مكية إلا قولة تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ، إلى آخر السورة وآياتها مائة وثمان وعشرون آية .
قوله تعالى : { أتى } أي : جاء ودنا وقرب ، { أمر الله } ، قال ابن عرفة : تقول العرب : أتاك الأمر وهو متوقع بعد ، أي : أتى أمر الله وعده { فلا تستعجلوه } وقوع { أمر الله } قال الكلبي وغيره : المراد منه القيامة . قال ابن عباس : لما نزلت قوله تعالى : { اقتربت الساعة } [ القمر -1 ] قال الكفار بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن ، فلما لم ينزل شيء قالوا : ما نرى شيئاً فنزل قولة : { اقترب للناس حسابهم } [ الأنبياء-1 ] ، فأشفقوا ، فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوفنا به فأنزل الله تعالى : { أتى أمر الله } فوثب النبي صلى الله علية وسلم ورفع الناس رؤوسهم وظنوا أنها قد أتت حقيقة فنزلت { فلا تستعجلوه } فاطمأنوا . والاستعجال : طلب الشيء قبل حينه . ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين ، وأشار بإصبعيه ، وإن كادت لتسبقني . قال ابن عباس : كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة ولما مر جبريل عليه السلام بأهل السموات مبعوثا إلى محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : الله أكبر قامت الساعة . وقال قوم : المراد بالأمر هاهنا : عقوبة المكذبين والعذاب بالسيف ، وذلك أن النضر ابن الحارث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، فاستعجل العذاب ، فنزلت هذه الآية . وقتل النضر يوم بدر صبراً . { سبحانه وتعالى عما يشركون } ، معناه تعاظم بالأوصاف الحميدة عما يصفه به المشركون .
سورة النحل مكية وآياتها ثمان وعشرون ومائة
هذه السورة هادئة الإيقاع ، عادية الجرس ؛ ولكنها مليئة حافلة . موضوعاتها الرئيسية كثيرة منوعة ؛ والإطار الذي تعرض فيه واسع شامل ؛ والأوتار التي توقع عليها متعددة مؤثرة ، والظلال التي تلونها عميقة الخطوط .
وهي كسائر السور المكية تعالج موضوعات العقيدة الكبرى : الألوهية . والوحي . والبعث . ولكنها تلم بموضوعات جانبية أخرى تتعلق بتلك الموضوعات الرئيسية . تلم بحقيقة الوحدانية الكبرى التي تصل بين دين إبراهيم - عليه السلام - ودين محمد [ ص ] وتلم بحقيقة الإرادة الإلهية والإرادة البشرية فيما يختص بالإيمان والكفر والهدى والضلال . وتلم بوظيفة الرسل ، وسنة الله في المكذبين لهم . وتلم بموضوع التحليل والتحريم وأوهام الوثنية حول هذا الموضوع . وتلم بالهجرة في سبيل الله ، وفتنة المسلمين في دينهم ، والكفر بعد الإيمان وجزاء هذا كله عند الله . . ثم تضيف إلى موضوعات العقيدة موضوعات المعاملة : العدل والإحسان والإنفاق والوفاء بالعهد ، وغيرها من موضوعات السلوك القائم على العقيدة . . وهكذا هي مليئة حافلة من ناحية الموضوعات التي تعالجها .
فأما الإطار الذي تعرض فيه هذه الموضوعات ، والمجال الذي تجري فيه الأحداث ، فهو فسيح شامل . . هو السماوات والأرض . والماء الهاطل والشجر النامي . والليل والنهار والشمس والقمر والنجوم . والبحار والجبال والمعالم والسبل والأنهار . وهو الدنيا بأحداثها ومصائرها ، والأخرى بأقدارها ومشاهدها . وهو الغيب بألوانه وأعماقه في الأنفس والآفاق .
في هذا المجال الفسيح يبدو سياق السورة وكأنه حملة ضخمة للتوجيه والتأثير واستجاشة العقل والضمير . حملة هادئة الإيقاع ، ولكنها متعددة الأوتار . ليست في جلجلة الأنعام والرعد ، ولكنها في هدوئها تخاطب كل حاسة وكل جارحة في الكيان البشري ، وتتجه إلى العقل الواعي كما تتجه إلى الوجدان الحساس . إنها تخاطب العين لترى ، والأذن لتسمع ، واللمس ليستشعر ، والوجدان ليتأثر ، والعقل ليتدبر . وتحشد الكون كله : سماؤه وأرضه ، وشمسه وقمره ، وليله ونهاره ، وجباله وبحاره وفجاجه وأنهاره وظلاله وأكنانه نبته وثماره ، وحيوانه وطيوره . كما تحشد دنياه وآخرته ، وأسراره وغيوبه . . كلها أدوات توقع بها على أوتار الحواس والجوارح والعقول والقلوب ، مختلف الإيقاعات التي لا يصمد لها فلا يتأثر بها إلا العقل المغلق والقلب الميت ، والحس المطموس .
هذه الإيقاعات تتناول التوجيه إلى آيات الله في الكون ، وآلائه على الناس كما تتناول مشاهد القيامة ، وصور الاحتضار ، ومصارع الغابرين ؛ تصاحبها اللمسات الوجدانية التي تتدسس إلى أسرار الأنفس ، وإلى أحوال البشر وهم أجنة في البطون ، وهم في الشباب والهرم والشيخوخة ، وهم في حالات الضعف والقوة ، وهم في أحوال النعمة والنقمة . كذلك يتخذ الأمثال والمشاهد والحوار والقصص الخفيف أدوات للعرض والإيضاح .
فأما الظلال العميقة التي تلون جو السورة كله فهي الآيات الكونية تتجلى فيها عظمة الخلق ، وعظمة النعمة ، وعظمة العلم والتدبير . . كلها متداخلة . . فهذا الخلق الهائل العظيم المدبر عن علم وتقدير ، ملحوظ فيه أن يكون نعمة على البشر ، لا تلبي ضروراتهم وحدها ، ولكن تلبي أشواقهم كذلك ، فتسد الضرورة . وتتخذ للزينة ، وترتاح بها أبدانهم وتستروح لها نفوسهم ، لعلهم يشكرون . .
ومن ثم تتراءى في السورة ظلال النعمة وظلال الشكر ، والتوجيهات إليها ، والتعقيب بها في مقاطع السورة ، وتضرب عليها الأمثال ، وتعرض لها النماذج ، وأظهرها نموذج إبراهيم( شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ) .
كل أولئك في تناسق ملحوظ بين الصور والظلال والعبارات والإيقاعات ، والقضايا والموضوعات نرجو أن نقف على نماذج منه في أثناء استعراضنا للسياق .
ونبدأ الشوط الأول ، وموضوعه هو التوحيد ؛ وأدواته هي آيات الله في الخلق ، وأياديه في النعمة ، وعلمه الشامل في السر والعلانية ، والدنيا والآخرة . فلنأخذ في التفصيل :
( تى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون . ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده : أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) . .
لقد كان مشركوا مكة يستعجلون الرسول [ ص ] أن يأتيهم بعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة . وكلما امتد بهم الأجل ولم ينزل بهم العذاب زادوا استعجالا ، وزادوا استهزاء ، وزادوا استهتارا ؛ وحسبوا أن محمدا يخوفهم ما لا وجود له ولا حقيقة ، ليؤمنوا له ويستسلموا . ولم يدركوا حكمة الله في إمهالهم ورحمته في إنظارهم ؛ ولم يحاولوا تدبر آياته في الكون ، وآياته في القرآن . هذه الآيات التي تخاطب العقول والقلوب ، خيرا من خطابها بالعذاب ! والتي تليق بالإنسان الذي أكرمه الله بالعقل والشعور ، وحرية الإرادة والتفكير .
وجاء مطلع السورة حاسما جازما : أتى أمر الله . . يوحي بصدور الأمر وتوجه الإرادة ؛ وهذا يكفي لتحققه في الموعد الذي قدره الله لوقوعه ( فلا تستعجلوه )فإن سنة الله تمضي وفق مشيئته ، لا يقدمها استعجال . ولا يؤخرها رجاء . فأمر الله بالعذاب أو بالساعة قد قضي وانتهى ، أما وقوعه ونفاذه فسيكون في حينه المقدر ، لا يستقدم ساعة ولا يتأخر .
وهذه الصيغة الحاسمة الجازمة ذات وقع في النفس مهما تتماسك أو تكابر ، وذلك فوق مطابقتها لحقيقة الواقع ؛ فأمر الله لا بد واقع ، ومجرد قضائه يعد في حكم نفاذه ، ويتحقق به وجوده ، فلا مبالغة في الصيغة ولا مجانبة للحقيقة ، في الوقت الذي تؤدي غايتها من التأثر العميق في الشعور .
فأما ما هم عليه من شرك بالله الواحد ، وتصورات مستمدة من هذا الشرك فقد تنزه الله عنه وتعالى :
( سبحانه وتعالى عما يشركون ) بكل صوره وأشكاله ، الناشئة عن هبوط في التصور والتفكير .
{ أَتَىَ أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ } .
يقول تعالى ذكره : أتى أمر الله فقرُب منكم أيها الناس ودنا ، فلا تستعجلوا وقوعه .
ثم اختلف أهل التأويل في الأمر الذي أعلم الله عباده مجيئه وقُربه منهم ما هو ، وأيّ شيء هو ؟ فقال بعضهم : هو فرائضه وأحكامه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { أتَى أمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } قال : الأحكام والحدود والفرائض .
وقال آخرون : بل ذلك وعيد من الله لأهل الشرك به ، أخبرهم أن الساعة قد قَرُبت وأن عذابهم قد حضر أجله فدنا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : لما نزلت هذه الآية ، يعني : أتَى أمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن أمر الله أتى ، فأمسِكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن فلما رأوا أنه لا ينزل شيء ، قالوا : ما نراه نزل شيء فنزلت : اقْتَرَبَ للنّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ في غَفْلَة مُعْرِضُون فقالوا : إن هذا يزعم مثلها أيضا . فلما رأوا أنه لا ينزل شيء ، قالوا : ما نراه نزل شيء فنزلت : وَلَئِنْ أخّرْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إلى أُمّة مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنّ ما يَحْبَسُهُ ألا يَوْمَ يأتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفا عَنْهُمْ وَحاقَ بِهمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي بكر بن حفص ، قال : لما نزلت : { أتَى أمْرُ اللّهِ } رفعوا رءوسهم ، فنزلت : { فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا أبو بكر بن شعيب ، قال : سمعت صادق أبا يقرأ : «يا عِبادَي أتَى أمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ » .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : هو تهديد من أهل الكفر به وبرسوله ، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك وذلك أنه عقّب ذلك بقوله سبحانه وتعالى : عَمّا يُشْرِكُونَ فدلّ بذلك على تقريعه المشركين ووعيده لهم . وبعد ، فإنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجل فرائض قبل أن تُفرض عليهم فيقال لهم من أجل ذلك : قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها . وأما مستعجلو العذاب من المشركين ، فقد كانوا كثيرا .
وقوله سبحانه وتعالى : { عَمّا يُشْرِكُونَ } يقول تعالى ذكره : تنزيها لله وعلوّا له عن الشرك الذي كانت قريش ومن كان من العرب على مثل ما هم عليه يَدين به .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله تعالى : { عَمّا يُشْرِكُونَ } فقرأ ذلك أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين : { عَمّا يُشْرِكُونَ } بالياء على الخبر عن أهل الكفر بالله وتوجيه للخطاب بالاستعجال إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك قرءوا الثانية بالياء . وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة بالتاء على توجيه الخطاب بقوله : فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبقوله تعالى : «عَمّا تُشْرِكُونَ » إلى المشركين . والقراءة بالتاء في الحرفين جميعا على وجه الخطاب للمشركين أولى بالصواب لما بيّنت من التأويل أن ذلك إنما هو وعيد من الله للمشركين ؛ ابتدأ أول الآية بتهديدهم وختم آخرها بنكير فعلهم واستعظام كفرهم على وجه الخطاب لهم .
{أتى أمر الله فلا تستعجلوه} كانوا يستعجلون ما أو عدهم الرسول صلى الله عليه وسلم من قيام الساعة ، أو إهلاك الله تعالى إياهم كما فعل يوم بدر استهزاء وتكذيبا ، ويقولون إن صح ما تقوله فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت ، والمعنى أن الأمر الموعود به بمنزلة الآتي المتحقق من حيث إنه واجب الوقوع ، فلا تستعجلوا وقوعه فإنه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه . { سبحانه تعالى عما يشركون } تبرأ وجل عن أن يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم . وقرأ حمزة و الكسائي بالتاء على وفق قوله : { فلا تستعجلوه } والباقون بالياء على تلوين الخطاب ، أو على أن الخطاب للمؤمنين أو لهم ولغيرهم ، لما روي أنه لما نزلت أتى أمر الله فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم فنزلت { فلا تستعجلوه } .
هذه السورة كانت تسمى سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها من نعمه على عباده ، وهي مكية غير قوله تعالى : { وإن عوقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } الآية ، نزلت بالمدينة في شأن التمثيل بحمزة رضي الله عنه وقتلى أحد ، وغير قوله تعالى : { واصبر و ما صبرك إلا بالله } ، وغير قوله : { ثم إن ربك للذين هاجروا } الآية ، وأما قوله تعالى : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا } فمكي في شأن هجرة الحبشة{[1]} .
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال جبريل في سرد الوحي : { أتى أمر الله } وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ، فلما قال { فلا تستعجلوه } سكن{[7238]} . وقوله { أمر الله } قال فيه جمهور المفسرين : إنه يريد القيامة وفيها وعيد للكفار ، وقيل : المراد نصر محمد عليه السلام ، وقيل : المراد تعذيب كفار مكة بقتل محمد صلى الله عليه وسلم لهم وظهوره عليهم ، ذكر نحو هذا النقاش عن ابن عباس ، وقيل : المراد فرائض الله وأحكامه في عباده وشرعه لهم ، هذا هو قول الضحاك ، ويضعفه قوله { فلا تستعجلوه } إنا لا نعرف استعجالاً إلا ثلاثة اثنان منها للكفار وهي في القيامة وفي العذاب ، والثالث للمؤمنين في النصر وظهور الإسلام ، وقوله { أتى } على هذا القول إخبار عن إتيان ما يأتي ، وصح ذلك من جهة التأكيد ، وإذا كان الخبر حقاً فيؤكد المستقبل بأن يخرج في صيغة الماضي ، أي كأنه لوضوحه والثقة به قد وقع ، ويحسن ذلك في خبر الله تعالى لصدق وقوعه ، وقال قوم : { أتى } بمعنى قرب ، وهذا نحو ما قلت ، وإنما يجوز الكلام بهذا عندي لمن يعلم قرينه التأكيد ويفهم المجاز ، وأما إن كان المخاطب لا يفهم القرينة فلا يجوز وضع الماضي موضع المستقبل ، لأن ذلك يفسد الخبر ويوجب الكذب ، وإنما جار في الشرط لوضوح القرينة ب { أن } ، ومن قال : إن الأمر القيامة ، قال : إن قوله { فلا تستعجلوه } رد على المكذبين بالبعث القائلين متى هذا الوعد ، ومن قال : إن الأمر تعذيب الكفار بنصر محمد صلى الله عليه وسلم وقتله لهم ، قال إن قوله { فلا تستعجلوه } رد على القائلين { عجل لنا قطنا }{[7239]} [ ص : 16 ] ونحوه من العذاب ، أو على مستبطئي النصر من المؤمنين في قراءة من قرأ بالتاء ، وقرأ الجمهور «فلا تستعجلوه » بالتاء على مخاطبة المؤمنين أو على مخاطبة الكافرين بمعنى قل لهم : «فلا تستعجلوه » ، وقرأ سعيد بن جبير بالياء على غيبة المشركين ، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء من فوق وجميع الباقين قرأ «يشركون » بالياء ، ورجح الطبري القراءة بالتاء من فوق في الحرفين ، قال أبو حاتم : قرأ «يشركون » بالياء ، من تحت في هذه والتي بعدها الأعرج وأبو جعفر ونافع وأبو عمرو وابن نصاح والحسن وأبو رجاء ، وقرأ عيسى الأولى بالتاء من فوق ، والثانية بالياء من تحت ، وقرأهما جميعاً بالتاء من فوق أبو العالية وطلحة والأعمش وأبو عبد الرحمن ويحيى بن وثاب والجحدري ، وقد روى الأصمعي عن نافع التاء في الأولى . وقوله { سبحانه } معناه تنزيهاً له ، وحكى الطبري عن ابن جريج ، قال : لما نزلت { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } قال رجال من الكفار ، إن هذا يزعم أن أمر الله قد أتى فأمسكوا عما أنتم بسبيله حتى ننظر ، فلما لم يروا شيئاً عادوا فنزلت :{ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون }{[7240]} [ الأنبياء : 1 ] فقالوا مثل ذلك : فنزلت { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم }{[7241]} [ هود : 8 ] ، وقال أبو بكر بن حفص : لما نزلت { أتى أمر الله } رفعوا رؤوسهم ، فنزلت { فلا تستعجلوه } ، وحكى الطبري عن أبي صادق أنه قرأ : «يا عبادي أتى أمر الله فلا تستعجلوه » . و { سبحانه } نصب على المصدر أي تنزيهاً له .