تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

المفردات :

واتل عليهم : واقرأ على اليهود والنصارى . أو على أمتك يا محمد .

نبأ ابني آدم : خبرهما .

قربانا : القربان : ما يتقرب به إلى الله من ذبيحة أو صدقة أو نحوهما .

التفسير :

27- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ . . .

- الضمير في عليهم . يعود على بني إسرائيل أو على جميع الذين أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم لهدايتهم .

-والقربان : اسم لما يتقرب به إلى الله تعالى من صدقة أو غيرها ، ويطلق في أكثر الأحوال على الذبائح التي يتقرب إلى الله تعالى بذبحها .

وخلاصة ما ذكرته كتب التفسير {[205]} .

أن حواء أم البشرية كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى ، وكان آدم عليه السلام يزوج ذكر بطن لأنثى بطن آخر ولا يحل للذكر زواج توأمته .

فولد مع قبيل أخت جميلة وولد مع هابيل أخت دون ذلك ؛ فأبى قابيل إلا أن يتزوج توأمته لا توأمة هابيل ، وأن يخالف سنة النكاح ، وقال : أنا أحق بتوأمي من هابيل ولم يكترث بزجر أبيه إياه ، فدعاهما آدم أن يقربا قربانا إلى الله ، وذكر لهما أن من قبل الله قربانه فهو صاحب الحق في التزوج بالأخت الجميلة .

فقدم قابيل زرعا- وكان صاحب زرع- وقدم هابيل كبشا- وكان صاحب غنم فتقبل من أحدهما وهو هابيل ، ولم يتقبل من الآخر وهو قابيل ، وكانت علامة التقبل أن تأكل نار نازلة من السماء القربان المتقبل وتترك غير المتقبل {[206]} .

وتأكد بذلك حق هابيل في الزواج من توأم قابيل ؛ فحقد قابيل على هابيل وقتله ، وكان ذلك أول قتيل على ظهر الأرض .

معنى الآية :

واتل- يا محمد- على اليهود أو على أمتك وعلى الناس جميعا خبر ابني آدام : قابيل وهابيل بالحق والصدق حين قدم كل منهما إلى الله قربانا ، ولم يكونا على درجة واحدة من الإخلاص فيما تقربا به ، فتقبل الله قربانا المخلص ، ولم يتقبل قربان غيره ؛ فامتلأ قلبه غيظا وحسدا على أخيه التقى الذي قبل قربانه ، مع أنه لا ذنب للتقي في رفض الله قربان الشقي ؛ لأن المذنب هو الشقي بعدم إخلاصه لله تعالى . ثم حكي سبحانه ما دار بين الأخوين :

قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أي : قال الشقي لأخيه التقي : والله لأقتلنك بسبب قبول قربانك . وقد أكد الشقي كلامه بلام القسم ونون التوكيد . قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أي : قال التقي لأخيه : إنه لا ذنب لي في قبول القربان ، وإنما الذنب ذنبك في عدم إخلاصك وعدم تقواك وهذا هو السبب في رفض قربانك وقبول قرباني .

قال الزمخشري : فإن قلت كيف كان قوله : إنما يتقبل الله من المتقين جوابا لقوله : لأقتلنك . قلت : لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على نوعده بالقتل ، قال له : إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى ، لا من قبلي ، فلم تقتلني ؟ ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول ؟ فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان ، وفيه دليل على أن الله تعالى- لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق .


[205]:جاء في التفسير الوسيط لمجمع البحوش الإسلامية بالأزهر: لم نجد سندا لذلك في السنة.
[206]:تفسير القرطبي 6/120 نقلا عن أبي حيان.