{ أَتَىَ أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ } .
يقول تعالى ذكره : أتى أمر الله فقرُب منكم أيها الناس ودنا ، فلا تستعجلوا وقوعه .
ثم اختلف أهل التأويل في الأمر الذي أعلم الله عباده مجيئه وقُربه منهم ما هو ، وأيّ شيء هو ؟ فقال بعضهم : هو فرائضه وأحكامه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { أتَى أمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } قال : الأحكام والحدود والفرائض .
وقال آخرون : بل ذلك وعيد من الله لأهل الشرك به ، أخبرهم أن الساعة قد قَرُبت وأن عذابهم قد حضر أجله فدنا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : لما نزلت هذه الآية ، يعني : أتَى أمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن أمر الله أتى ، فأمسِكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن فلما رأوا أنه لا ينزل شيء ، قالوا : ما نراه نزل شيء فنزلت : اقْتَرَبَ للنّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ في غَفْلَة مُعْرِضُون فقالوا : إن هذا يزعم مثلها أيضا . فلما رأوا أنه لا ينزل شيء ، قالوا : ما نراه نزل شيء فنزلت : وَلَئِنْ أخّرْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إلى أُمّة مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنّ ما يَحْبَسُهُ ألا يَوْمَ يأتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفا عَنْهُمْ وَحاقَ بِهمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي بكر بن حفص ، قال : لما نزلت : { أتَى أمْرُ اللّهِ } رفعوا رءوسهم ، فنزلت : { فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا أبو بكر بن شعيب ، قال : سمعت صادق أبا يقرأ : «يا عِبادَي أتَى أمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ » .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : هو تهديد من أهل الكفر به وبرسوله ، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك وذلك أنه عقّب ذلك بقوله سبحانه وتعالى : عَمّا يُشْرِكُونَ فدلّ بذلك على تقريعه المشركين ووعيده لهم . وبعد ، فإنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجل فرائض قبل أن تُفرض عليهم فيقال لهم من أجل ذلك : قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها . وأما مستعجلو العذاب من المشركين ، فقد كانوا كثيرا .
وقوله سبحانه وتعالى : { عَمّا يُشْرِكُونَ } يقول تعالى ذكره : تنزيها لله وعلوّا له عن الشرك الذي كانت قريش ومن كان من العرب على مثل ما هم عليه يَدين به .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله تعالى : { عَمّا يُشْرِكُونَ } فقرأ ذلك أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين : { عَمّا يُشْرِكُونَ } بالياء على الخبر عن أهل الكفر بالله وتوجيه للخطاب بالاستعجال إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك قرءوا الثانية بالياء . وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة بالتاء على توجيه الخطاب بقوله : فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبقوله تعالى : «عَمّا تُشْرِكُونَ » إلى المشركين . والقراءة بالتاء في الحرفين جميعا على وجه الخطاب للمشركين أولى بالصواب لما بيّنت من التأويل أن ذلك إنما هو وعيد من الله للمشركين ؛ ابتدأ أول الآية بتهديدهم وختم آخرها بنكير فعلهم واستعظام كفرهم على وجه الخطاب لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.