نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَآ أَمَرۡتَنِي بِهِۦٓ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (117)

ولما نفى عن نفسه ما يستحق النفي ودل عليه ، أثبت ما قاله لهم على وجه مصرح بنفي غيره ليكون ما نسب إليه من دعوى الإلهية منفياً مرتين : إشارة وعبارة ، فقال معبراً عن الأمر بالقول مطابقة للسؤال ، وفسر بالأمر بياناً لأن كل ما قاله من مباح أو غيره دائر على الأمر من{[28338]} حيث الاعتقاد بمعنى أن المخاطب بما قاله الرسول مأمور بأن يعتقد فيه{[28339]} أنه بتلك المنزلة ، لا يجوز أن يعتقد فيه{[28340]} أنه فوقها ولا دونها ، يعبد{[28341]} الله تعالى بذلك : { ما قلت لهم } أي ما أمرتهم بشيء{[28342]} من الأشياء { إلا ما أمرتني به } ثم فسره دالاً بشأن المراد بالقول الأمر بالتعبير في تفسيره بحرف التفسير بقوله : { أن اعبدوا } أي ما أمرتهم إلا بعبادة{[28343]} { الله } أي الذي لم يستجمع نعوت الجلال والجمال أحد غيره ؛ ثم أشار إلى أنه كما يستحق العبادة لذاته يستحقها لنعمه{[28344]} فقال : { ربي وربكم } أي أنا وأنتم في عبوديته سواء ، وهذا الحصر يصح أن يكون للقلب على أن دون بمعنى غير ، وللإفراد على أنها بمعنى سفول المنزلة ، وهو من بدائع الأمثلة .

ولما فهم صلى الله عليه وسلم من هذا السؤال أن أتباعه غلوا في شأنه ، فنزه الله سبحانه وعز شأنه من ذلك وأخبره بما أمر الناس به في حقه سبحانه من الحق ، اعتذر عن نفسه بما يؤكد ما مضى نفياً وإثباتاً فقال : { وكنت عليهم } أي خاصة لا على غيرهم .

ولما كان سبحانه قد أرسله شاهداً ، زاد في الطاعة في ذلك إلى أن بلغ جهده كإخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فقال معبراً بصيغة المبالغة : { شهيداً } أي بالغ الشهادة ، لا أرى فيهم منكراً إلا اجتهدت في إزالته { ما دمت فيهم } وأشار إلى الثناء على الله بقوله : { فلما توفيتني } أي رفعتني إلى السماء كامل الذات والمعنى مع بذلهم جهدهم في قتلي { كنت أنت } أي وحدك { الرقيب } أي الحفيظ القدير{[28345]} { عليهم } لا يغيب عليك شيء من أحوالهم ، وقد منعتهم أنت{[28346]} أن يقولوا شيئاً غير ما أمرتهم أنا به من عبادتك بما نصبت لهم من الأدلة وأنزلت{[28347]} عليهم على لساني من البينات { وأنت على كل شيء } أي منهم ومن غيرهم حيوان وجماد { شهيد * } أي مطلع غاية الاطلاع ، لا يغيب عنك شيء منه سواء كان في عالم الغيب أو{[28348]} الشهادة ، فإن{[28349]} كانوا قالوا ذلك فأنت تعلمه دوني ، لأني لما بعدت عنهم في المسافة انقطع علمي عن أحوالهم .


[28338]:سقط من ظ.
[28339]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[28340]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[28341]:في ظ: فعبد.
[28342]:في ظ: شيئا.
[28343]:من ظ، وفي الأصل: بالعبادة.
[28344]:في ظ: النعمة.
[28345]:في ظ: الرقيب.
[28346]:زيد من ظ.
[28347]:في ظ: أنت.
[28348]:في ظ "و".
[28349]:في ظ: قال أن- كذا.