جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

{ ثم أنزل عليكم من بعد الغمّ أَمَنة نعاسا } : أمنة{[843]} مفعول ، ونعاسا{[844]} بدل منه ، وهذا كما قال الزبير : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا أرسل{[845]} الله علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، والله لا أسمع قول معتب بن قشير إلا كالحلم لو كان لنا من الأمر شيء{[846]} ما قتلنا ها هنا ، وعن{[847]} ابن مسعود : النعاس في القتال من الله ، وفي الصلاة من الشيطان ، { يغشى } : النعاس { طائفةً منكم } ، وهم المؤمنون حقا ؛ { وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم } ما بهم إلا همّ أنفسهم وطلب خلاصها ، وهم المنافقون ، { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } : نصب غير الحق بالمصدر{[848]} أي يظنون غير الظن الحق ، وظن الجاهلية بدله أو هو مفعول مطلق ، وغير الحق مصدر لمضمون الجملة أي يظنون ظن الجاهلية يقولون قولا غير الحق ، وهو أنهم يظنون أنه ما بقي من أمر محمد صلى الله عليه وسلم شيء ، { يقولون{[849]} هل لنا من الأمر من شيء } أي : هل لنا من النصر والغلبة شيء ، ونصيب قط ؟ وهذا إنكار منهم ، { قل } : يا محمد ، { إن الأمر كله لله } : النصر والظفر والقضاء والقدر ، { يُخفون في أنفسهم } : من النفاق استئناف ، أو حال من فاعل يقولون ، { ما لا يُبدون لك يقولون{[850]} } ، بدل{[851]} من يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك أو استئناف أي إذا خلا بعضهم إلى بعض يقولون : { لو كان لنا من الأمر شيء } أي : لو كنا على الحق ، { ما قُتلنا ها هنا } : لما قتل منا في هذه المعركة ، { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } أي : لخرج الذين قدر القتل عليهم إلى مصارعهم فلم يستطيعوا الإقامة في المدينة { وليبتلي الله ما في صدوركم } ، ليمتحن ، ويظهر سرائركم من الإخلاص وعدمه ، وهو عطف على محذوف أي برز لنفاذ القضاء وليبتلي ، أو علة فعل محذوف أي : فعلنا ذلك ، { وليُمحّص ما في قلوبكم } : يكشفه ، ويميزه أو يطهره ، ويخلصه من الوساوس { والله عليم بذات الصدور } : بضمائرها .


[843]:على أن النعاس الأمنة أو نعاسا مفعول، وأمنة حال مقدم/12.
[844]:الحديث الذي ذكرنا في شرح الآية يدل على أن النعاس بعد الهزيمة حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلموا أنه لم يُصب والكفار على الرجوع/12.
[845]:رواه ابن إسحاق بن يسار، وابن أبي حاتم/12.
[846]:رواه الطبراني/12.
[847]:رواه ابن أبي حاتم/12.
[848]:على طريق النوعية دون التأكيد/12.
[849]:استفهام إنكاري/12.
[850]:في أنفسهم ما لا يبدون لك/12.
[851]:إذ لو قالوا ذلك مع المؤمنين مجاهرة لما كانوا منافقين، ولا يمكن أن يكون بدلا من يخفون إلخ/12.