فأهل التحقيق والتوحيد يصلون بعد فتراتهم إلى القول بتَرْكِ أنفسهم ، وغَسلِ أيديهم منهم ، ورفع قلوبهم عنهم فيعيشون بالله لله ، بلا ملاحظة طمع وطلبة ، بل على عقيدة اليأس عن كل شيء . عليه أكّدُوا العهد ، وبدَّلُوا اللحظ ، وتركوا كل نصيب وحظ ، وهذه صفة مَنْ أنزل عليه الأمَنةَ .
فأمَّا الطائفة التي أهمتهم أنفسهم - فبقوا في وحشة نفوسهم ، ومِنْ عاجل عقوبتهم سوءُ عقيدتهم في الطريقة بعد إيمانهم بها ؛ قال تعالى :{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ }[ الأنعام : 110 ] .
والإشارة في قوله تعالى : { هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ شَيء } لهؤلاء أنهم يتحيَّرون في أمرهم فلا إقبال لهم على الصواب بالحقيقة ، ولا إعراض بالكلية ، يحيلون فترتهم على سوء اختيارهم ، ويضيفون صفوة - لو كانت لقلوبهم - إلى اجتهادهم ، وينسَوْن ربَّهم في الحالين ، فلا يبصرون تقدير الحق سبحانه . قال تعالى :
{ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ } : فَمَنْ عَرَفَ أن المنشئ الله انسلخ عن اختياره وأحواله كانسلاخ الشَّعْرِ عن العجين ، وسَلَّمَ أموره إلى الله بالكلية . وأمارة مَنْ تحقق بذلك أن يستريح من كدِّ تدبيره ، ويعيش في سعة شهود تقديره .
وقوله : { يُخْفُونَ فِى أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } : لم يُخْلِصُوا في عقائدهم ، وأضمروا خلاف ما أظهروا ، وأعلنوا غير ما ستروا ، وأحالوا الكائنات على أسبابٍ توهموها .
قال تعالى : { قُلْ لَّوْ كُنتُم فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } .
أخبر أن التقدير لا يُزَاحَم ، والقَدَر لا يُكابَرَ ، وأن الكائناتِ محتومة ، وأن الله غالب على أمره .
وقوله : { وَلِيَبْتَلِىَ اللهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ } : فأمّا أهل الحقائق فإنه تعالى ينتزع من قلوبهم كل آفةٍ وحجبة ، ويستخلص أسرارهم بالإقبال والزلفة ، فتصبح قلوبهم خالصةً من الشوائب ، صافيةً عن العلائق ، منفردةً للحق ، مجرَّدَةً عن الخلق ، مُحَرَّرة عن الحظِّ والنَّفْس ، ظاهرةً عليها آثارُ الإقبال ، غالباً عليها حُسْنُ التَوَلِّي ، باديةً فيها أنوارُ التجلي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.