فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

أصابكم الضر وكثر فيكم الجرح والقتل لكني تداركتكم بالسكينة تخالط قلوبكم والنعاس يخالط أهل اليقين منكم ، أمنا أحللته أنفس الصادقين ، روى البخاري عن أنس أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } حملتهم على الهم وأقلقتهم حظوظ أنفسهم – يعني المنافقين : متعب بن قشير وأصحابه وكانوا خرجوا طمعا في الغنيمة وخوف المؤمنين ، فلم يغشهم النعاس يتأسفون على الحضور . . . والواو في قوله { وطائفة } واو الحال بمعنى إذ أن طائفة يظنون أمر محمد صلى الله عليه وسلم باطل وأنه لا ينصر { ظن الجاهلية } فحذف . { يقولون هل لنا من الأمر من شيء لفظه استفهام ومعناه الجحد أي ما لنا من شيء من الأمر أي من أمر الخروج وإنما خرجنا كرها يدل عليه قوله تعالى إخبارا عنهم { ولو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا } قال الزبير أرسل علينا النوم ذلك اليوم وإني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني يقول : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا{[1187]} ؛ { قل إن الأمر كله لله } { كله } نعت ل{ الأمر أو تأكيد وقال الأخفش : بدل أي النصر بيد الله ينصر من يشاء ويخذل من يشاء { ويخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } يضمرون خلاف الذي يظهرونه لك . { يقولون } في أنفسهم أو خفية لبعضهم إذ لو كان القول جهارا لم يكونوا منافقين والجملة إما بدل من { يخفون } أو استئناف . . - {[1188]} . { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا } [ أي ما قتل عشائرنا فقيل إن المنافقين قالوا لو كان لنا عقل ما خرجنا إلى قتال أهل مكة ولما قتل رؤسائنا فرد عليهم فقال { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز } أي لخرج { الذين كتب } أي فرض { عليهم القتل } يعني في اللوح المحفوظ { إلى مضاجعهم } أي مصارعهم . . وقيل لو تخلفتم أيها المنافقون لبرزتم إلى موطن آخر غيره تصرعون فيه حتى يبتلي الله ما في الصدور ويظهره للمؤمنين . . . ؛ والتقدير { وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم } فرض الله عليكم القتال والحرب ولم ينصركم يوم أحد ليختبر صبركم وليمحص عنكم سيئاتكم إن تبتم وأخلصتم وقيل معنى { ليبتلي } ليعاملكم معاملة المختبر وقيل ليقع منكم مشاهدة ما علمه غيبا ، وقيل هو على حذف مضاف والتقدير : ليبتلي أولياء الله تعالى . . { والله عليم بذات الصدور } أي ما فيها من خير وشر وقيل ذات الصدور هي الصدور لأن ذات الشيء نفسه .


[1187]:من الجامع لأحكام القرآن.
[1188]:من روح المعاني.