الآية 220 [ وقوله تعالى ]{[2468]} ( في الدنيا والآخرة ) قيل : أما في الدنيا فتعلمون أنها دار بلاء وفناء ، وأما الآخرة [ فهي ]{[2469]} دار جزاء وبقاء [ فتفكرون ، فتعلمون ]{[2470]} الباقية منهما . وقال الحسن : ( إي والله ! ومن تفكر فيهما ليعلمن أن الدنيا دار بلاء ، وأن الآخرة دار بقاء ) ، وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه قال ]{[2471]} : ( ( لعلكم تتفكرون ) ( في الدنيا والآخرة ) ( يعني في زوال الدنيا وفنائها ]{[2472]} إقبال الآخرة وبقاءها ، بل يعلم بالتفكر أن الدنيا للزوال ، وأنها{[2473]} هي للتزود لدار القرار ، فيصرف سعيه إلى التقديم وجهده في فكاك رقبته وإعتاقها ، ولا قوة إلا بالله .
وفي قوله : ( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) دلالة جواز تأخير البيان لأنه أمر بالتفكر والتدبر ، وجعل لهم عند التفكر الوصول إلى المراد في الخطاب ، فدل أنه يتأخر عن وقت قرع الخطاب السمع .
وقوله : ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ) كأن في السؤال إضمارا لأنه قال : ( ويسألونك عن اليتامى ) ولم يبين في أي حكم ، وإضماره ، والله أعلم ، أن يقال : يسألونك عن مخالطة اليتامى ؛ يبين ذلك قوله : ( وإن تخالطوهم فإخوانكم ) أن السؤال كان عن المخالطة ، [ وكذلك قوله : ( يسألونك عن الخمر والميسر ) [ البقرة : 219 ] ، ولم يبين في أي حكم ، فكأنه قال : يسألونك عن شرب الخمر والعمل بالقمار والميسر ، ثم قال : ( قل فيهما إثم كبير ) ؛ دل قوله : ( قل فيهما إثم كبير ) أن السؤال كان من شرب الخمر والعمل بالميسر ، وهذا جائز في اللغة ، وفي القرآن كثير : أن تكون في الجواب بيان السؤال أنه ثم كان ، وإن لم يذكر في السؤال كقوله : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) [ النساء : 176 ] ؛ دل ما ذكر من الفتيا أن الاستفتاء كان عن الميراث ]{[2474]} . وكذلك قوله : ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء التي لا تؤتونهن ما كتب لهن )[ إلى قوله ]{[2475]} ( وأن تقوموا لليتامى بالقسط )[ [ النساء : 127 ] دل قوله : ( وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) ]{[2476]} أن السؤال كان عن النساء اليتامى ، وهذا جائز . وربما يخرج الجواب على إثر نوازل ، فيعرف مراده بالنوازل دون ذكر السؤال .
ثم السؤال يحتمل وجوها{[2477]} يحتمل أن يكون عن مخالطة الأموال والأنفس جميعا بقوله : ( قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ) فإنما حملهم ، والله أعلم ، على سؤال المخالطة ما قيل لما نزل قوله : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) [ إلى قوله ( سعيرا ){[2478]} [ النساء : 10 ] وقوله : ( فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ) [ النساء : 6 ]{[2479]} أشفق المسلمون من مخالطة اليتامى ، فعزلوا لهم بيتا ، وعزلوا طعامهم وخدمهم وثيابهم ، فشق ذلك عليهم جميعا ، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ( ويسألونك عن اليتامى ) الآية .
وفي الآية دليل جواز المناهدات والمؤاكلات في الأسفار وغيرها حين أباح لهم المخالطة بأموال اليتامى ، فإذا احتمل ذلك مال الصغار من اليتامى فاحتماله في مال الكبير أشد ؛ إذ مال الكبير يحتمل الإباحة والإذن ، ومال الصغير لا .
وفي الآية دليل جواز القليل من المعروف واليسير منه في ملك الصغير واحتماله ذلك . ذلك لأنه عز وجل أباح لهم المخالطة مع اليتامى على العلم في الاستيفاء مبلغ الكبير ، بل يقصر عنه .
وفيه دليل أن على الربا ليس هو الأكل ، على ما قاله بعض الناس ، ولكن هو الكيل والوزن ، لأنه أباح لهم المخالطة في المأكول من الطعام والمشروب من الشراب على غير كيل ولا وزن ، على العلم قصور الصغير عن الاستيفاء قدر الكبير وبلوغه . فلو كان [ علته الأكل لكان ]{[2480]} يبيح لهم أكل الربا ، فدل أن علته ليس الأكل ولكن هي الفضل عن الكيل أو الوزن في الجنس .
وفيه دليل جواز بيع التمرة بالتمرتين لخروجه عن الكيل ، وهكذا كل شيء خرج عن الكيل والوزن لترك الناس مكايلته وموازنته ، وإن كان كيليا يجوز بيع واحد باثنين ، والله أعلم .
وفيه دليل أن لا بأس أن يؤدب الرجل اليتيم بما هو صلاح له ، وذلك كما يؤدب ولده ، وأن يعلمه بما فيه الاعتياد لمحاسن الأخلاق والتوسيع كما أمر بالصلاة إذا بلغ سبعا والضرب عليها إذا بلغ عشرا اعتيادا . ألا ترى أنه روي في الخبر " شر الناس الذي يأكل وحده ، ويشرب ، وفي المخالطة : التخلق بالأخلاق الحسنة . وفي تركها : التخلق بالأخلاق السيئة والاعتياد بعادة السوء " ؟ .
وقوله : ( قل إصلاح لهم خير ) فيه دليل إضمار ، وهو طلب الصلاح لهم : إما بالتولي لهم في أموالهم والنظر لهم بما يعقب نفعا لهم ، أو طلب التخلق بالأخلاق الحسنة والاعتياد بالعادة المحمودة . فذلك إصلاح خير بطلبكم الصلاح لهم ، أو خير لهم بما يعود نفع ذلك إليهم ، وإلا فظاهر الصلاح حسن لكل أحد ، فلا وجه لتخصيصهم به ، فدل على أنه طلب النفع والنظر لهم ، والله أعلم .
[ وقوله : ( وإن تخالطوهم فإخوانكم ) فيه دليل الترغيب كقوله : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ){[2481]} [ الأحزاب : 5 ] رغبهم عز وجل بما أخبر أنهم ( فإخوانكم في الدين ) بطلب الصلاح والنظر والنفع لهم ؛ إذ تستوجب بعضهم قبل بعض المعونة لهم والحفظ والصلاح كقوله : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) [ الحجرات : 10 ] ؛ دل قوله : ( فإخوانكم في الدين ) [ الأحزاب : 5 ] على أن الصغير قد ينفع{[2482]} والديه في الدين ، ويجوز{[2483]} منهم التدين إذا عقلوه ، وإن لم يكونوا بلغوا ، والله أعلم .
[ ثم أوعدهم عز وجل [ بقوله ]{[2484]} : ( والله يعلم المفسد من المصلح ) أي ، والله أعلم ، يعلم طالب النفع والنظر لأهم من طالب الفساد والإسراف في أموالهم ؟
[ وقوله ]{[2485]} : ( ولو شاء الله لأعنتكم ) قيل : يضيق عليكم ، ولم يأذن لكم بالمخالطة معه ، وقيل : لآثمكم فلم يرض لكم بالمخالطة ، وقيل : لأخرجكم ، وهو واحد . وأصل العنت الإثم كقوله تعالى : ( عزيز عليه ما عنتم ) [ التوبة : 128 ] يعني أثمتم .
وقوله : ( إن الله عزيز حكيم ) فيه وعيد على ما ذكرنا ، والله أعلم ]{[2486]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.