محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

ثم بين تعالى وخيم عاقبة البغي والحسد ، في جزاء ابني آدم لصلبه . تعريضا باليهود . وأنهم إن أصروا على بغيهم وحسدهم فسيرجعون بالصفة الخاسرة في الدارين ، فقال تعالى :

[ 27 ] { واتل عليهم نبأ بني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ( 27 ) } .

{ واتل عليهم } أي : على هؤلاء البغاة الحسدة من اليهود وأشباههم { نبأ ابني آدم } هابيل وقابيل ، ملتبسا { بالحق } أي : الصدق والصحة موافقا لما في كتبهم { إذ قربا قربانا } أي : ما يتقرب به إلى الله تعالى من نسيكة أو صدقة . وكان هابيل راعي غنم ، وقابيل يحرث الأرض . فقدم هابيل شيئا من أبكار غنمه ومن سمانها . وقدم قابيل شيئا رديئا من ثمر الأرض { فتقبل من أحدهما } وهو هابيل { ولم يتقبل من الآخر } وهو قابيل { قال } قابيل لهابيل { لأقتلنك } على قبول قربانك { قال إنما يتقبل الله من المتقين } أي : إنما أتيت من قبل نفسك ، لانسلاخها من لباس التقوى . لا من قبلي . فلم تقتلني ؟ ومالك لا تعاقب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول ؟ فأجاب بكلام حكيم مختصر جامع لمعان ؛ وفيه دليل على أن الله تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق ، فما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم  !

وروى ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل قال ؛ " يحبس الناس في بقيع واحد فينادي مناد : أين المتقون ؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر . قلت من المتقون ؟ قال : قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا العبادة . فيمرون إلى الجنة " .