السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَ يَدۡعُوكُمۡ فَتَسۡتَجِيبُونَ بِحَمۡدِهِۦ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا} (52)

وقوله تعالى : { يوم يدعوكم } بدل من قريباً والمعنى عسى أن يكون البعث يوم يدعوكم ، أي : بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة كما قال تعالى : { يوم ينادي المنادي من مكان قريب } [ ق ، 41 ] . روي أنّ إسرافيل ينادي أيها الأجسام البالية والعظام النخرة والأجزاء المتفرّقة عودي كما كنتِ . { فتستجيبون } أي : تجيبون والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا إليه وهي الإجابة إلا أنّ الاستجابة تقتضي طلب الموافقة فهي آكد من الإجابة واختلف في معنى قوله تعالى : { بحمده } فقال ابن عباس : بأمره . وقال سعيد بن جبير : يخرجون من قبورهم وينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون سبحانك اللهمّ وبحمدك فيحمدونه حين لا ينفعهم الحمد . وقال قتادة : بمعرفته وطاعته . وقال أهل المعاني : تستجيبون بحمده ، أي : تستجيبون حامدين كما تقول جاء بغضبه ، أي : جاء غضبان وركب الأمير بسيفه ، أي : وسيفه معه . وقال الزمخشريّ : بحمده حال منهم ، أي : حامدين وهي مبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيأبى ويمتنع ستركبه وأنت حامد شاكر يعني أنك تحمل عليه وتقسر عليه قسراً حتى إنك تلين لين المستميح الراغب فيه الحامد عليه { وتظنون أن } أي : ما { لبثتم إلا قليلاً } أي : مع استجابتكم وطول لبثكم وشدّة ما ترون من الهول فعندها تستقصرون مدّة لبثكم في الدنيا وتحسبونها يوماً أو بعض يوم . وعن قتادة تحاقرت الدنيا في أنفسهم حين عاينوا الآخرة وقال الحسن : معناه تقريب وقت البعث فكأنك بالدنيا ولم تكن وبالآخرة ولم تزل فهذا يرجع إلى استقلال مدّة اللبث في الدنيا وقيل المراد استقلال مدّة لبثهم في برزخ القيامة لأنه لما كان عاقبة أمرهم الدخول في النار استقصروا لبثهم في برزخ القيامة . وقرأ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الثاء المثلثة عند التاء المثناة والباقون بالإدغام .