بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

قوله تعالى : { ويسألونك عن اليتامى } ، يقول : عن مخالطة اليتامى ؛ وذلك أنه لما نزلت هذه الآية { إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [ النساء : 10 ] ، تركوا مخالطتهم فشق عليهم ذلك . وكان عند الرجل منهم يتيم ، فجعل له بيتاً على حدة وطعاماً على حدة ، ولا يخالطه بشيء من ماله . فقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ، قد أنزل الله آية في أموال اليتامى ، ما قد أنزل من الشدة فعزلناهم على حدة . أفيصلح لنا أن نخالطهم ؟ فنزلت هذه الآية : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى } ، أي عن مخالطة اليتامى . { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } . يقول : أي لمالهم خير من ترك مخالطتهم . { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ } ، أي تشاركوهم في النفقة والخدمة والدابة ، { فَإِخوَانُكُمْ } في الدين . ويقال : الامتناع منه خير وإن تخالطوهم فهم إخوانكم . { والله يَعْلَمُ المفسد } لمال اليتيم { مِنَ المصلح } بماله ، يعني لا بأس بالخلطة ، وإذا قصدت به الإصلاح ولم تقصد به الإضرار به .

ثم قال : { وَلَوْ شَاء الله لأعْنَتَكُمْ إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . قال القتبي : ولو شاء الله ، لضيق عليكم ولشدد عليكم ، ولكنه لم يشأ إلا التسهيل عليكم . وقال الزجاج : { لأعْنَتَكُمْ } ، معناه لأهلككم . وأصل العنت في اللغة من قول العرب : عنت البعير ، إذا انكسرت رجله وحقيقته ولو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم . وقال الكلبي { وَلَوْ شَاء الله لأعْنَتَكُمْ } في مخالطتهم فجعلها حراماً . { إنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ، وقد ذكرناها .