التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفيل

مكية وآياتها 5 نزلت بعد الكافرون

نزلت هذه السورة منبهة على العبرة في قصة الفيل التي وقعت في عام مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنها تدل على كرامة الله للكعبة وإنعامه على قريش بدفع العدو عنهم ، فكان يجب عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به ، وفيها مع ذلك عجائب من قدرة الله وشدة عقابه .

وقد ذكرت القصة في كتب السير وغيرها ، واختصارها أن أبرهة ملك الحبشة بنى بيتا باليمن وأراد أن يحج الناس إليه كما يحجون إلى الكعبة ، فذهب أعرابي وأحدث في البيت ، فغضب أبرهة وحلف أن يهدم الكعبة ، فاحتفل في جموعه وركب الفيل وقصد مكة ، فلما وصل قريبا منها فر أهلها إلى الجبال وأسلموا له الكعبة ، وأخذ لعبد المطلب مائتي بعير ، فكلمه فيها فقال له : كيف تكلمني في الإبل ولا تكلمني في الكعبة ، وقد جئت لهدمها ، وهي شرفك وشرف قومك ؟ فقال له : أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه ، فبرك الفيل بذي الغميس ولم يتوجه إلى مكة ، فكانوا إذا وجهوه إلى غيرها هرول ، وإذا وجهوه إليها توقف ولو بضعوه بالحديد ، فبينما هم كذلك أرسل الله عليهم طيورا سودا ، وقيل : خضرا ، عند كل طائر ثلاثة أحجار في منقاره ورجليه ، فرمتهم الطيور بالحجارة ، فكان الحجر يقتل من وقع عليه ، وروي : أنه كان يدخل في رأسه ويخرج من دبره ، ووقع في سائرهم الجدري والأسقام ، وانصرفوا فماتوا في الطريق متفرقين في المراحل ، وتقطع أبرهة أنملة أنملة .

{ ألم تر كيف } معناه ألم تعلم ، وكيف في موضع نصب { بفعل ربك } لا ب{ ألم تر } والجملة معمول { ألم تر } .