سورة النحل مكية ، آياتها مائة وثمان وعشرون ، وقال كثير من العلماء أن الآيات الثلاث الأخيرة مدنية وهي قوله تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به . . . الآيات } .
ابتدأت السورة بتأكيد وعيد الله تعالى للمشركين ، وبيان قدرته على تنفيذه بدليل خلقه السماوات والأرض ، ثم الامتنان على عباده بخلق الأنعام
وما فيها من منافع ، وإنباته الزرع ، وما خلق في البحر من أسماك تؤكل ، وجواهر للزينة . ثم أشار إلى ما تستوجبه هذه النعم من شكره ، ووجوب عبادته ، وإلى افتراء المشركين على القرآن الكريم وادعاء أنه من أساطير الأولين ، وإنذارهم بأن يحلّ بهم ما حل بمن قبلهم من العذاب . ثم ذكر سبحانه إنكار المشركين للبعث ولجاجتهم في الإنكار ، واحتجاج المشركين بعدم الحاجة إلى إرسال الرسل ، وبيّن أن وظيفة الرسل البلاغ والإنذار لا خلق الهداية والإيمان . وأجمل دعوة الأنبياء بأنها عبادة الله واجتناب الطاغوت . فمن الناس من استجاب لدعوتهم ، ومنهم من حقّت عليهم الضلالة .
ثم أورد إنكار المشركين للبعث والنشور وحلفهم على ذلك . وعطف إلى إنكارهم رسالة محمد وبعثه وأنه رجل لا ملك . فكذبهم الله بأن الأنبياء جميعا كانوا رجالا لا ملائكة . ثم أكد إنذار المشركين بعذاب الخسف ، وذكّر أنهم جعلوا الملائكة بنات مع حزنهم إذا بشر أحدهم بالأنثى . كذلك بين الله رحمته بعبادة وعدم مؤاخذتهم بذنوبهم ، وأنه لو آخذهم لما ترك على ظهر الأرض دابة ، وعدّد بعض نعمه الكثيرة عليهم ، ومنها إنزال اللبن من بين الفرث والدم ، وما خلقه من ثمرات من النخيل والأعناب ، والعسل والنخل .
وبعد ذلك ضرب الأمثال لقدرته ، ومنها خلق السمع والبصر وتسخير الطير في جو السماء . كذلك أنه جعل لهم البيوت سكنا ، ومكنهم أن يتخذوا سرابيل تقيهم الحر وبأس العدو . كما جعل الأنبياء شهداء على أممهم ، وأمر عباده بالعدل والإحسان وصلة الأرحام ، وبالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، كما أمرهم بالوفاء بالعهود وضرب الأمثال على ذلك . ثم وجّه سبحانه وتعالى الأنظار إلى عظم المخلوقات الدالة بدورها على عظمة الخالق ، وكيف قابل المشركون هذا الفضل العميم .
وبعد أن بيّن مطالب الإسلام في كل فضيلة أشار إلى إعجاز القرآن ، وكفر المشركين به وافترائهم عليه ، ثم أشار إلى حال هؤلاء يوم القيامة ، وبيّن كيف كانوا يحلون ويحرمون من غير حجة ، كما فعل اليهود أيضا . وجاء على ذكر إبراهيم فمدحه بصفات لم يوصف بها نبي غيره ، وأمر النبي محمدا صلى الله عليه وسلم باتباعه وسلوك طريقته .
فالسورة مملوءة حافلة ، موضوعاتها الرئيسية متنوعة ، والعرض فيها هادئ رصين ، يرد في تناسق ملحوظ بين الصور والعبارات ، والقضايا والموضوعات . وتختم السورة بهذه الآية اللطيفة المبشرة : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } .
أتى أمر الله : دنا وقرب . أمر الله : وعده وحكمه .
كان مشركو مكةَ يستعجلون الرسولَ عليه الصلاة والسلام أن يأتيهم بعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، فجاء مطلعُ هذه السورة حاسماً : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوه } .
وقد تحقَّقَ هذا الوعيدُ بأن أهلك الله عدداً من صناديِدهم في هذه الدنيا ونصر رسولَه والمؤمنين ، ولَعذابُ الآخرة أشدّ ، وهو واقعٌ لا ريب فيه . تَنَزَّه الله عن أن يكون له شريك يُعبد دونه .
قرأ حمزة والكسائي : «تشركون » بالتاء ، والباقون «يشركون » بالياء كما هي في المصحف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.