قوله تعالى : { ويسألونك عن اليتامى } . قال ابن عباس وقتادة : لما نزل قوله تعالى : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) وقوله تعالى ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً . ) تحرج المسلمون من أموال اليتامى تحرجاً شديداً حتى عزلوا أموال اليتامى عن أموالهم ، حتى كان يصنع لليتيم طعام فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد ، فاشتد ذلك عليهم ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية : قوله تعالى : { قل إصلاح لهم خير } . أي الإصلاح لأموالهم من غير أجرة ولا أخذ عوض ، خير لكم وأعظم أجراً ، لما لكم في ذلك من الثواب ، وخير لهم ، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم ، قال مجاهد : يوسع عليهم من طعام نفسه ، ولا يوسع من طعام اليتيم .
قوله تعالى : { وإن تخالطوهم } . هذه إباحة المخالطة ، أي وأن تشاركوهم في أموالهم وتخلطوها بأموالكم في نفقاتكم ومساكنكم وخدمكم ودوابكم ، فتصيبوا من أموالهم عوضاً من قيامكم بأمورهم أوتكافئوهم على ما تصيبون من أموالهم .
قوله تعالى : { فإخوانكم } . أي فهم إخوانكم ، والإخوان يعين بعضهم بعضاً ، ويصيب بعضهم من أموال بعض على وجه الإصلاح والرضا .
قوله تعالى : { والله يعلم المفسد } . لأموالهم .
قوله تعالى : { من المصلح } . لها يعني الذي يقصد بالمخالطة ، الخيانة وإفساد أموال اليتيم وأكله بغير حق من الذي يقصد الإصلاح .
قوله تعالى : { ولو شاء الله لأعنتكم } . أي لضيق عليكم وما أباح لكم مخالطتهم ، وقال ابن عباس : ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً لكم ، وأصل العنت الشدة والمشقة . ومعناه : كلفكم في كل شيء ما يشق عليكم .
قوله تعالى : { إن الله عزيز } . أي عزيز في سلطانه وقدرته على الإعنات وقيل : العزيز الذي يأمر بعزه . سهل على العباد أو شق عليهم .
( ويسألونك عن اليتامى ؟ قل : إصلاح لهم خير . وإن تخالطوهم فإخوانكم . والله يعلم المفسد من المصلح . ولو شاء الله لأعنتكم ، إن الله عزيز حكيم ) . .
إن التكافل الاجتماعي هو قاعدة المجتمع الإسلامي . والجماعة المسلمة مكلفة أن ترعى مصالح الضعفاء فيها . واليتامى بفقدهم آباءهم وهم صغار ضعاف أولى برعاية الجماعة وحمايتها . رعايتها لنفوسهم وحمايتها لأموالهم . ولقد كان بعض الأوصياء يخلطون طعام اليتامى بطعامهم . وأموالهم بأموالهم للتجارة فيها جميعا ؛ وكان الغبن يقع أحيانا على اليتامى . فنزلت الآيات في التخويف من أكل أموال الأيتام . عندئذ تحرج الأتقياء حتى عزلوا طعام اليتامى من طعامهم . فكان الرجل يكون في حجره اليتيم . يقدم له الطعام من ماله . فإذا فضل منه شيء بقي له حتى يعاود أكله أو يفسد فيطرح ! وهذا تشدد ليس من طبيعة الإسلام . فوق ما فيه من الغرم أحيانا على اليتيم . فعاد القرآن يرد المسلمين إلى الاعتدال واليسر في تناول الأمور ؛ وإلى تحري خير اليتيم والتصرف في حدود مصلحته . فالإصلاح لليتامى خير من اعتزالهم . والمخالطة لا حرج فيها إذا حققت الخير لليتيم . فاليتامى أخوان للأوصياء . كلهم أخوة في الإسلام . أعضاء في الأسرة المسلمة الكبيرة . والله يعلم المفسد من المصلح ، فليس المعول عليه هو ظاهر العمل وشكله . ولكن نيته وثمرته . والله لا يريد إحراج المسلمين وإعناتهم والمشقة عليهم فيما يكلفهم . ولو شاء الله لكلفهم هذا العنت . ولكنه لا يريد . وهو العزيز الحكيم . فهو قادر على ما يريد . ولكنه حكيم لا يريد إلا الخير واليسر والصلاح .
وهكذا يربط الأمر كله بالله ؛ ويشده إلى المحور الأصيل التي تدور عليه العقيدة ، وتدور عليه الحياة . . وهذه هي ميزة التشريع الذي يقوم على العقيدة . فضمانة التنفيذ للتشريع لا تجيء أبدا من الخارج ، إن لم تنبثق وتتعمق في أغوار الضمير . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.