معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

قوله تعالى : { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق } ، وهما هابيل وقابيل ، ويقال له قابين .

قوله تعالى : { إذ قربا قرباناً } ، وكان سبب قربانهما على ما ذكره أهل العلم أن حواء كانت تلد لآدم عليه السلام في كل بطن غلاماً وجاريةً ، وكان جميع ما ولدته أربعين ولداً في عشرين بطناً ، أولهم قابيل وتوأمته إقليما ، وآخرهم عبد المغيث ، وتوأمته أمة المغيث ، ثم بارك الله عز وجل في نسل آدم عليه السلام ، قال ابن عباس : لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفاً . واختلفوا في مولد قابيل وهابيل ، فقال بعضهم : غشي آدم حواء بعد مهبطهما إلى الأرض بمائة سنة ، فولدت له قابيل وتوأمته إقليما في بطن واحد ، ثم ولدت هابيل وتوأمته لبودا في بطن . وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول : إن آدم كان يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة ، فحملت فيها بقابيل وتوأمته إقليما ، فلم تجد عليهما وحماً ولا وصباً ولا طلقاً حتى ولدتهما ، ولم تر معهما دماً ، فلما هبط إلى الأرض تغشاها ، فحملت بهابيل وتوأمته ، ووجدت عليهما الحم والوصب والطلق والدم ، وكان آدم إذا شب أولاده يزوج غلام هذا البطن جارية بطن أخرى ، فكان الرجل منهم يتزوج أية أخواته شاء إلا توأمته التي ولدت معه ، لأنه لم يكن يومئذ نساء إلا أخواتهم ، فلما ولد قابيل وتوأمته إقليما ، ثم هابيل وتوأمته لبودا ، وكان بينهما سنتان في قول الكلبي ، وأدركوا ، أمر الله تعالى آدم عليه السلام أن ينكح قابيل لبودا أخت هابيل ، وينكح هابيل إقليما أخت قابيل ، وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل ، فذكر ذلك آدم لولده ، فرضي هابيل وسخط قابيل وقال : هي أختي ، أنا أحق بها ، ونحن من ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض ، فقال له أبوه : إنها لا تحل لك ، فأبى أن يقبل ذلك ، وقال : إن الله لم يأمره بهذا ، وإنما هو من رأيه ، فقال لهما آدم عليه السلام : فقربا قرباناً ، فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بها ، وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت نار من السماء بيضاء فأكلتها ، وإذا لم تكن مقبولة لم تنزل النار ، وأكلته الطير والسباع ، فخرجا ليقربا قرباناً ، وكان قابيل صاحب زرع ، فقرب صبرة من طعام من أردأ زرعه ، وأضمر في نفسه ما أبالي أيقبل مني أم لا ، لا يتزوج أختي أبداً ، وكان هابيل صاحب غنم ، فعمد إلى أحسن كبش في غنمه فقرب به ، وأضمر في نفسه رضا الله عز وجل ، فوضعا قربانيهما على الجبل ، ثم دعا آدم عليه السلام فنزلت نار من السماء وأكلت قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل .

قوله تعالى : { فتقبل من أحدهما } يعني هابيل .

قوله تعالى : { ولم يتقبل من الآخر } ، يعني : قابيل ، فنزلوا عن الجبل وقد غضب قابيل لرد قربانه ، وكان يضمر الحسد في نفسه إلى أن أتى آدم مكة لزيارة البيت ، فلما غاب آدم أتى قابيل هابيل وهو في غنمه .

قوله تعالى : { قال لأقتلنك } قال : ولم ؟ قال : لأن الله تعالى قبل قربانك ورد قرباني ، وتنكح أختي الحسناء وأنكح أختك الدميمة ، فيتحدث الناس أنك خير مني ، ويفتخر ولدك على ولدي .

قوله تعالى : { قال } هابيل وما ذنبي ؟

قوله تعالى : { إنما يتقبل الله من المتقين }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

وبعد أن ساق - سبحانه - جوانب متعددة من أحوال أهل الكتاب وما جبلوا عليه من أخلاق سيئة ، أتبع ذلك بقصة ابنى آدم ، فقال - تعالى - :

{ واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابني ءَادَمَ بالحق إِذْ . . . }

قال أبو حيان " مناسبة هذه الآيات لما قبلها ، هو أن الله لما ذكر تمرد بني إسرائيل وعصيانهم أمره في النهوض لقتال الجبارين ، أتبع ذلك بذكر قصة ابني آدم وعصيان قابيل أمر الله ، وأنهم اقتفوا في العصيان أول عاص لله وأنهم انتهوا في خور الطبيعة . وهلع النفوس والجبن والفزع إلى غاية بحيث قالوا لنبيهم الذي ظهرت على يديه خوارق عظيمة - { فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } وانتهى قابيل إلى طرف نقيض منه من الجسارة والعتو بأن أقدم على أكبر المعاصي بعد الشرك وهو قتل النفس التي حرم الله قتلها ، بحيث كان أول من سن القتل ، وكان عليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة . فاشتبهت القصتان من حيث الجبن عن القتل والإِقدام عليه . ومن حيث المعصية بهما وأيضاً فتقدم قوله في أوائل الآيات :

{ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } وتبين أن عدم اتباع بني إسرائيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنما سببه الحسد ، وقصة بني آدم انطوت على الحسد : وأن بسببه وقعت أول جريمة قتل على ظهر الأرض .

وقوله : ( واتل ) من التلاوة . وأصل التلاوة القراءة المتتابعة الواضحة في مخارج حروفها .

وفي النطق بها . والمراد بابني آدم : ولداه وهما قابيل وهابيل .

قال القرطبي : واختلف في ابني آدم . فقال الحسن البصري : ليسا من صلبه كانا رجلين من بني إسرائيل - ضرب الله بهما المثل في إبانة حسد اليهود - وكان بينهما خصومة ، فتقربا بقربانين ، ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل قال ابن عطية : وهذا وهم ، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل يقتدى بالغراب ؟ والصحيح أنهما ابناه لصلبه . هذا قول الجمهور من المفسرين وهما قابيل وهابيل .

والضمير في قوله : ( عليهم ) يعود على بني إسرائيل الذين سبق الحديث عنهم . أو على جميع الذين أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم لهدايتهم ويدخل فيه بنو إسرائيل دخولا أولياً ، لإعلامهم بما هو في كتبهم حيث وردت هذه القصة في التوراة .

وقوله ( بالحق ) متعلق بمحذوف وقع صفة لمصدر ( اتل ) أي : اتل عليهم تلاوة ملتبسة بالحق والصدق . والقربان : اسم لما يتقرب به إلى الله - تعالى - من صدقة أو غيرها . ويطلق في أكثر الأحوال على الذبائح التي يتقرب إلى الله - بذبحها .

قال أبو حيان : وقد طول المفسرون في سبب تقريب هذا القربان - من قابيل وهابيل - وملخصه : أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى ، وكان آدم يزوج ذكر هذا البطن أنثى ذلك البطن الآخر . ولا يحل للذكر نكاح توأمته : فولد مع قابيل أخت جميلة ، وولد مع هابيل أخت دون ذلك .

فأبى قابيل إلا أن يتزوج توأمته لا توأمه هابيل ، وأن يخالف سنة النكاح ونازع قابيل وهابيل في ذلك ، فاتفقا على أن يقدما قربانا - فأيهما قبل قربانه تزوجها ، والقربان الذي قرباه هو زرع لقابيل - وكان صاحب زرع - وكبش هابيل - وكان صاحب غنم - فتقبل من أحدهما وهو هابيل ولم يتقبل من الآخر وهو قابيل . وكانت علامة التقبل أن تأكل نار نازلة من السماء القربان المتقبل وتترك غير المتقبل .

والمعنى : واتل - يا محمد - على هؤلاء الحسدة من اليهود ، وعلى الناس جميعا قصة قابيل وهابيل ، وقت أن قربا قرباناً لله - تعالى - فتقبل الله - عز وجل - قربان أحدهما - وهو هابيل - لصدقة وإخلاصه ، ولم يتقبل من الآخر - وهو قابيل - بسوء نيته وعدم تقواه .

ثم حكى - سبحانه - ما دار بين الأخوين من حوار فقال : { قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ } أي قال قابيل متوعدا أخاه هابيل : لأقتلنك بسبب قبول قربانك ، دون قرباني ، فأنت ترى أن هذا الأخ الظالم قد توعد أخاه بالقتل - وهو من أكبر الكبائر . دون أن يقيم للأخوة التي بينهما وزنا ودون أن يهتم بحرمة الدماء وبحق غيره في الحياة والذي حمله على ذلك الحسد له على مزية القبول .

وقد أكد تصميمه على قتله لأخيه بالقسم المطوي في الكلام والذي ، تدل عليه اللام . ونون التوكيد الثقيلة أي والله لأقتلنك بسبب قبول قربانك .

وهنا يحكي القرآن الكريم ما رد به الأخ البار التقي هابيل على أخيه الظالم الحساد قابيل ، فيقول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين } .

أي : قال هابيل لقابيل ناصحا ومرشداً : إنما يتقبل الله الأعمال والصدقات من عباده المتقين الذين يخشونه في السر والعلن ؛ وليس من سواهم من الظالمين الحاسدين لغيرهم على ما آتاهم الله من نعم ، فعليك أن تكون من المتقين لكي يقبل منك الله .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف كان قوله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين } جوابا لقوله : { لأَقْتُلَنَّكَ } ؟ قلت : لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له : إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى ، لا من قبلي ، فلم تقتلني ؟ ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول ؟ فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان . وفيه دليل على أن الله - تعالى - لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

27

( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق : إذ قربا قربانا ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال : لأقتلنك . قال : إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ، إني أخاف الله رب العالمين : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار ، وذلك جزاء الظالمين . فطوعت له نفسه قتل أخيه ، فقتله ، فأصبح من الخاسرين . فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ، ليريه كيف يواري سوأة أخيه . قال : يا ويلتى ! أعجزت أن أكون مثل هذا >الغراب ، فأواري سوأة أخي ؟ فأصبح من النادمين ) . . .

هذه القصة تقدم نموذجا لطبيعة الشر والعدوان ؛ ونموذجا كذلك من العدوان الصارخ الذي لا مبرر له . كما تقدم نموذجا لطبيعة الخير والسماحة ؛ ونموذجا كذلك من الطيبة والوداعة . وتقفهما وجها لوجه ، كل منهما يتصرف وفق طبيعته . . وترسم الجريمة المنكرة التي يرتكبها الشر ، والعدوان الصارخ الذي يثير الضمير ؛ ويثير الشعور بالحاجة إلى شريعة نافذة بالقصاص العادل ، تكف النموذج الشرير المعتدي عن الاعتداء ، وتخوفه وتردعه بالتخويف عن الإقدام على الجريمة ؛ فإذا ارتكبها - على الرغم من ذلك - وجد الجزاء العادل ، المكافى ء للفعلة المنكرة . كما تصون النموذج الطيب الخير وتحفظ حرمة دمه . فمثل هذه النفوس يجب أن تعيش . وأن تصان ، وأن تأمن ؛ في ظل شريعة عادلة رادعة .

ولا يحدد السياق القرآني لا زمان ولا مكان ولا أسماء القصة . . وعلى الرغم من ورود بعض الآثار والروايات عن : " قابيل وهابيل " وأنهما هما ابنا آدم في هذه القصة ؛ وورود تفصيلات عن القضية بينهما ، والنزاع على أختين لهما . . فإننا نؤثر أن نستبقي القصة - كما وردت - مجملة بدون تحديد . لأن هذه الروايات كلها موضع شك في أنها مأخوذة عن أهل الكتاب - والقصة واردة في العهد القديم محددة فيها الأسماء والزمان والمكان على النحو الذي تذكره هذه الروايات - والحديث الوحيد الصحيح الوارد عن هذا النبأ لم يرد فيه تفصيل . وهو من رواية ابن مسعود قال : قال رسول الله [ ص ] : " لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل " . . [ رواه الإمام أحمد في مسنده ] : حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا : حدثنا الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق عن عبدالله بن مسعود . . وأخرجه الجماعة - سوى أبى داود - من طرق عن الأعمش . . وكل ما نستطيع أن نقوله هو أن الحادث وقع في فترة طفولة الإنسان ، وأنه كان أول حادث قتل عدواني متعمد ، وأن الفاعل لم يكن يعرف طريقة دفن الجثث . .

وبقاء القصة مجملة - كما وردت في سياقها القرآني - يؤدي الغرض من عرضها ؛ ويؤدي الإيحاءات كاملة ؛ ولا تضيف التفصيلات شيئا إلى هذه الأهداف الأساسية . . لذلك نقف نحن عند النص العام لا نخصصه ولا نفصله . .

( واتل عليهم نبأ ابني آدم - بالحق - إذ قربا قربانا ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر . قال : لأقتلنك . قال : إنما يتقبل الله من المتقين ) . .

واتل عليهم نبأ هذين النموذجين من نماذج البشرية - بعدما تلوت من قصة بني إسرائيل مع موسى - اتله عليهم بالحق . فهو حق وصدق في روايته ، وهو ينبى ء عن حق في الفطرة البشرية ؛ وهو يحمل الحق في ضرورة الشريعة العادلة الرادعة .

إن ابني آدم هذين في موقف لا يثور فيه خاطر الاعتداء في نفس طيبة . فهما في موقف طاعة بين يدي الله . موقف تقديم قربان ، يتقربان به إلى الله :

إذ قربا قربانًا . .

( فتقبل من أحدهما ، ولم يتقبل من الآخر ) . .

والفعل مبني للمجهول ؛ ليشير بناؤه هكذا إلى أن أمر القبول أو عدمه موكول إلى قوة غيبية ؛ وإلى كيفية غيبية . . وهذه الصياغة تفيدنا أمرين : الأول ألا نبحث نحن عن كيفية هذا التقبل ولا نخوض فيه كما خاضت كتب التفسير في روايات نرجح إنها مأخوذة عن أساطير " العهد القديم " . . والثاني الإيحاء بأن الذي قبل قربانه لا جريره له توجب الحفيظة عليه وتبييت قتله ، فالأمر لم يكن له يد فيه ؛ وإنما تولته قوة غيبية بكيفية غيبية ؛ تعلو على إدراك كليهما وعلى مشيئته . . فما كان هناك مبرر ليحنق الأخ على أخيه ، وليجيش خاطر القتل في نفسه ! فخاطر القتل هو أبعد ما يرد على النفس المستقيمة في هذا المجال . . مجال العبادة والتقرب ، ومجال القدرة الغيبية الخفية التي لا دخل لإرادة أخيه في مجالها . .

( قال : لأقتلنك ) . .

وهكذا يبدو هذا القول - بهذا التأكيد المنبى ء عن الإصرار - نابيا مثيرا للاستنكار لأنه ينبعث من غير موجب ؛ اللهم إلا ذلك الشعور الخبيث المنكر . شعور الحسد الأعمى ؛ الذي لا يعمر نفسا طيبة . .

وهكذا نجدنا منذ اللحظة الأولى ضد الاعتداء : بإيحاء الآية التي لم تكمل من السياق . .

ولكن السياق يمضي يزيد هذا الاعتداء نكارة وبشاعة ؛ بتصوير استجابة النموذج الآخر ؛ ووداعته وطيبة قلبه :

( قال : إنما يتقبل الله من المتقين ) .

هكذا في براءة ترد الأمر إلى وضعه وأصله ؛ وفي إيمان يدرك أسباب القبول ؛ وفي توجيه رفيق للمعتدي أن يتقي الله ؛ وهداية له إلى الطريق الذي يؤدي إلى القبول ؛ وتعريض لطيف به لا يصرح بما يخدشه أو يستثيره . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

يقول تعالى مبينا وخيم عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني{[9587]} آدم لصلبه - في قول الجمهور - وهما هابيل وقابيل كيف عدا أحدهما على الآخر ، فقتله بغيا عليه وحسدا له ، فيما وهبه الله من النعمة وتَقَبّل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل ، ففاز المقتول بوضع الآثام والدخول إلى الجنة ، وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة ، فقال تعالى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ } أي : واقصص على هؤلاء البغاة الحسدة ، إخوان الخنازير والقردة من اليهود وأمثالهم وأشباههم - خبر ابني{[9588]} آدم ، وهما هابيل وقابيل فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف .

وقوله : { بِالْحَقِّ } أي : على الجلية والأمر الذي لا لبس فيه ولا كذب ، ولا وَهْم ولا تبديل ، ولا زيادة ولا نقصان ، كما قال تعالى : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ } [ آل عمران : 62 ] وقال تعالى : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ } [ الكهف : 13 ] وقال تعالى : { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ]{[9589]} } [ مريم : 34 ]

وكان من خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف ، أن الله تعالى قد شرع لآدم ، عليه السلام ، أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال ، ولكن قالوا : كان يُولَد له في كل بطن ذكر وأنثى ، فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر ، وكانت أخت هابيل دَميمةً ، وأخت قابيل وضيئةً ، فأراد أن يستأثر بها على أخيه ، فأبى آدم ذلك إلا أن يقربا قربانًا ، فمن تقبل منه فهي له ، فقربا فَتُقُبِّل من هابيل ولم يتَقَبَّل من قابيل ، فكان من أمرهما ما قص الله في كتابه .

ذكر أقوال المفسرين هاهنا :

قال السُّدي - فيما ذكر - عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مُرَّة ، عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية ، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر ، حتى ولد له ابنان يقال لهما : قابيل وهابيل{[9590]} وكان قابيل صاحب زرع ، وكان هابيل صاحب ضَرع ، وكان قابيل أكبرهما ، وكان له أخت أحسن من أخت هابيل ، وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل ، فأبى عليه وقال : هي أختي ، ولدت معي ، وهي أحسن من أختك ، وأنا أحق أن أتزوج بها . فأمره أبوه أن يزوجها هابيل ، فأبى ، وأنهما قربا قربانا إلى الله عز وجل أيهما أحق بالجارية ، وكان آدم ، عليه السلام ، قد غاب عنهما ، أتى{[9591]} مكة ينظر إليها ، قال الله عز وجل : هل تعلم أن لي بيتا في الأرض ؟ قال : اللهم لا قال : إن لي بيتا في مكة{[9592]} فأته . فقال آدم للسماء : احفظي ولدي بالأمانة ، فأبت . وقال للأرض ، فأبت . وقال للجبال ، فأبت . فقال{[9593]} لقابيل ، فقال : نعم ، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك فلما انطلق آدم قَربا قربانا ، وكان قابيل يفخر عليه ، فقال : أنا أحق بها منك ، هي أختي ، وأنا أكبر منك ، وأنا وصي والدي . فلما قَربا ، قرب هابيل جَذعَة سمنة ، وقرب قابيل حَزْمَة سنبل ، فوجد فيها سنبلة عظيمة ، ففركها فأكلها . فنزلت النار فأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قابيل ، فغضب وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي . فقال هابيل : إنما يتقبل الله من المتقين . رواه ابن جرير . {[9594]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني ابن خُثَيْم قال : أقبلت مع سعيد بن جبير فحدثني عن ابن عباس قال : نهي أن تنكح المرأة أخاها تَوْأمها ، وأمر أن ينكحها غيره من إخوتها ، وكان يولد له في كل بطن رجل{[9595]} وامرأة ، فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة ، وولد له أخرى قبيحة دميمة ، فقال أخو الدميمة : أنكحني أختك وأنكحك أختي . قال : لا أنا أحق بأختي فقربا قربانا ، فتقبل من صاحب الكبش ، ولم يتقبل من صاحب الزرع ، فقتله . إسناد جيد .

وحدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قوله { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } فقربا قربانهما ، فجاء صاحب الغنم بكبش أعْين أقرن أبيض ، وصاحب الحرث بصَبرة من طعام ، فقبل{[9596]} الله الكبش فخزنه في الجنة أربعين خريفا ، وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم صلى الله عليه وسلم{[9597]} إسناد جيد .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن بَشَّار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا عَوْف ، عن أبي المغيرة ، عن عبد الله بن عمرو{[9598]} قال : إن ابني آدم اللذين قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ، كان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم ، وإنهما{[9599]} أمرا أن يقربا قربانا ، وإن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنَها وأحسنها ، طيبة بها نفسه ، وإن صاحب الحرث قرب أشَرَّ حرثه الكودن والزُّوان غير طيبة بها نفسه ، وإن الله ، عز وجل ، تقبل قربان صاحب الغنم ، ولم يتقبل قربان صاحب الحرث ، وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه ، قال : وايم الله ، إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكن منعه التحرج أن يبسط [ يده ]{[9600]} إلى أخيه .

وقال إسماعيل بن رافع المدني القاص : بلغني أن ابني آدم لما أمرا بالقربان ، كان أحدهما صاحب غَنَم ، وكان أنْتج له حَمَل في غنمه ، فأحبه حتى كان يؤثره بالليل ، وكان يحمله على ظهره من حبه ، حتى لم يكن له مال أحب إليه منه . فلما أمر بالقربان قربه لله ، عز وجل ، فقبله{[9601]} الله منه ، فما زال يرتع في الجنة حتى فَدى به ابن إبراهيم ، عليه السلام . رواه ابن جرير .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا الأنصاري ، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ، حدثنا محمد بن علي بن الحسين قال : قال آدم ، عليه السلام ، لهابيل وقابيل : إن ربي عهد إلي أنه كائن من ذريتي من يُقَرِّب القربان ، فقربا قربانا حتى تَقَر عيني إذا تُقُبّل قربانكما ، فقربا . وكان هابيل صاحب غنم فقرب أكُولة غنمه ، خَيْر ماله ، وكان قابيل صاحب زرع ، فقرب مشاقة{[9602]} من زرعه ، فانطلق آدم معهما ، ومعهما قربانهما ، فصعدا الجبل فوضعا قربانهما ، ثم جلسوا ثلاثتهم : آدم وهما ، ينظران إلى القربان ، فبعث الله نارًا حتى إذا كانت فوقهما دنا منها عنق ، فاحتمل قربان هابيل وترك قربان قابيل ، فانصرفوا . وعلم آدم أن قابيل مسخوط عليه ، فقال : ويلك يا قابيل رد عليك قربانك . فقال قابيل : أحببتَه فصليتَ على قربانه ودعوت له فتُقُبل قربانه ، ورد عليَّ قرباني . وقال قابيل لهابيل : لأقتلنك فأستريح منك ، دعا لك أبوك فصلى على قربانك ، فتقبل منك . وكان{[9603]} يتواعده بالقتل ، إلى أن احتبس هابيل ذات عشية في غنمه ، فقال آدم : يا قابيل ، أين أخوك ؟ [ قال ]{[9604]} قال : وبَعثتني له راعيا ؟ لا أدري . فقال [ له ]{[9605]} آدم : ويلك يا قابيل . انطلق فاطلب أخاك . فقال قابيل في نفسه : الليلة أقتله . وأخذ معه حديدة فاستقبله وهو منقلب ، فقال : يا هابيل ، تقبل قربانك ورد علي قرباني ، لأقتلنك . فقال هابيل : قربتُ أطيب مالي ، وقربتَ أنت أخبث مالك ، وإن الله لا يقبل{[9606]} إلا الطيب ، إنما يتقبل الله من المتقين ، فلما قالها غضب قابيل فرفع الحديدة وضربه{[9607]} بها ، فقال : ويلك يا قابيل أين أنت من الله ؟ كيف يجزيك بعملك ؟ فقتله فطرحه في جَوْبة{[9608]} من الأرض ، وحثى عليه شيئًا من التراب . {[9609]}

وقال محمد بن إسحاق ، عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول : إن آدم أمر ابنه قينًا{[9610]} أن ينكح أخته تَوأمة هابيل ، وأمر هابيل أن ينكح أخته توأمة قين ، فسلم لذلك هابيل ورضي ، وأبى ذلك قين وكره ، تكرما عن أخت هابيل ، ورغب بأخته عن هابيل ، وقال : نحن ولادة الجنة ، وهما من ولادة{[9611]} الأرض ، وأنا أحق بأختي - ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأول : كانت أخت قين من أحسن الناس ، فَضَنّ بها عن أخيه وأرادها لنفسه ، فالله{[9612]} أعلم أي ذلك كان - فقال له أبوه : يا بني ، إنها لا تحل لك ، فأبى قابيل{[9613]} أن يقبل ذلك من قول أبيه . فقال له أبوه : يا بني ، قرب{[9614]} قربانا ، ويقرب أخوك هابيل قربانا ، فأيكما تُقُبِّل{[9615]} قربانه فهو أحق بها ، وكان قين على بَذْر الأرض ، وكان هابيل على رعاية الماشية ، فقرب قين قمحا ، وقرب هابيل أبكارا من أبكار غنمه - وبعضهم يقول : قرب بقرة - فأرسل الله نارا بيضاء ، فأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قين ، وبذلك كان يُقْبَل{[9616]} القربان إذا{[9617]} قبله . رواه ابن جرير .

وقال العَوْفِيُّ ، عن ابن عباس قال : كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يُتَصَدّق عليه ، وإنما كان القربان يقربه الرجل . فبينا{[9618]} ابنا آدم قاعدان إذ قالا لو قربنا قربانا وكان الرجل إذا قرب قربانا فرضيه{[9619]} الله ، أرسل إليه نارا فتأكله{[9620]} وإن لم يكن رضيه الله خَبَت النار ، فقربا قربانا ، وكان أحدهما راعيا ، وكان الآخر حَرّاثا ، وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه وأسمنها ، وقرب الآخر بعض زرعه ، فجاءت النار فنزلت بينهما ، فأكلت الشاة وتركت الزرع ، وإن ابن آدم قال لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنك قَرّبت قربانا فَتُقُبِّل منك وَرُدّ عليَّ ؟ فلا والله لا ينظر الناس إليك وإليَّ وأنت خير مني . فقال : لأقتلنك . فقال له أخوه : ما ذنبي ؟ إنما يتقبل الله من المتقين . رواه ابن جرير .

فهذا الأثر يقتضي أن تقريب القربان كان لا عن سبب ولا عن تدارئ في امرأة ، كما تقدم عن جماعة مَنْ تقدم ذكرهم ، وهو ظاهر القرآن : { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } فالسياق يقتضي إنه إنما غضب عليه وحسده لقبول قربانه دونه .

ثم المشهور عند الجمهور أن الذي قرب الشاة هو هابيل ، وأن الذي قرب الطعام هو قابيل ، وأنه تُقُبل من هابيل شاته ، حتى قال ابن عباس وغيره : إنه الكبش الذي فدي به الذبيح ، وهو مناسب ، والله أعلم ، ولم يتقبل من قابيل . كذلك نص عليه غير واحد من السلف والخلف ، وهو المشهور عن مجاهد أيضًا ، ولكن روى ابن جرير ، عنه أنه قال : الذي قرب الزرع قابيل ، وهو المتقبل منه ، وهذا خلاف المشهور ، ولعله لم يحفظ عنه جيدا والله أعلم .

ومعنى{[9621]} قوله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } أي : ممن اتقى الله في فعله ذلك .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء بن زبريق ، حدثنا إسماعيل بن عَيَّاش ، حدثني صَفْوان بن{[9622]} عمرو ، عن تَمِيم ، يعني ابن مالك المقري ، قال : سمعت أبا الدرداء يقول : لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحب إليّ من الدنيا وما فيها ، إن الله يقول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }

وحدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن عمران ، حدثنا إسحاق بن سليمان - يعني الرازي - عن المغيرة بن مسلم ، عن ميمون بن أبي حمزة قال : كنت جالسًا عند أبي وائل ، فدخل علينا رجل - يقال له : أبو عفيف ، من أصحاب معاذ - فقال له شقيق بن سلمة : يا أبا عفيف ، ألا تحدثنا عن معاذ بن جبل ؟ قال : بلى ، سمعته يقول : يحبس الناس في بقيع واحد ، فينادي مناد : أين المتقون ؟ فيقومون في كَنَف من الرحمن ، لا يحتجب الله منهم{[9623]} ولا يستتر . قلت : من المتقون ؟ قال : قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان ، وأخلصوا العبادة ، فيمرون إلى الجنة .


[9587]:في ر: "بني".
[9588]:في ر: "بني".
[9589]:زيادة من ر، أ.
[9590]:في ر: "هابيل وقابيل".
[9591]:في أ: "إلى".
[9592]:في ر، أ: "بمكة".
[9593]:في أ: "وقال".
[9594]:تفسير الطبري (10/206) وسيأتي كلام الحافظ ابن كثير في رد هذا الأثر.
[9595]:في ر: "طريق ذكر وامرأة".
[9596]:في أ: "فتقبل".
[9597]:في أ: "عليه السلام."
[9598]:في أ: "عمر".
[9599]:في ر: "وإنما".
[9600]:زيادة من د.
[9601]:في: أ: "فتقبله".
[9602]:في أ: "مشاقد".
[9603]:في أ: "فكان".
[9604]:زيادة من ر.
[9605]:زيادة من أ.
[9606]:في أ: "لا يتقبل".
[9607]:في أ: "فضربه".
[9608]:في أ: "حفرة".
[9609]:قال الشيخ أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (4/124): "هذا من قصص أهل الكتاب، ليس له أصل صحيح، ثم قد ساق الحافظ المؤلف هنا آثارا كثيرة في هذا المعنى، مما امتلأت به كتب المفسرين، وقد أعرضنا عن ذلك، وأبقينا شيئا منها هو أجودها إسنادا، على سبيل المثال لا على سبيل الرواية الصحيحة المنقولة" ثم ذكر الرواية عن ابن عباس كما ستأتي.
[9610]:في أ: "قابيل".
[9611]:في ر: "ولاد".
[9612]:في ر، أ: "والله".
[9613]:في ر، أ: "قين".
[9614]:في أ: "فقرب".
[9615]:في أ: "فأيكما قبل الله".
[9616]:في أ: "تقبل".
[9617]:في ر: "وإذا".
[9618]:في ر: "فبينما".
[9619]:في أ: "ورضيه".
[9620]:في أ: "فأكلته".
[9621]:في ر: "ومنه".
[9622]:في أ: "أبوا".
[9623]:في أ: "عنهم".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

{ اتل } معناه اسرد وأسمعهم إياه ، وهذه من علوم الكتب الأول التي لا تعلق لمحمد صلى الله عليه وسلم بها إلا من طريق الوحي ، فهو من دلائل نبوته ، والضمير في { عليهم } ظاهر أمره أنه يراد به بنو إسرائيل لوجهين : أحدهما أن المحاورة فيما تقدم إنما هي في شأنهم وإقامة الحجج عليهم بسبب همهم ببسط اليد إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، والثاني أن علم { نبأ ابني آدم } إنما هو عندهم وفي غامض كتبهم ، وعليهم تقوم الحجة في إيراده . والنبأ :الخبر . و «ابنا آدم » هما في قول جمهور المفسرين لصلبه . وهما قابيل وهابيل ، وقال الحسن بن أبي الحسن البصري «ابنا آدم » ليسا لصلبه ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل .

قال القاضي أبو محمد : وهذا وهم ، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب ، والصحيح قول الجمهور وروي أن تقريبهما للقربان إنما كان تحنثاً وتطوعاً . وكان قابيل صاحب زرع فعمد إلى أرذل ما عنده وأدناه فقربه ، وكان هابيل صاحب غنم ، فعمد إلى أفضل كباشه فقربه ، وكانت العادة حينئذ أن يقرب المقرب قربانه ويقوم يصلي ويسجد ، فإن نزلت نار وأكلت القربان فذلك دليل للقبول وإلا كان تركه دليل عدم القبول ، فلما قرب هذان كما ذكرت فنزلت النار وأخذت كبش هابيل فرفعته وسترته عن العيون وتركت زرع قابيل ، قال سعيد بن جبير وغيره : فكان ذلك الكبش يرتع في الجنة حتى أهبط إلى إبراهيم في فداء ابنه ، قال سائقو هذا القصص : فحسد قابيل هابيل وقال له : أتمشي على الأرض يراك الناس أفضل مني ؟ وكان قابيل أسن ولد «آدم » . وروي أن «آدم » سافر إلى مكة ليرى الكعبة وترك قابيل وصياً على بنيه فجرت هذه القصة في غيابه ، وروت جماعة من المفسرين منهم ابن مسعود : أن سبب هذا التقريب أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى فكان الذكر يزوج أنثى البطن الآخر ، ولا تحل له أخته توأمته ، فولدت مع قابيل أخت جميلة ، ومع هابيل أخت ليست كذلك فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل : أنا أحق بأختي ، فأمره «آدم » فلم يأتمر ، فاتفقوا على التقريب ، وروي أن آدم حضر ذلك فتقبل قربان هابيل ووجب أن يأخذ أخت قابيل{[4508]} ، فحينئذ قال له { لأقتلنك } وقول هابيل : { إنما يتقبل الله من المتقين } كلام قبله محذوف تقديره ولم تقتلني وأنا لم أجنِ شيئاً ولا ذنب لي في قبول الله قرباني ؟ أما إني أتقيه وكنَت علي لأحب الخلق . و { إنما يتقبل الله من المتقين } .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق : وإجماع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ إنها اتقاء الشرك ، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة ، وأما المتقي للشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والحتم بالرحمة ، علم ذلك بأخبار الله تعالى ، لا أن ذلك يجب على الله تعالى عقلاً ، وقال عدي بن ثابت وغيره : قربان متقي هذه الأمة الصلاة .


[4508]:- قال القرطبي: "القول ما ذكرناه من أن آدم كان يزوج غلام هذا البطن لجارية تلك البطن والدليل على هذا من الكتاب قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء}، وهذا كالنص". هذا وذكر أن أخت قابيل الجميلة اسمها: إقليمياء، وأن أخت هابيل اسمها: ليوذا.