لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .

" بسم الله " : اسم غني من أطاعه أغناه ، ومن خالفه أضله وأعماه .

اسم عزيز من وافقه رقاه إلى الرتبة العليا ، ومن خالفه ألقاه في المحنة الكبرى .

قوله جل ذكره : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } .

أَلَمْ يَنْتِه إليكَ فيما أنزل عليك عِلْمُ ما فَعلَ ربُّكَ بأصحاب الفيل ؟ .

وفي قصة أصحاب الفيل دلالة على تخصيص اللَّهِ البيتَ العتيقَ بالحِفْظِ والكِلاءة . وذلك أنَّ أَبرهة - مَلِكَ اليمن - كان نصرانياً ، وبنى بيعةً لهم بصنعاء . وأراد هَدْمَ الكعبة ليصرفَ الحجَّ إلى بيعتهم .

وقيل : نزل جماعةٌ من العرب ببلاد النجاشي ، وأوقدوا ناراً لحاجةٍ لهم ، ثم تغافلوا عنها ولم يُطْفِئوها ، فهبَّت الريحُ وحَمَلَتْ النارَ إلى الكنيسة وأحرقتها ، فَقَصَد أبرهةُ الكعبةَ لِيَهْدِمها بجيشه .

فلمّا قَرُبَ من مكة أصاب مائتي جَمَلٍ لعبد المطلب ، فلمَّا أُخْبِرَ بذلك ركب إليهم ، فَعَرفَةُ رجلان ، فقالا له : ارجعْ . . فإنْ المَلِكَ غضبان .

فقال : واللاتِ والعُزَّى لا أَرْجِعُ إلاَّ بإبلي .

فقيل : لأبرهة : هذا سَيِّدُ قريش ببابِك ؛ فأَذِنَ له ، وسأله عن حاجته ؛ فأجاب أبرهة : إنها لك غداً ، إذا تقدَّمْتُ إلى البيت .

فعاد عبد المطلب إلى قريش ، وأخبرهم بما حدث ، ثم قام وأخذ بحلْقِه باب الكعبة ، وهو يقول :

لا هُمَّ إِنَّ العَبْدَ يم *** نعُ رَحْلَه فامنعُ حَلاَلِكَ

لا يَغْلِبَنَّ صليبُهمْ *** ومِحَالُهم عَدْواً مِحالَكْ

إِنْ يدخلوا البلدَ الحرا *** مَ فأمرٌ ما بدالك

فأرسل اللَّهُ عليهم طيراً أخضرَ من جهة البحر طِوالَ الأعناق ، في مناقر كل طائرٍ حَجَرٌ وفي مخلبه حجران .

قيل : الحجَرةُ منها فوق العدس دون الحمص .

وقيل : فوق الحمص دون الفستق ، مكتوب على كل واحدة اسم صاحبها .

وقيل : مُخَطَّطةٌ بالسَّواد . فأُمْطِرَتْ عليهم ، وماتوا كُلُّهم .

وقيل : كان الفيلُ ثمانيةً ؛ وقيل : كان فيلاً واحداً .

وقيل في رواية : إنه كان قبل مولده صلى الله عليه وسلم بأَربعين سنة .

وقيل : بثلاثة وعشرين سنة . وفي رواية " وُلِدْتُ عامَ الفيل " .