تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (4)

{ والذين يرمون المحصنات } يعنى نساء المؤمنين بالزنا { ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } من الرجال على قولهم { فاجلدوهم ثمانين جلدة } يجلد بين الضربين على ثيابه { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } ما دام حيا { وأولئك هم الفاسقون } آية ، يعنى العاصين في مقالتهم .

ثم استثنى ، فقال : { إلا الذين تابوا من بعد ذلك } يعنى بعد الرمي { وأصلحوا } العمل فليسوا بفساق { فإن الله غفور } لقذفهم { رحيم } آية ، بهم فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هاتين الآيتين في خطبة يوم الجمعة ، فقال عاصم بن عدي الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم : جعلني الله فداك ، لو أن رجلا منا وجد على بطن امرأته رجلا ، فتكلم جلد ثمانين جلدة ، ولا تقبل له شهادة في المسلمين أبدا ، ويسميه المسلمون فاسقا ، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء ، إلى أن تلتمس أحدنا أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته ، فأنزل الله عز وجل في قوله : { والذين يرمون أزواجهم } بالزنا { ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم } يعنى الزوج { أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين } آية ، إلى ثلاث آيات ، فابتلى الله ، عز وجل ، عاصما بذلك في يوم الجمعة الأخرى ، فأتاه ابن عمه عويمر الأنصاري من بني العجلان بن عمرو بن عوف ، وتحته ابنة عمه أخي أبيه ، فرماها بابن عمه شريك بن السحماء ، والخليل والزوج والمرأة كلهم من بني عمرو بن عوف ، وكلهم بنو عم عاصم ، فقال : يا عاصم ، لقد رأيت شريكا على بطن امرأتي : فاسترجع عاصم ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت سؤالي عن هذه والذين يرمون أزواجهم ، فقد ابتليت بها في أهل بيتي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وما ذاك يا عاصم" فقال : أتاني ابن عمي فأخبرني أنه وجد ابن عم لنا على بطن امرأته ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزوج والخليل والمرأة ، فأتوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها عويمر : "ويحك اتق الله ، عز وجل ، في خليلتك وابنة عمك أن تقذفها بالزنا" . فقال الزوج : أقسم لك بالله ، عز وجل ، إني رأيته معها على بطنها ، وإنها لحبلى منه ، وما قربتها منذ أربعة أشهر .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة -خولة بنت قيس الأنصارية- : "ويحك ما يقول زوجك" ، قالت : أحلف بالله إنه لكاذب ، ولكنه غار ، ولقد رآني معه نطيل السمر بالليل ، والجلوس بالنهار ، فما رأيت ذلك في وجهه ، وما نهاني عنه قط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للخليل : "ويحك ما يقول ابن عمك" فحدثه مثل قولها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزوج والمرأة : "قوما فأحلفا بالله ، عز وجل" فقام الزوج عند المنبر دبر صلاة العصر يوم الجمعة ، وهو عويمر بن أمية ، فقال : أشهد بالله أن فلانة زانية ، يعنى امرأته خولة ، وإني لمن الصادقين ، ثم قال الثانية : أشهد بالله أن فلانة زانية ، ولقد رأيت شريكا على بطنها ، وإني لمن الصادقين ، ثم قال الثالثة : أشهد بالله أن فلانة زانية ، وأنها لحبلى من غيري ، وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الرابعة : أشهد بالله أن فلانة زانية ، وما قربتها منذ أربعة أشهر ، وإني لمن الصادقين ، ثم قال الخامسة : لعنة الله على عويمر ، إن كان من الكاذبين عليها في قوله : { والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين } آية .

ثم قامت خولة بنت قيس الأنصاري مقام زوجها ، فقالت : أشهد بالله ما أنا بزانية وإن زوجي لمن الكاذبين ، ثم قالت الثانية : أشهد بالله ما أنا بزانية ، وما رأى شريكا على بطني ، وإن زوجي لمن الكاذبين ، ثم قالت الثالثة : أشهد بالله ما أنا بزانية ، وإني لحبلى منه وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت الرابعة : أشهد بالله ما أنا بزانية ، وما رأى على من ريبة ولا فاحشة ، وإن زوجي لمن الكاذبين ، ثم قالت الخامسة : غضب الله على خولة إن كان عويمرا من الصادقين في قوله : ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما .

فذلك قوله عز وجل : { ويدرؤا عنها العذاب } يقول : يدفع عنها الحد لشهادتها بعد { أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين } { والخامسة أن غضب الله عليها إن كان } زوجها { من الصادقين } آية ، في قوله ، وكان الخليل رجلا أسود ابن حبشية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا ولدت فلا ترضع ولدها حتى تأتوني به" ، فأتوه بولدها فإذا هو أشبه الناس بالخليل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لوللا الإيمان ، لكان لي فيهما أمر" .

والمتلاعنان يفترقان فلا يجتمعان أبدا ، وإن صدقت زوجها لم يتلاعنا ، فإن كان زوجها جامعها بعد الدخول بها رجمت ويرثها زوجها ، وإن كان لم يجامعها جلدت مائة وهي امرأته ، وإن كان الزوج رجع عن قوله قبل أن يفرغا من الملاعنة جلد ثمانين جلدة وكانت امرأته كما هي .