الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

قوله : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيَ ادَمَ بِالحَقِّ ) الآية [ 29 ] .

المعنى : أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلو ( خبر ابني )( {[15594]} ) آدم على اليهود الذين ذكر قصتهم فيما تقدم ، فيخبرهم( {[15595]} ) عاقبة الظلم ونكث العهد ، وما جزاء المطيع منهما وما آل إليه أمر العاصي( {[15596]} ) منهما( {[15597]} ) . وابنا آدم هما : هابيل وقابيل( {[15598]} ) ، أمرهما الله عز وجل أن يقربا قرباناً ، وكان أحدهما( {[15599]} ) صاحب غنم وكان له حمل( {[15600]} ) يحبه( {[15601]} ) –ولم يكن له مال أحبَّ إليه منه- فقربه وقبله الله منه ، وهو الذي فدى به إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، ( لم يزل يرتع في الجنة حتى فدى به الذبيح( {[15602]} )( {[15603]} ) ، وقرب الآخر شرَّ حرثه –وكان صاحب حرث-/ فلم يتقبل منه ، قال ابن عمر : وَأَيْمُ الله ، لقد كان المقتول أشدَّ الرجلين ، ولكن منعه التحرّج أن يبسط يده إلى أخيه( {[15604]} ) .

قال ابن عباس : كان قَبول القربان أن تأتي( {[15605]} ) نار فتأكل المُتَقبَّل وتترك الذي لم يُتقبَّل –ولم يكن في الوقت مسكين يُتصدَّق عليه- ، فحسد الذي لم يُتقبَّل منه المُتقبَّل منه ، فقال : ( لَأَقْتُلَنَّكَ ) ، قال له أخوه : وما ذنبي( {[15606]} ) ؟ ، ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ )( {[15607]} ) .

قال مجاهد : لما قتله عقل الله إحدى رجليه بساقها( {[15608]} ) إلى يوم القيامة ، وجعل وجهه إلى الشمس ، حيث ما دارت [ دار ]( {[15609]} ) عليه حظيرة( {[15610]} ) من ثلج في الشتاء ، وفي الصيف حظيرة( {[15611]} ) من نار ، معه سبعة أملاك ، كلما ذهب ملك جاء آخر( {[15612]} ) .

وقابيل هو القاتل لهابيل( {[15613]} ) –فيما ذكر المفسرون- ، وقابيل هو الأكبر( {[15614]} ) .

وذكر ابن مسعود عن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آدم كان يولد له غلام وجارية ، فإذا ولد له بطنان ، زوج أخت هذا لهذا وأخت هذا لهذا ، وإن( {[15615]} ) قابيل كان له أخت حسنة أحسن من أخت هابيل ، فأبى أن يزوجها لهابيل ، وقال : أنا أحق بها ، فأمره آدم أن يزوّجها منه فأبى ، وإنهما قَرَّبا قُرباناً إلى الله : أيّهما أحق بالجارية( {[15616]} ) ، وكان آدم قد غاب عنهما إلى مكة ينظر إليها ، وكان قد قال آدم للسماء : احفظي ولدي بالأمانة ، فأبَت ، وقال للأرض ، فأبت ، وقال للجبال فأبت ، وقال لقابيل فقال : نعم ، فاذهب تجد أهلك كما يسرك( {[15617]} ) . فلما قرّبا قرباناً ، قرّب هابيل جَذَعَة( {[15618]} ) سمينة ، وقرّب قابيل حزمة سنبل ، فوجد فيها سنبلة عظيمة فَفَرَكَها وأكلها ، فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت( {[15619]} ) قربان قابيل ، وقد كان قابيل( {[15620]} ) يفخر بأنه الأكبر وأنه وصيُّ آدم ، فغضب قابيل وقال : لأقتلنّك حتى لا تنكح أختي( {[15621]} ) .

قال الحسن : كانا رجلين من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه( {[15622]} ) .

وقيل : إنهما لما امتنع قابيل أن يزوج( {[15623]} ) أخته لهابيل( {[15624]} ) ، غضب آدم وقال : اذهبا فتحاكما إلى الله وقرِّبا قرباناً ، فأيّكما قُبِل قربانُه فهو أحق بها ، فقرَّبا( {[15625]} ) القربان بمنى –فمِن ثَمَّ( {[15626]} ) صار مذبحُ( {[15627]} ) الناس اليوم بمنىً- فنزلت نار فأحرقت( {[15628]} ) قربان هابيل ، ولم تأكل قربان قابيل( {[15629]} ) ، فقتله قابيل بحجر : رضخ( {[15630]} ) رأسه ( به )( {[15631]} ) ، واحتمل أخته حتى بها وادياً من أودية اليمن –في شرقي عدن( {[15632]} )- ( فكَمَن )( {[15633]} ) فيه ، وبلغ آدَمَ الخبرُ فأتى فوجد هابيل قتيلاً( {[15634]} ) .

قال ابن جريج : لم يدر كيف يقتله ، يلوي برقبته ويأخذ برأسه ، فنزل إبليس فأخذ طيراً ، فوضع رأسه على صخرة ثم أخذ حجراً ، فرضخ به رأسه ( وقابيل ينظر ففعل [ ذلك ]( {[15635]} ) بأخيه فرضخ رأسه )( {[15636]} ) .

ومكث آدم( {[15637]} ) مائة سنة حزيناً لا يضحك ، ثم أُتِيَ ( فقيل له )( {[15638]} ) ( حيّاك الله )( {[15639]} ) وبيّاك . معنى " بيّاك " : أضحكك( {[15640]} ) .

وروي عن علي أنه [ قال ]( {[15641]} ) : بكاه( {[15642]} ) آدم وقال :

تغيَّرتِ( {[15643]} ) الْبِلادُ ومَنْ عَليْها فَوَجْهُ الأَرْضِ مُغْبَرٌّ( {[15644]} ) قَبِيحُ

تَغَيَّرَ( {[15645]} ) كُلُّ ذي طَعْمٍ وَلَوْنٍ وقَلَّ بَشاشَةَ الوجْهُ المَليحُ( {[15646]} ) .

" بشاشَةَ " : نصب على التفسير ، لكن( {[15647]} ) حذف التنوين لالتقاء الساكنين( {[15648]} ) . ومن الناس من يرويه بخفض " الوجهِ المليحِ على أنه [ مُقْوٍ ]( {[15649]} ) .

/ و( المُتَّقِينَ ) –هنا- : " الذين اتقوا الله وخافوه " ( {[15650]} ) . وقيل : هم من اتقى الشرك ، قاله الضحاك( {[15651]} ) وغيره .

وروي أن الذي قرّب هابيلُ كان كبشاً سميناً من خيار غنمه ، وأن الله تعالى أدخل ذلك الكبش الجنة ، فلم( {[15652]} ) يزل حتى فدي( {[15653]} ) به ولد إبراهيم( {[15654]} ) .


[15594]:- ب: خير بني.
[15595]:- ب: بمخبرهم. د: فمخبرهم.
[15596]:- ب ج د: المعاصي.
[15597]:- انظر: تفسير الطبري 10/201.
[15598]:- "لصلبه في قول الجمهور" تفسير ابن كثير 2/43.
[15599]:- ب: أمرهما.
[15600]:- د: فَحْلٌ.
[15601]:- ب: بحبه.
[15602]:- ب: الذبح.
[15603]:- ساقطة من ج د.
[15604]:- انظر: قولي إسماعيل بن رافع وعبد الله بن عمرو في تفسير الطبري 10/202 و203.
[15605]:- ج د: ياتي.
[15606]:- في موضعها بياض في ج د.
[15607]:- انظر: تفسير الطبري 10/203 و204.
[15608]:- ب: بساقيها.
[15609]:- زيادة يقتضيها السياق. وانظر: تفسير الطبري 10/218، وفي تفسير ابن كثير 2/47: "دارت"، ويصح الوجهان.
[15610]:- ب ج د: خطيرة.
[15611]:- ب ج د: خطيرة.
[15612]:- د: آخراً. وانظر: تفسير الطبري 10/204 و205 و218.
[15613]:- انظر: معاني الزجاج 2/166.
[15614]:- انظر: تفسير الطبري 10/207.
[15615]:- ب ج د: فان.
[15616]:- ب: فالجارية.
[15617]:- ب: يتركهم.
[15618]:- ج د: يترك.
[15619]:- ب: صدعة. ج د: جدعة.
[15620]:- د: ترك. ب: هابيل.
[15621]:- انظر: تفسير الطبري 10/206 و207.
[15622]:- انظر: تفسير الطبري 10/208 و219 و224. وقال النحاس في إعرابه 1/492: "وأما قول عمر ومجاهد: "إن اللّذين قرّبا قُرباناً من بني إسرائيلَ"، فغلطٌ يدلّ على ذلك قوله عز وجل (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ)".
[15623]:- ج د: يتزوج.
[15624]:- ج: لقابيل.
[15625]:- د: فقرب.
[15626]:- ب ج د: تم.
[15627]:- د: مديح.
[15628]:- د: فاحترقت.
[15629]:- ج: هابيل.
[15630]:- ب: وضخ. د: رضح.
[15631]:- ساقطة من ب ج د.
[15632]:- "وخرج قابيل من قدّام الله عز وجل، من شرقي عدن الجنة" تفسير الطبري 10/228.
[15633]:- "كَمَنَ كُموناً: اخْتَفى... وكَمَن فلانٌ: إذا اسْتَخفى في مَكْمَنٍ لا يفطَنُ له". اللسان: كمن.
[15634]:- انظر: المحرر 5/77 و78، والتفسير الكبير 11/203 و204، وأحكام القرطبي 6/133 وما بعدها.
[15635]:- مخرومة في أ. ولعل الصواب ما أثبته.
[15636]:- ساقطة من ب ج د. وانظر: تفسير الطبري 10/222.
[15637]:- ج: أم.
[15638]:- ساقطة من ج.
[15639]:- مخرومة في أ.
[15640]:- هو قول سالم في تفسير الطبري 10/209.
[15641]:- أ: قاله.
[15642]:- ج د: بكات.
[15643]:- قبلها في "أ" كلمة مخرومة الأحرف العين والراء. مكررة في ب ج.
[15644]:- مخرومة في أ. ب ج د: مغير.
[15645]:- ج د: تغيرت.
[15646]:- انظر: تفسير الطبري 10/209، والمحرر 5/80. وفي تفسير البحر 3/467 قول ابن عباس: "من قال: إن آدم قال شعراً"، فهو كَذِب، ورَمى آدَم بما لا يليق بالنبوّة، لأن محمداً والأنبياء عليه السلام كلهم في النفي عن الشعر سواء... ولكنه كان ينوح عليه... ويصف حزنه عليه نَثراً من الكلام شبه المرثية، فتناسخته القرون... فلما وصل إلى يعرب ابن قحطان –وهو أول من خط بالعربية- فنَظمَه".
[15647]:- ب ج د: ولكن.
[15648]:- انظر: إعراب ابن الأنباري 2/546، والمحرر 5/81، وتفسير البحر 3/468.
[15649]:- الظاهر من "أ": ميم عليها ضمة ثم فاء –أو قاف- عليها سكون بجانبه نقطة، ثم حرف مخروم وتحته كسرتان. ب: متو. ج: منو. د: متى. و"أقوى الشاعر إقواءً" مشتق من "قوة الحبل"، كأنه نقص قوة من قُواهُ. والإقواء مختلفٌ في معناه على أقوال: -أبو عمرو: هو اختلاف حركات الروي، فبعضه مرفوع وبعضه منصوب أو مجرور.-أبو عبيدة: هو في عيوب الشعر نقصان الحرف من الفاصلة، يعني من عروض البيت، أي: من وسطه –الشيباني: اختلاف إعراب القوافي، وهو عند الناس: الإكفاء: -وحصره الأخفش في رفع بيت وجر آخر. هذا وعند ابن جني أن مخالطة النصب للرفع أو الجر قليل. انظر: اللسان: قوا. وفي تفسير البحر 3/68 "على الإقواء". وانظر: كذلك "المبحث الخامس في عيوب القافية" في ميزان الاعتدال 123.
[15650]:- انظر: تفسير الطبري 10/211.
[15651]:- انظر: المصدر السابق.
[15652]:- ج: ولم.
[15653]:- ب: يدي.
[15654]:- هو قول إسماعيل بن رافع في تفسير الطبري 10/202.