تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النحل

سورة النحل مكية ، آياتها مائة وثمان وعشرون ، وقال كثير من العلماء أن الآيات الثلاث الأخيرة مدنية وهي قوله تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به . . . الآيات } .

ابتدأت السورة بتأكيد وعيد الله تعالى للمشركين ، وبيان قدرته على تنفيذه بدليل خلقه السماوات والأرض ، ثم الامتنان على عباده بخلق الأنعام

وما فيها من منافع ، وإنباته الزرع ، وما خلق في البحر من أسماك تؤكل ، وجواهر للزينة . ثم أشار إلى ما تستوجبه هذه النعم من شكره ، ووجوب عبادته ، وإلى افتراء المشركين على القرآن الكريم وادعاء أنه من أساطير الأولين ، وإنذارهم بأن يحلّ بهم ما حل بمن قبلهم من العذاب . ثم ذكر سبحانه إنكار المشركين للبعث ولجاجتهم في الإنكار ، واحتجاج المشركين بعدم الحاجة إلى إرسال الرسل ، وبيّن أن وظيفة الرسل البلاغ والإنذار لا خلق الهداية والإيمان . وأجمل دعوة الأنبياء بأنها عبادة الله واجتناب الطاغوت . فمن الناس من استجاب لدعوتهم ، ومنهم من حقّت عليهم الضلالة .

ثم أورد إنكار المشركين للبعث والنشور وحلفهم على ذلك . وعطف إلى إنكارهم رسالة محمد وبعثه وأنه رجل لا ملك . فكذبهم الله بأن الأنبياء جميعا كانوا رجالا لا ملائكة . ثم أكد إنذار المشركين بعذاب الخسف ، وذكّر أنهم جعلوا الملائكة بنات مع حزنهم إذا بشر أحدهم بالأنثى . كذلك بين الله رحمته بعبادة وعدم مؤاخذتهم بذنوبهم ، وأنه لو آخذهم لما ترك على ظهر الأرض دابة ، وعدّد بعض نعمه الكثيرة عليهم ، ومنها إنزال اللبن من بين الفرث والدم ، وما خلقه من ثمرات من النخيل والأعناب ، والعسل والنخل .

وبعد ذلك ضرب الأمثال لقدرته ، ومنها خلق السمع والبصر وتسخير الطير في جو السماء . كذلك أنه جعل لهم البيوت سكنا ، ومكنهم أن يتخذوا سرابيل تقيهم الحر وبأس العدو . كما جعل الأنبياء شهداء على أممهم ، وأمر عباده بالعدل والإحسان وصلة الأرحام ، وبالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، كما أمرهم بالوفاء بالعهود وضرب الأمثال على ذلك . ثم وجّه سبحانه وتعالى الأنظار إلى عظم المخلوقات الدالة بدورها على عظمة الخالق ، وكيف قابل المشركون هذا الفضل العميم .

وبعد أن بيّن مطالب الإسلام في كل فضيلة أشار إلى إعجاز القرآن ، وكفر المشركين به وافترائهم عليه ، ثم أشار إلى حال هؤلاء يوم القيامة ، وبيّن كيف كانوا يحلون ويحرمون من غير حجة ، كما فعل اليهود أيضا . وجاء على ذكر إبراهيم فمدحه بصفات لم يوصف بها نبي غيره ، وأمر النبي محمدا صلى الله عليه وسلم باتباعه وسلوك طريقته .

فالسورة مملوءة حافلة ، موضوعاتها الرئيسية متنوعة ، والعرض فيها هادئ رصين ، يرد في تناسق ملحوظ بين الصور والعبارات ، والقضايا والموضوعات . وتختم السورة بهذه الآية اللطيفة المبشرة : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } .

بسم الله الرحمان الرحيم

أتى أمر الله : دنا وقرب . أمر الله : وعده وحكمه .

كان مشركو مكةَ يستعجلون الرسولَ عليه الصلاة والسلام أن يأتيهم بعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، فجاء مطلعُ هذه السورة حاسماً : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوه } .

وقد تحقَّقَ هذا الوعيدُ بأن أهلك الله عدداً من صناديِدهم في هذه الدنيا ونصر رسولَه والمؤمنين ، ولَعذابُ الآخرة أشدّ ، وهو واقعٌ لا ريب فيه . تَنَزَّه الله عن أن يكون له شريك يُعبد دونه .

قراءات :

قرأ حمزة والكسائي : «تشركون » بالتاء ، والباقون «يشركون » بالياء كما هي في المصحف .