العض : وضع الأسنان على الشيء بقوة ، والفعل منه على فِعل بكسر العين ، وهو بالضاد .
فأماعظ الزمان وعظ الحرب فهو بالظاء أخت الطاء قال :
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع *** من المال إلا مسحتا أو مجلف
والعُض بضم العين علف أهل الأمصار مثل : الكسب والنوى المرضوض : يقال منه : أعض القوم إذا أكل إبلهم العض .
وبعير عضاضيّ أي سمين ، كأنه منسوب إليه .
والعِض بالكسر الداهية من الرجال .
الأنامل جمع أنملة ، ويقال : بفتح الميم وضمها ، وهي أطراف الأصابع .
قال ابن عيسى : أصلها النمل المعروف ، وهي مشبهة به في الدقة والتصرف بالحركة .
الغيظ : مصدر غاضة ، وغيض اسم علم .
{ ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله } تقدّم لنا الكلام على نظيرها ، أنتم أولاء في قوله :
{ ها أنتم هؤلاء حاججتم } قراءة وإعراباً .
وتلخيصه هنا أن يكونَ أولاء خبراً عن أنتم ، وتحبونهم مستأنف أو حال أو صلة ، على أن يكون أولاء موصولاً أو خبراً لأنتم ، وأولاء مناداً ، أو يكون أولاء مبتدأ ثانياً ، وتحبونهم خبر عنه ، والجملة خبر عن الأوّل .
أو يكون أولاء في موضع نصب نحو : أنا زيداً ضربته ، فيكون من الاشتغال .
واسم الإشارة في هذين الوجهين واقع على غير ما وقع عليه أنتم ، لأن أنتم خطاب للمؤمنين ، وأولاء إشارة إلى الكافرين .
وفي الأوجه السابقة مدلوله ومدلول أنتم واحد .
وعلى تقدير الاستئناف في تحبونهم ، لا ينعقد مما قبله مبتدأ وخبر إلا بإضمار وصفٍ تقديره : أنتم أولاء الخاطئون في موالاة غير المؤمنين إذ تحبونهم ولا يحبونكم .
بيان لخطئهم في موالاتهم حيثُ يبذلون المحبة لمن يبغضهم ، وضمير المفعول في تحبونهم قالوا لمنافقي اليهود .
وفي الزمخشري : لمنافقي أهل الكتاب .
والذي يظهر أنّه عائد على بطانة من دون المؤمنين ، فهو كل منافق حتى منافق المشركين .
والمحبة هنا : الميل بالطبع لموضع القرابة والرضاع والحلف قاله ابن عباس .
أو لأجل إظهار الإيمان والإحسان إلى المؤمنين قاله : أبو العالية : أو الرحمة لهم لما يقع منهم من المعاصي قاله : قتادة .
أو إرادة الإسلام لهم قاله : المفضل والزجاج .
وهذا ليس بجيد ، لأنه لا يقع توبيخ على معنى إرادة إسلام الكافر ، أو المصافاة ، لأنها من ثمرة المحبة .
{ وتؤمنون بالكتاب كله } ، الكتاب : اسم جنس ، أي بالكتب المنزلة قاله : ابن عباس .
والتوراة والإنجيل أو التوراة أقوال ثلاثة ، وثم جملة محذوفة تقديرها : ولا تؤمنون به كله بل يقولون : نؤمن ببعض ونكفر ببعض .
يدلُّ عليها إثبات المقابل في تحبونهم ولا يحبونكم .
والواو في وتؤمنون للعطف على تحبونهم ، فلها من الإعراب ما لها .
وقال الزمخشري : والواو في وتؤمنون للحال ، وانتصابها من لا يحبونكم أي لا يحبونكم .
والحال : إنكم تؤمنون بكتابهم كله ، وهم مع ذلك يبغضونكم ، فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم ؟ وفيه توبيخ شديد بأنهم في باطلهم أصل منكم في حقكم ونحوه .
فإنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون انتهى كلامه وهو حسن .
إلا أنه فيه من الصناعة النحوية ما يخدشه ، وهو : أنه جعل الواو في وتؤمنون للحال ، وأنها منتصبة من لا يحبونكم .
والمضارعُ المثبت إذا وقع حالاً لا تدخل عليه واوٍ الحال تقول : جاء زيد يضحك ، ولا يجوز ويضحك .
فأما قولهم : قمت وأصك عينه ففي غاية الشذوذ .
وقد أوَّل على إضمار مبتدأ أي قمت وأنا أصك عينه ، فتصير الجملة اسمية .
ويحتمل هذا التأويل هنا ، أي : ولا يحبونكم وأنتم تؤمنون بالكتاب كلِّه ، لكن الأولى ما ذكرناه من كونها للعطف .
قال ابن عطية : وتؤمنون بالكتاب كله يقتضي أن الآية في منافقي اليهود ، لا منافقي العرب .
ويعترضها : أن منافقي اليهود لم يحفظ عنهم أنهم كانوا يؤمنون في الظاهر إيماناً مطلقاً ويكفرون في الباطن ، كما كان المنافقون من العرب ، إلا ما روي من أمر زيد بن الصيف القينقاعي .
فلم يبق إلا أنَّ قولهم : آمنا ، معناه صدّقنا أنه نبي مبعوث إليكم .
أي فكونوا على دينكم ونحن أولياؤكم وأخوانكم لا نضمر لكم إلا المودّة ، ولهذا كان بعض المؤمنين يتخذهم بطانة .
وهذا منزع قد حفظ أن كثيراً من اليهود كان يذهب إليه .
ويدل على هذا التأويل أنَّ المعادل لقولهم : آمنا غض الأنامل من الغيظ ، وليس فيه ما يقتضي الارتداد كما في قوله : { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم } بل هو ما يقتضي البغض وعدم المودّة .
وكان أبو الجوزاء إذا تلا هذه الآية قال : هم الأباضية .
وهذه الصفة قد تترتب في أهل البدع من الناس إلى يوم القيامة انتهى كلامه .
وما ذكر من أن منافقي اليهود لم يحفظ عنهم أنهم كانوا يؤمنون في الظاهر إيماناً مطلقاً ويكفرون في الباطن إلاَّ ما روي من أمر زيد فيه نظر ، فإنه قد روى أن جماعة منهم كانوا يعتمدون ذلك ، ذكره البيهقي وغيره .
ولو لم يرو ذلك إلا عن زيد القينقاعي لكان في ذلك مذمة لهم بذلك ، إذ وجد ذلك في جنسهم .
وكثيراً ما تمدح العرب أو تذم بفعل الواحد من القبيلة ، ويؤيد صدور ذلك من اليهود قوله تعالى : { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره }
{ وإذا لقوكم قالوا آمنا } هذا الإخبار جرى على منازعتهم في التوراة والستر والخبث ، إذ لم يذكروا متعلق الإيمان ، ولكنَّهم يوهمون المؤمنين بهذا اللفظ أنهم مؤمنون .
{ وإذا خلوا } أي خلا بعضهم ببعض وانفردوا دونكم .
والمعنى : خلت مجالسهم ، منكم ، فأسند الخلو إليهم على سبيل المجاز .
{ عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } وظاهره فعل ذلك ، وأنه يقع منهم عض الأنامل لشدة الغيظ مع عدم القدرة على إنفاذ ما يريدون .
وقد صالحوا قوماً علينا أشحة *** يعضون عضاً خلفنا بالأباهم
إذا رأوني أطال الله غيظهم *** عضوا من الغيظ أطراف الأباهيم
وقد شهدت قيس فما كان نصرها *** قتيببة إلا عضها بالأباهم
وأقتل أقواماً لئاماً أذلة *** يعضون من غيظ رؤوس الأباهم
ويوصف المغتاظ والنادم بعضّ الأنامل والبنان والإبهام .
وهذا العض هو بالأسنان ، وهي هيئة في بدن الإنسان تتبع هيئة النفس الغاضبة .
كما أن ضرب اليد على اليد يتبع هيئة النفس المتلهفة على فائت قريب الفوت .
وكما أن قرع السن هيئة تتبع هيئة النفس النادمة ، إلى غير ذلك من عد الحصى والخط في الأرض للمهموم ونحوه .
ويحتمل أن لا يكون ثَمَّ عض أنامل ، ويكون ذلك من مجاز التمثيل عبر بذلك عن شدة الغيظ ، والتأسف على ما يفوتهم من إذايتكم .
ونبه تعالى بهذه الآية على أن من كان بهذه الأوصاف من : بغض المؤمنين ، والكفر بالقرآن ، والرياء بإظهار ما لا ينطوي عليه باطنه ، جدير بأن لا يتخذ صديقاً .
{ قل موتوا بغيظكم } ظاهره : أنه صلى الله عليه وسلم أمر بأن يقول لهم ذلك .
وهي صيغة أمر ، ومعناها الدّعاء : أذن الله لنبيه أن يدعو عليهم لمّا يئس من إيمانهم ، هذا قول الطبري .
وكثير من المفسرين قالوا : فله أن يدعو مواجهة .
وقيل : أمر هو وأمته أن يواجهوهم بهذا .
فعلى هذا زال معنى الدعاء ، وبقي معنى التقريع ، قاله : ابن عطية .
وقيل : صورته أمر ، ومعناه الخبر ، والباء للحال أي تموتون ومعكم الغيظ وهو على جهة الذم على قبيح ما عملوه .
وقال الزمخشري : دعا عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به .
والمراد بزيادة الغيظ ما يغيظهم من قوة الإسلام وعزة أهله ، وما لهم في ذلك من الذل والخزي والتبار انتهى كلامه .
وليس ما فسر به ظاهر قوله : قل موتوا بغيظكم ، ويكون ما قاله الزمخشري يشبه قولهم : مت بدائك ، أي أبقى الله داءك حتى تموت به .
لكنْ في لفظ الزمخشري زيادة الغيظ ، ولا يدل عليه لفظ القرآن .
قال بعض شيوخنا : هذا ليس بأمر جازم ، لأنه لو كان أمراً لماتوا من فورهم كما جاء فقال لهم الله : موتوا .
وليس بدعاء ، لأنه لو أمره بالدعاء لماتوا جميعهم على هذه الصفة ، فإن دعوته لا ترد .
وقد آمن منهم بعد هذه الآية كثير ، وليس بخبر لأنه لو كان خبر الوقع على حكم ما أخبر به يعني ولم يؤمن أحد بعد ، وإنما هو أمر معناه التوبيخ والتقريع كقوله : اعملوا ما شئتم ، إذا لم تستح فاصنع ما شئت .
قيل : ويجوز أن لا يكون ثم قول ، وإنْ يكون أمراً بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد الله أن يهلكوا غيظاً بإعزاز الإسلام وإذلالهم به ، كأنه قيل : حدث نفسك بذلك .
{ إن الله عليم بذات الصدور } قيل : يجوز أن يكون من جملة المقول ، والمعنى : أخبرْهُم بما يسرونه من عضهم الأنامل غيظاً إذا خلوا وقل لهم : إن الله عليم بما هو أخفى مما تسرّونه بينكم وهو مضمرات الصدور ، فلا تظنوا أن شيئاً من أسراركم يخفى عليه .
ويجوز أنْ لا تدخل تحت القول ، ومعناه : قل لهم ذلك ، ولا تتعجب من اطلاعي إياك على ما يسرون ، فإني أعلم ما هو أخفى من ذلك وهو مضمرات صدورهم لم يظهروه بألسنتهم .
والظاهر الأول أورد ذلك على أنّه وعيد مواجهون به .
والذات لفظ مشترك ومعناه هنا أنه تأنيث ذي بمعنى صاحب .
فأصله هنا عليم بالمضمرات ذوات الصدور ، ثم حذف الموصوف ، وغلبت إقامة الصفة مقامه .
ومعنى صاحبة الصدور : الملازمة له التي لا تنفك عنه كما تقول : فلان صاحب فلان ، ومنه أصحاب الجنة أصحاب النار .
فقال الأخفش والفراء وابن كيسان : بالتاء مراعاة لرسم المصحف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.