المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 220 )

قوله قبل { في الدنيا } ابتداء آية( {[2087]} ) ، وقد تقدم تعلقه ، وكون { تتفكرون } موقفاً يقوي تعلق { في الدنيا } ب { الآيات } ، وقرأ طاوس «قل إصلاح إليهم خير »( {[2088]} ) ، وسبب الآية فيما قال السدي والضحاك أن العرب كانت عادتهم أن يتجنبوا مال اليتيم ولا يخالطوه في مأكل ولا مشرب ولا شيء ، فكانت تلك مشقة عليهم ، فسألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس( {[2089]} ) وسعيد بن المسيب : سببها أن المسلمين لما نزلت { ولا تقربوا مال اليتيم }( {[2090]} ) [ الأنعام : 152 ] الآية ونزلت { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً }( {[2091]} ) [ النساء : 10 ] تجنبوا اليتامى وأموالهم وعزلوهم عن أنفسهم ، فنزلت { وإن تخالطوهم فإخوانكم }( {[2092]} ) الآية ، وقيل : إن السائل عبد الله بن رواحة ، وأمر الله تعالى نبيه أن يجيب بأن من قصد الإصلاح في مال اليتيم فهو خير ، وما فعل بعد هذا المقصد من مخالطة وانبساط بعوض منه فلا حرج ، ورفع تعالى المشقة في تجنب اليتيم ومأكله ومشربه ، وأباح الخلطة في ذلك إذا قصد الإصلاح ورفق اليتيم ، مثال ذلك كان يكتفي اليتيم دون خلطة بقدر ما في الشهر ، فإن دعت خلطة الولي إلى أن يزاد في ذلك القدر فهي مخالطة فساد ، وإن دعت إلى الحط من ذلك القدر فهي مخالطة إصلاح( {[2093]} ) ، وقوله تعالى : { فإخوانكم } خبر ابتداء محذوف ، وقوله { والله يعلم المفسد من المصلح } تحذير ، والعنت المشقة ، منه عنت العزبة ، وعقبة عنوت أي شاقة ، وعنت البعير إذا انكسر بعد جبر ، فالمعنى : لأتعبكم في تجنب أمر اليتامى ، ولكنه خفف عنكم ، وقال ابن عباس : المعنى لأوبقكم بما سلف من نيلكم من أموال اليتامى ، و { عزيز } مقتضاه لا يرد أمره ، و { حكيم } أي محكم ما ينفذه .


[2087]:- ولذا كتبها بعض المفسرين متصلة بقوله تعالى: [ويسئلونك عن اليتامى] قال الإمام (ق) رحمه الله: وهذه الآية متصلة بما قبل لأنه اقترن بذكر الأموال الأمر بحفظ أموال اليتامى.
[2088]:- أي إيصال الصلاح إليهم في رعاية المال وغيره خير في الثواب من إصلاح أموالكم، وهذه الكلمة جامعة لجميع مصالح اليتيم والولي.
[2089]:- روى سبب النزول عن ابن عباس رضي الله عنهما، أبو داود والنسائي وغيرهما.
[2090]:- من الآية (152) من سورة (الأنعام).
[2091]:- من الآية (10) من سورة (النساء).
[2092]:- يؤخذ من هذه الآية جواز مخالطة الرفقاء في أسفار الحج وغيرها فيجوز إخراج النفقات المتساوية وإن كانوا يختلفون في مقدار ما يأكلون لأنه إذا أبيح ذلك في مال الضعيف القاصر فكيف بالقوي البالغ ؟ ومن ذلك قوله تعالى في قصة أهل الكهف: [فابعثوا أحدكم بورقكم] الآية. ولولا مخالطة اليتيم لكان في ذلك ضيق وحرج.
[2093]:- المراد بقوله تعالى: (قل إصلاح لهم خير) والله أعلم – إصلاح لأحوال اليتامى بتهذيبهم وتربيتهم – ولأموالهم بتنميتها وحفظها من دون مخالطة، فمن قدر على ذلك فهو خير له عند الله [وإن تخالطوهم فإخوانكم]: قال شيخ التفسير الإمام (ط رحمه الله: فتأويل الآية: ويسألك يا محمد أصحابك عن أموال اليتامى وخلطهم أموالهم به في النفقة والمطاعمة والمشاربة والمساكنة والخدمة، فقل لهم: تفضلكم عليهم بإصلاحكم أموالهم من غير أخذ عوض عن أموالهم على إصلاحكم ذلك – خير لكم عند الله، وأعظم لكم أجراً لما لكم في ذلك من الأجر والثواب – وخير لهم في أموالهم في عاجل دنياهم لما في ذلك من توافر أموالهم عليهم، وإن تخالطوهم فتشاركوهم بأموالكم وأموالهم في نفقاتكم ومطاعمكم ومشاربكم ومساكنكم فتضموا من أموالهم عوضا من قيامكم بأمورهم وأسبابهم وإصلاح أموالهم فهم إخوانكم، والإخوان يعين بعضهم بعضا» اهـ. وقال الحافظ ابن (ك): فقوله (قل إصلاح لهم خير) أي على حدة: [وإن تخالطوهم فإخوانكم] أي: وإن خلطتم طعامكم بطعامهم وشرابكم بشرابهم فلا بأس عليكم لأنهم إخوانكم في الدين، ولهذا قال: [والله يعلم المفسد من المصلح] أي: يعلم من قصده الإفساد والإصلاح» اهـ. وتفسير الآية بما ذكر أوفى وأولى من تداخل الجملتين.