البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفيل

هذه السورة مكية . ولما ذكر فيما قبلها عذاب الكفار في الآخرة ، أخبر هنا بعذاب ناس منهم في الدنيا . والظاهر أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، يذكر نعمته عليه ، إذ كان صرف ذلك العدوّ العظيم عام مولده السعيد عليه السلام ، وإرهاصاً بنبوّته ، إذ مجيء تلك الطيور على الوصف المنقول ، من خوارق العادات والمعجزات المتقدمة بين أيدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

الفيل أكبر ما رأيناه من وحوش البر يجلب إلى ملك مصر ، ولم نره بالأندلس بلادنا ، ويجمع في القلة على أفيال ، وفي الكثرة على فيول وفيلة .

ومعنى { ألم تر } : ألم تعلم قدره على وجود علمه بذلك ؟ إذ هو أمر منقول نقل التواتر ، فكأنه قيل : قد علمت فعل الله ربك بهؤلاء الذين قصدوا حرمه ، ضلل كيدهم وأهلكهم بأضعف جنوده ، وهي الطير التي ليست من عادتها أنها تقتل .

وقصة الفيل ذكرها أهل السير والتفسير مطولة ومختصرة ، وتطالع في كتبهم .

وأصحاب الفيل : أبرهة بن الصباح الحبشي ومن كان معه من جنوده .

والظاهر أنه فيل واحد ، وهو قول الأكثرين .

وقال الضحاك : ثمانية فيلة ، وقيل : اثنا عشر فيلاً ، وقيل : ألف فيل ، وهذه أقوال متكاذبة .

وكان العسكر ستين ألفاً ، لم يرجع أحد منهم إلا أميرهم في شرذمة قليلة ، فلما أخبروا بما رأوا هلكوا .

وكان الفيل يوجهونه نحو مكة لما كان قريباً منها فيبرك ، ويوجهونه نحو اليمن والشام فيسرع .

وقال الواقدي : أبرهة جد النجاشي الذي كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم .

وقرأ السلمي : ألم تر بسكون ، وهو جزم بعد جزم .

ونقل عن صاحب اللوامح ترأ بهمزة مفتوحة مع سكون الراء على الأصل ، وهي لغة لتيم ، وتر معلقة ، والجملة التي فيها الاستفهام في موضع نصب به ؛ وكيف معمول لفعل .

وفي خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : { فعل ربك } تشريف له صلى الله عليه وسلم وإشادة من ذكره ، كأنه قال : ربك معبودك هو الذي فعل ذلك لا أصنام قريش أساف ونائلة وغيرهما .