معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

219

قوله تعالى : { ويسألونك عن اليتامى } . قال ابن عباس وقتادة : لما نزل قوله تعالى : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) وقوله تعالى ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً . ) تحرج المسلمون من أموال اليتامى تحرجاً شديداً حتى عزلوا أموال اليتامى عن أموالهم ، حتى كان يصنع لليتيم طعام فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد ، فاشتد ذلك عليهم ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية : قوله تعالى : { قل إصلاح لهم خير } . أي الإصلاح لأموالهم من غير أجرة ولا أخذ عوض ، خير لكم وأعظم أجراً ، لما لكم في ذلك من الثواب ، وخير لهم ، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم ، قال مجاهد : يوسع عليهم من طعام نفسه ، ولا يوسع من طعام اليتيم .

قوله تعالى : { وإن تخالطوهم } . هذه إباحة المخالطة ، أي وأن تشاركوهم في أموالهم وتخلطوها بأموالكم في نفقاتكم ومساكنكم وخدمكم ودوابكم ، فتصيبوا من أموالهم عوضاً من قيامكم بأمورهم أوتكافئوهم على ما تصيبون من أموالهم .

قوله تعالى : { فإخوانكم } . أي فهم إخوانكم ، والإخوان يعين بعضهم بعضاً ، ويصيب بعضهم من أموال بعض على وجه الإصلاح والرضا .

قوله تعالى : { والله يعلم المفسد } . لأموالهم .

قوله تعالى : { من المصلح } . لها يعني الذي يقصد بالمخالطة ، الخيانة وإفساد أموال اليتيم وأكله بغير حق من الذي يقصد الإصلاح .

قوله تعالى : { ولو شاء الله لأعنتكم } . أي لضيق عليكم وما أباح لكم مخالطتهم ، وقال ابن عباس : ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً لكم ، وأصل العنت الشدة والمشقة . ومعناه : كلفكم في كل شيء ما يشق عليكم .

قوله تعالى : { إن الله عزيز } . أي عزيز في سلطانه وقدرته على الإعنات وقيل : العزيز الذي يأمر بعزه . سهل على العباد أو شق عليهم .

قوله تعالى : { حكيم } . فيما صنع من تدبيره وترك الإعنات .