أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

شرح الكلمات :

{ أمنة نعاسا } : الأمنة : الأمن ، والنعاس : استرخاء يصيب الجسم قبل النوم .

{ يغشى طائفة منكم } : يُصيب المؤمنين ليستريحوا ولا يصيب المنافقين .

{ أهمتهم أنفسهم } : أي لا يفكرون إلا في نجاة أنفسهم غير مكترثين بما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

{ ظن الجاهلية } : هو اعتقادهم أن النبيّ قتل أو أنه لا ينصر .

{ هل لنا من الأمر } : أي ما لنا من الأمر من شيء .

{ ما لا يبدون لك } : أي مالا يظهرون لك .

{ لبرز الذين } : لخرجوا من المدينة ظاهرين ليلقوا مصارعهم هناك .

{ كتب عليهم القتل } : يريد كتب في كتاب المقادير أي اللوح المحفوظ .

{ مضاجعهم } : جمع مضجع وهو مكان النوم والاضطجاع والمراد المكان الذي صرعوا فيه قتلى .

{ ليبتلى } : ليختبر .

{ وليمحص } : التمحيص : التمييز وهو إظهار شيء من شيء كإظهار الإِيمان من النفاق ، والحب من الكره .

المعنى :

ما زال السياق في الحديث عن غزوة أحد فأخبر تعالى في الآية الأولى ( 153 ) عن أمور عظام الأولى أنه تعالى بعد الغم الذي أصاب به المؤمنين أنزل على أهل اليقين خاصة أمناً كاملا فذهب الخوف عنهم حتى أن أحدهم لينام والسيف في يده فيسقط من يده ثم يتناوله قال تعالى : { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أَمَنَةً نعاساً يغشى طائفة منك } والثاني إن أهل الشك والنفاق حرمهم الله تعالى من تلك الأمنة فما زال الخوف يقطع قلوبهم والغم يُسَيْطر على نفوسهم وهم لا يفكرون إلا في أنفسهم كيف ينجون من الموت وهم المعنيون بقوله تعالى { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } والثالث أن الله تعالى قد كشف عن سرائرهم فقال { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } ، والمراد من ظنهم بالله غير الحق ظن المشركين أنهم يعتقدون أن الإِسلام باطل وأن محمداً ليس رسولاً ، وأن المؤمنين سينهزمون ويموتون وينتهي الاسلام ومن يدعوا إليه . والرابع أن الله تعالى قد كشف سرهم فقال عنهم : { يقولون هل لنا من الأمر من شيء } هذا القول قالوه سراً فيما بينهم ، ومعناه ليس لنا من الأمر من شيء ولو كان لنا ما خرجنا ولا قاتلنا ولا أصابنا الذي أصابنا فأطلعه الله تعالى سرهم وقال له : رد عليهم بقولك : إن الأمر كله لله . ثم هتك تعالى مرة أخرى سترهم وكشف سرهم فقال : يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك أي يخفون في أنفسهم من الكفر والبغض والعداء لك ولأصحابك ما لا يظهرونه لك . والرابع لما تحدث المنافقون في سرهم وقالوا لو كان لنا من الأمر من شيء ما قتلنا ها هنا : يريدون لو كان الأمر بأيديهم ما خرجوا لقتال المشركين لأنهم إخوانهم في الشرك والكفر ، ولا قتلوا مع من قتل في أحد فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله : { قل لو كنتم في بيوتكم } بالمدينة { لبرز } أي ظهر الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وصرعوا فيها واتوا ، لأن ما قدره الله نافذ على كل حال ، ولا حذر مع القدر .

ولا بد أن يتم خروجكم إلي أحد بتدبير الله تعالى ليبتلى الله أي يمتحن ما في صدوركم ويميز ما في قلوبكم فيظهر ما كان غيباً لا يعلمه إلا هو إلى عالم المشاهدة ليعلمه ويراه على حقيقته رسوله والمؤمنون ، وهذا لعلم الله تعالى بذات الصدور . هذا معنى قوله تعالى : { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم ، وليبتلى الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور } .

هذا ما تضمنته الآية الأولى

الهداية

من الهداية :

- إكرام الله تعالى لأوليائه بالأمان الذي أنزله في قلوبهم .

- إهانة الله تعالى لأعدائه بحرمانهم ما أكرم به أولياءه وهم في مكان واحد .

- تقرير مبدأ القضاء والقدر ، وأن من كتب موته في مكان لا بد وأن يموت فيه .

- أفعال الله تعالى لا تخلو أبدا من حكم عالية فيجب التسليم لله تعالى والرضا بأفعاله في خلقه .