نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (4)

ولما نفر سبحانه من نكاح من اتصف بالزنا من رجل أو امرأة ، وبدأ - لأن نكاح المرأة للزاني مظنة لزناها - بتنفير الإناث بما يوهم جواز إطلاق الزنا عليهن بمجرد نكاح من علم زناه ، وذلك بعد أن ابتدأ في حد الزنا بالأنثى أيضاً لأن زناها أكبر شراً ، وأعظم فضيحة وضراً ، عطف على ذلك تحريم القذف بما يوجب تعظيم الرغبة في الستر وصيانة الأعراض وإخفاء الفواحش ، فقال ذاكراً الجمع لأن الحكم بإقامة الحد عليه يفهم إقامة الحد على الواحد من باب الأولى ولا إيهام فيه لأن الجمع إذا قوبل بالجمع أفهم التوزيع : { والذين يرمون } أي بالزنا { المحصنات } جمع محصنة ، وهي هنا المسلمة الحرة المكلفة العفيفة ، والمراد القذف بالزنا بما أرشد إليه السياق سابقاً ولاحقاً ، ذكوراً كان الرامون أو إناثاً بما أفهمه الموصول ، وخص الإناث وإن كان الحكم عاماً للرجال تنبيهاً على عظيم حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ولأن الكلام في حقهن أشنع .

ولما كان إقدام المجترىء على القذف مع ما شرطه فيه لدرء الحد إرادة الستر - بعيداً ، أشار إليه بأداة التراخي فقال : { ثم لم يأتوا } أي إلى الحاكم { بأربعة شهداء } ذكور { فاجلدوهم } أيها المؤمنون من الأئمة ونوابهم { ثمانين جلدة } لكل واحد منهم ، لكل محصنة ، إن لم يكن القاذف أصلاً ، إن كانوا أحراراً ، وحد العبد نصف ذلك لآية النساء{ فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب }[ النساء : 25 ] فهذه الآية مخصوصة بتلك إذ لا فرق بين الذكر والأنثى ولا بين حد الزنا وحد القذف { ولا تقبلوا لهم } أي بعد قذفهم على هذا الوجه { شهادة } أي شهادة كانت { أبداً } للحكم بافترائهم ، ومن ثبت افتراؤه سقط الوثوق بكلامه .

ولما كان التقدير : فإنهم قد افتروا ، عطف عليه تحذيراً من الإقدام عن غير تثبيت : { وأولئك } أي الذين تقدم ذمهم بالقذف فسفلت رتبتهم جداً { هم الفاسقون* } أي المحكوم بفسقهم الثابت لهم هذا الوصف وإن كان القاذف منهم محقاً في نفس الأمر .