معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

وقوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى . . . }

يقال للغلام يَتم ييتْمَ يُتْما ويَتْما . قال : وحُكِي لي يَتَم يَيْتِم . { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } ترفع الإخوان على الضمير ( فهم ) ؛ كأنك قلت ( فهم إخوانكم ) ولو نصبته كان صوابا ؛ يريد : فإخوانَكم تخالطون ، ومثله { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانُكم في الدِينِ وموالِيكم } ولو نصبت ههنا على إضمار فعل ( ادعوهم إخوانكم ومواليكم ) . وفي قراءة عبد الله " إِن تغذِّبْهُمْ فعِبادُكَ " وفي قراءتنا " فإنَّهم عبادك " وإنما يُرفع مِن ذا ما كان اسما يحسن فيه " هو " مع المرفوع . فإذا لم يحسن فيه " هو " أجريته على ما قبله ؛ فقلت : إن اشتريت طعاما فجيِّدا ، أي فاشترِ الجَّيد ، وإن لبِست ثيابا فالبياضَ ؛ تنصب لأن " هو " لا يحسن ههنا ، والمعنى في هذين ههنا مخالف للأوّل ؛ ألا ترى أنك تجد القوم إخوانا وإن جُحِدوا ، ولا تجد كلّ ما يُلْبَس بياضا ، ولا كلّ ما يشترى جَيّدا . فإن نويت أن ما ولى شراءه فجيّد رفعت إذا كان الرجل قد عُرِف بجوْدَة الشراء وبلبوس البياض . وكذلك قول الله { فإن خفتم فرِجالا } نصب ؛ لأنه شيء ليس بدائم ، ولا يصلح فيه " هو " ألا ترى أن المعنى : إن خفتم أن تُصَلُّوا قياما فصَلّوا رِجَالا أو ركبانا [ رجالا يعنى : رجَّالة ] فنُصِبا لأنهما حالان للفعل لا يصلحان خبرا .

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ } المعنى في مثله من الكلام : الله يعلم أيُّهم يُفْسد وأيُّهم يُصلح . فلو وضعت أيّا أو مَنْ مكان الأوّل رفعته ، فقلت : أنا أعلم أيُّهم قام مِن القاعد ، قال [ الفرّاء ] سمعت العرب تقول : ما يعرِف أي مِن أي . وذلك أن ( أي ) و ( مَن ) استفهامان ، والمفسد خبر . ومثله ما أبالى قيامَك أو قعودَك ، ولو جعلت في الكلام استفهاما بطل الفعل عنه فقلت : ما أبالي أقائم أنت أم قاعد . ولو ألقيت الاستفهام اتّصل الفعل بما قبله فانتصب . والاستفهام كله منقطع مما قبله لِخلقة الابتداء به .

وقوله : { وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ . . . }

يقال : قد عَنِت الرجل عَنَتا ، وأعنته الله إعناتا .