الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمۡ يَقُولُونَ نَخۡشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٞۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرٖ مِّنۡ عِندِهِۦ فَيُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ نَٰدِمِينَ} (52)

قوله تعالى : { فَتَرَى الَّذِينَ } : الجمهورُ على " ترى " بتاء الخطاب ، و " الذين " مفعول ، فإن كانت الرؤيةُ بصريةً أو عُرْفانية - فيما نقله أبو البقاء وفيه نظرٌ - فتكونُ الجملةُ من " يُسارعون " في محلِّ نصبٍ على الحال من الموصول ، وإنْ كانت قلبية فيكون " يسارعون " مفعولاً ثانياً . وقرأ النخعي وابن وثاب : " فيَرى " بالياء وفيها تأويلان ، أظهرُهما : أنَّ الفاعل ضميرٌ يعودُ على الله تعالى ، وقيل : على الرأي من حيثُ هو ، و " يُسارعون " بحالتِها ، والثاني : أن الفاعل نفسُ الموصول والمفعول هو الجملةُ من قوله : { يُسَارِعُونَ } وذلك على تأويل حَذْفِ " أَنْ " المصدرية ، والتقدير : ويرى القمُ الذين في قلوبهم مرض أَنْ يُسارعو ، فلمَّا حُذِفَتْ " أَنْ " رُفِع كقوله :

ألا أيُّهذا الزاجري أَحْضُرُ الوَغى *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أجازَ ذلك ابن عطية إلا أنَّ هذا غيرُ مقيس ، إذ لا تُحْذَف " أن " عند البصريين إلا في مواضعَ محفوظة . وقرأ قتادة والأعمش : " يُسْرِعون " من أسرع . و " يقولون " في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " يسارعون " ، و " نخشى " في محلِّ نصب بالقول ، و " أن تصيبنَا " في محل نصب بالمفعول أي : نخشى إصابتَنا . والدائرة صفة غالبة لا يُذْكر موصوفُها ، والأصل : داوِرَة ، لأنها من دار يدور . قوله : { أَن يَأْتِيَ } في محلِّ نصب : إمَّا على الخبر ل " عسى " وهو رأي الأخفش ، / وإمَّا على أنها مفعولٌ به وهو رأيُ سيبويه لئلا يلزمَ الإِخبارُ عن الجثة بالحَدَث في قولك : " عسى زيدٌ أَنْ يقومَ " وأجاز أبو البقاء أن يكونَ " أن يأتي " في محلِّ رفعٍ على البدل من اسم " عسى " وفيه نظر .

قوله : { فَيُصْبِحُواْ } فيه وجهان ، أظهرُهما : أنه منصوب عطفاً على " يأتِيَ " المنصوب ب " أَنْ " والذي سَوَّغ ذلك وجودُ الفاءِ السببية ، ولولاها لم يجز ذلك ، لأن المعطوف على الخبر خبر ، و " أن يأتي " خبر عسى وفيه راجعٌ عائدةٌ على اسمها ، وقوله : { فَيُصْبِحُواْ } ليس فيه ضميرٌ يعود على اسمها فكان من حقِّ المسألةِ الامتناعُ لكنَّ الفاءَ للسببية ، فَجَعَلَتْ الجمليتن كالجملة الواحدة وذلك جارٍ في الصلة نحو : " الذي يطير فيغضب زيدٌ الذبابُ " والصفةِ نحو : " مررت برجل يبكي فيضحكُ عمرو " والخبرِ نحو : " زيد يبكي فيضحك خالد " ولو كانَ العاطفُ غيرَ الفاء لم يَجُز ذلك : والثاني : أنه منصوبٌ بإضمار " أَنْ " بعد الفاء في جواب التمني قالوا : " لأنَّ عسى تمنٍّ وترجِّ في حق البشر " و " على ما أسَرُّوا " متعلق ب " نادمين " ، و " نادمين " خبرُ " أصبح " .