طالباً معروفه .

{ كَذلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }