التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية ، وآياتها خمس .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل 1 ألم يجعل كيدهم في تضليل 2 وأرسل عليهم طيرا أبابيل 3 ترميهم بحجارة من سجّيل 4 فجعلهم كعصف مأكول } .

يمتنّ الله في هذه الآيات على قريش ؛ إذ صرف عنهم أصحاب الفيل الذين جاءوا إليهم عازمين على هدم الكعبة وإزالتها من الوجود البتة . فأهلكهم الله أيما إهلاك ، ومزقهم شر ممزّق ، فخيّب مرادهم ، وأضل سعيهم ، وردهم خائبين خاسرين مخذولين خزايا .

وخلاصة ذلك أن أبرهة الأشرم وهو من نصارى الحبشة أرسل إلى النجاشي يقول له : إني سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن مثلها قبلها . فشرع في بناء كنيسة عظيمة رفيعة البنيان بصنعاء . وكانت عالية هائلة مزخرفة الأركان . وقد سمتها العرب القليس ، لارتفاعها . فقد كان الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها . وقد عزم أبرهة بذلك أن يصرف حجّ العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة ، ونادى بذلك في مملكته ، فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك ، وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا حتى قصد بعضهم ما بناه أبرهة ، وتوصل إليها ، إلى أن دخلها ليلا ، فأحدث فيها ما أحدث ، ثم كرّ راجعا . فلما رأى السدنة ذلك الحدث رفعوا أمرهم إلى ملكهم أبرهة ، وقالوا له : إنما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذي ضاهيت به هذا . فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة ، وليخربنّه حجرا حجرا . فتأهب أبرهة لذلك ، ومضى إليهم في جيش كثيف عرمرم لئلا يصدّه أحد عنه ، واستصحب معه بعضا من الفيلة عظيمة الأبدان . فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف ، وصانعوه خيفة على بيتهم الذي عندهم وهو الذي يسمونه اللات . فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال ليدلهم على طريق الكعبة حتى أنزلهم المغمّس . وهو موضع قرب مكة في طريق الطائف . وهناك مات أبو رغال ، فرجمت قبره العرب ، وهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمّس . وقد أغار جيش أبرهة على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها فأخذوه ، وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب . ثم بعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ليأتيه بأشرف قريش ، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت ، فقال له عبد المطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة . هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم ، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه . وإن يخلي بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه . فقال له حناطة : فاذهب معي إليه . فذهب معه فلما رآه أبرهة أجلّه ، وكان عبد المطلب رجلا جسيما حسن المنظر ، ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط . وقال لترجمانه : قل له : ما حاجتك ؟ فقال للترجمان : إن حاجتي أن يردّ علي الملك مائتي بعير أصابها لي . فقال أبرهة لترجمانه : قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني . أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه ؟ فقال عبد المطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه . قال : ما كان ليمتنع مني . قال عبد المطلب : أنت وذاك{[4859]} .

قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } الخطاب عام . يعني ألم تنظروا ما فعل الله بأصحاب الفيل ، وهم أبرهة وجيشه من الحبشة الذين جاءوا مكة يبتغون هدم الكعبة وتخريبها . والاستفهام للتقرير يعني ، قد رأيتم ذلك .


[4859]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 550.