التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

قوله تعالى : { واتل عليهم نبأ ابني ءادم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ( 27 ) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العلمين ( 28 ) إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاؤا الظالمين ( 29 ) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ( 30 ) فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يوري سوءة أخيه قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخي فأصبح من النادمين } .

ثمة صلة وثيقة بين قصة آدم هذه وما لقيه الرسول صلى الله عليهم وسلم من كيد يهود . فقد جحدوه وكذبوه وناصبوه الكيد والعداء بالرغم من إقرارهم قبل بعثه بصدق نبوته وأنه مبعوث من الله للناس . حتى إذا جاءهم بشيرا ونذيرا ردوه وكذبوه حسدا من عند أنفسهم . فما كان من سبب للتكذيب والجحد سوى المكابرة والحسد والبغي .

وهذه قصة مثيرة مريعة تكشف عن أفدح مثلبة تستحوذ على أكثر البشر . مثلبة في غاية الخسة والبغي وسوء الطبع المشين . وتلكم هي مثلبة الحسد . هذه الخسيسة المهينة التي لا ينجو منها أحد من الناس إلا أن يكون معصوما بوحي أو ببالغ التقوى كالصديقين والزاهدين والأبرار .

إنها المثلبة من المرض الخبيث العضال الذي يخالط أكثر القلوب . فما على التحرر من أسرها والتلطخ بلوثتها إلا النوادر من عباد الله . وهي لوثة تظل تشاغل النفس من الداخل لتقضها قضا أو تؤرقها تأريقا فتسومها المكابدة والمرارة . ذلك هو شان الحاسدين الآثمين الذين لا تبرح نفوسهم مفسدة الحسد ليظلوا على الدوام يألمون ويكابدون كلما أحسوا فضلا من الله على عباده . نسأل الله النجاة والمعافاة من لوثة الحسد والحاسدين .

أما قصة ابني آدم فنبينها هنا بإيجاز واقتضاب مما ذكره كثير من أهل العلم وفيهم ابن عباس وابن مسعود وهي أن آدم عليه السلام كان لا يولد له مولود إلا ولد معه جارية فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر ، وذلك للضرورة إذ ذاك . حتى ولد له ابنان يقال لهما هابيل قابيل . وكان قابيل صاحب زرع ، وهابيل صاحب ضرع وكان قابيل أكبرهما وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل . وقد طلب هابيل أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه . وقال : هي أختي ولدت معي وهي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوج بها ، فأمره أبوه أن يزوجها هابيل فأبى . فقال لهما : قربا قربانا فمن أيكما قبل تزوجها . فقرب هابيل جذعة . وقيل : كبشا وقرب حزمة سنبل . فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وكان ذلك إيذانا بالقبول فغضب قابيل وقال : لأقتلنك فأجابه هابيل بما قصه الله علينا .

وقوله : { بالحق } أي اتل عليهم بالصدق تلاوة زبر الأولين من غير لبس في ذلك ولا وهم ولا كذب ولا تبديل .

قوله : { إذ قربا قربانا } ظرف زمان لنبأ . والتقدير أن قصتهم في ذلك الوقت . والقربان ، اسم لما يتقرب به إلى الله من نسك أو صدقة .

قوله : { فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر } الذي تقبل الله منه قربانه هو هابيل ، وذلك لتواضعه وتقواه وامتثاله لشرع الله . والذي لم يتقبل منه هو قابيل ، لأنه أبى واستكبر وفسق عن أمر الله وسخط لما أراه أبوه في حكم الحق .

قوله : { لأقتلنك } النون المشددة للتوكيد . وذلك قسم من قابيل الحاسد الذي آلى أن يقتل أخاه المؤمن لفرط ما اعتور قلبه من حسد على قبول القربان من أخيه وعلو شأنه ومنزلته عند الله فضلا عن زواج أخته الحسناء .

قوله : { إنما يتقبل الله من المتقين } قال ذلك جوابا لمقالة أخيه الظالم الحاسد الذي آلى أن يقتله بغيا وحسدا . فرد مقالته بأن قبول الأعمال إنما يكون بناء على التقوى فإن الله لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق . والمتقي المتلبس بالتقوى وهو الذي يجتنب الشرك والمعاصي والآثام .