مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي خمس آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ } { كَيْفَ } في موضع نصب ب { فِعْلَ } لا ب { أَلَمْ تَرَ } لما في { كَيْفَ } من معنى الاستفهام ، والجملة سدت مسد مفعولي { تَرَ } . وفي { أَلَمْ تَرَ } تعجيب ، أي عجّب الله نبيه من كفر العرب ، وقد شاهدت هذه العظمة من آيات الله ، والمعنى إنك رأيت آثار صنع الله بالحبشة ، وسمعت الأخبار به متواتراً ، فقامت لك مقام المشاهدة { بأصحاب الفيل } روي أن أبرهة بن الصباح ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس ، وأراد أن يصرف إليها الحاج ، فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلاً فأغضبه ذلك . وقيل : أججت رفقة من العرب ناراً فحملتها الريح فأحرقتها ، فحلف ليهدمن الكعبة ، فخرج بالحبشة ومعه فيل اسمه محمود - وكان قوياً عظيماً - واثنا عشر فيلاً غيره ، فلما بلغ المغمس خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى ، وعبى جيشه وقدم الفيل ، وكان كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح ، وإذا وجهوه إلى اليمن هرول ، وأرسل الله طيراً مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة ، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره ، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه ، ففروا وهلكوا ، وما مات أبرهة حتى انصدع صدره عن قلبه ، وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة ، فلما أتمها وقع عليه الحجر فخر ميتاً بين يديه .

وروي أن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير فخرج إليه فيها فعظم في عينه ، وكان رجلاً جسيماً وسيماً . وقيل : هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال ، فلما ذكر حاجته قال : سقطت من عيني ، جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وشرفكم في قديم الدهر ، فألهاك عنه ذود أخذ لك . فقال : أنا رب الإبل ، وللبيت رب سيمنعه .