الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الفيل( {[1]} ) مكية( {[2]} )

قوله تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بأصاحب الفيل } إلى آخرها .

قوله : { ألم تر } : تكون بمعنى التعجب ، وتكون بمعنى التفخيم ، وبمعنى التهويل والتعظيم .

والمعنى : ألم تر يا محمد بعين قلبك كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ؟   ! وهو ملك اليمن [ أبرهة ] ( {[77521]} ) الحبشي ، وكان تحت يد( {[77522]} ) النجاشي ، أتى مع جنده إلى بيت الله الحرام ليخربه ، وكان سبب إتيانه ما ذكره ابن إسحاق وغيره في حكاية طويلة أنا أذكر معناها( {[77523]} ) ، على اختصار إن شاء الله .

وذلك أن أبرهة بنى [ لملك الحبشة ] ( {[77524]} ) كنيسة بصنعاء ، وكان نصرانيا ، وسماها القليس ، وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة أني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة ، ووصفها ومدحها ( له ) ( {[77525]} ) وقال : إني لست بمنته( {[77526]} ) حتى أصرف إليها حاج العرب ، فبلغ ذلك العرب( {[77527]} ) من قول أبرهة ، فغضب رجل من العرب لذلك( {[77528]} ) ، فذهب حتى أتى الكنيسة فأحدث فيها ثم رجع إلى قومه ، فأخبر أبرهة بذلك ، فقال : من صنع هذا ؟   ! فقيل له : صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي يحج إليه بمكة . فغضب عند ذلك أبرهة وحلف [ ليسيرن ] ( {[77529]} ) إلى البيت وليهدمه .

ثم إن أبرهة وجه رجلا من العرب يدعو العرب لحج الكنيسة التي بنى أبرهة ، فقتلته [ العرب ] ( {[77530]} ) ، فبلغ ذلك أبرهة فزاد غيظا [ وحنفا ] ( {[77531]} ) على البيت وعلى من قتل رسوله من العرب ، فحلف ليغزون قاتلي رسوله ، -قيل( {[77532]} ) : هم بنو كنانة- ، وحلف ليهدمن البيت .

ثم تأهب ( مع ) ( {[77533]} ) الحبشان( {[77534]} ) وخرج ( [ لهدم ] ( {[77535]} ) البيت وغزو بني كنانة . وخرج ) ( {[77536]} ) معهم( {[77537]} ) ، بالفيل ، فاجتمع( {[77538]} ) ، عليه بعض العرب لتقاتله وترجه عن مذهبه ومراده فهزمهم( {[77539]} ) أبرهة وأسر رئيسهم –واسمه ذو نفر- فأراد قتله ثم تركه [ وثقفه ] ( {[77540]} ) معه ، ثم إليه نفيل بن حبيب [ الختعمي ] ( {[77541]} ) في قبيلتي ختعم ، فقاتله فهزمه أبرهة وأسره وعفا عنه ولم يقتله .

فلما مر بالطائف ، خرج إليه مسعود بن معتبٍ( {[77542]} ) في رجال ثقيف وطلبوا منه السلم ، فأعطاهم السلام( {[77543]} ) ووجهوا معه أبا رغال( {[77544]} ) ، [ فخرج معه أبو رغال ] ( {[77545]} ) حتى أنزله المغمس( {[77546]} ) ، ثم مات أبو رغال بالمغمس( {[77547]} ) فدفن هناك ، فالعرب ترجم قبره من ذلك الوقت( {[77548]} ) إلى الآن( {[77549]} ) .

ثم إن أبرهة وجه بخيل على نحو مكة ، [ فاستاقت ] ( {[77550]} ) له أموال أهل مكة . وكان لعبد المطلب ( فيها ) ( {[77551]} ) [ مائتا ] ( {[77552]} ) بعير ، وكان سيد( {[77553]} ) قريش ( يومئذ ) ( {[77554]} ) .

فهمت قريش ومن يقرب منهم من العرب [ بقتال ] ( {[77555]} ) أبرهة ، ثم علموا أنهم لا طاقة / لهم به ، فتركوا [ ذلك ]( {[77556]} ) .

ثم إن أبرهة وجه إلى مكة يقول( {[77557]} ) [ لرئيسها ] ( {[77558]} ) : إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهم البيت ، فإن لم تعرضوا دونه [ لي ] ( {[77559]} ) بحرب فلا حاجة لي بدمائكم . وأمره( {[77560]} ) أن يأتيه [ بالرئيس ] ( {[77561]} ) إن كان لا يريد حربه ، ( فأتى [ الرئيس ] ( {[77562]} ) ، وسأل عن [ رئيس ] ( {[77563]} ) القوم فدل على عبد المطلب ، فبلغه الرسالة ، فقال عبد المطلب : والله ، ما نريد حربه ) ( {[77564]} ) ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم عليه السلام ، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه ، وإن لم يحل بينه وبينه ، فهو الله ما عندنا( {[77565]} ) من دفع( {[77566]} ) عنه . فقال الرسول لعبد المطلب : ( انطلق( {[77567]} ) على أبرهة ، فإنه قد أمرني أن تأتي( {[77568]} ) بك ، فانطلق معه عبد المطلب ) ( {[77569]} ) ومعه بعض بنيه ، فلما أتى عبد المطلب ( العسكر ، سأل عن ذي نفر – وكان له صديقا- فسأله عبد المطلب ) ( {[77570]} ) عن [ رأي ] ( {[77571]} ) –أو أمر( {[77572]} )- [ يشير به ] ( {[77573]} ) ، فما( {[77574]} ) وجد عنده فرجا ، واعتذر إليه بأنه مثقف محبوس( {[77575]} ) ، لكنه قال لعبد المطلب إن سائس الفيل [ لي ] ( {[77576]} ) صديق ، [ فسأرسل إليه( {[77577]} ) وأوصيه ] ( {[77578]} ) بك وأعظم عليه حقك ، وسأله أن يست أذن لك على الملك فتكلمه في ما( {[77579]} ) تريد ، ويشفع لك عنده إن قدر .

ثم بعث( {[77580]} ) ذو نفر إلى سائس الفيل فأوصاه بما وعد به عبد المطلب ، ففعل سائس الفيل ذلك ، واستأذن له على أبرهة ( عظمه في عين أبرهة )( {[77581]} ) ومدحه ، فأذن له أبرهة ، -وكان عبد المطلب رجلا وسيما عظيما- ، فلما رآه أبرهة أجلّه وأكرمه ، وكان أمر( {[77582]} ) أن يجلس تحته وكره أن تراه الحبشة [ يجلسه ] ( {[77583]} ) [ معه ] ( {[77584]} ) على سرير ملكه ، فنزل أبرهة عن سريره وجلسه على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه ، ثم قال لترجماته : قل له : ما حاجتك إلى الملك ؟ فقال( {[77585]} ) له عبد المطلب : حاجتي أن يرد( {[77586]} ) علي مائتي بعير ، فلما قالها الترجمان لأبرهة ، قال أبرهة للترجمان : قل له : قد كنت أعجبتني جين رأيتك ، ثم زهدت فيك حين كلمتني . [ أتكلمني ] ( {[77587]} ) في مائتي بعير أخذتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك وجئت لأهدمه فلا تكلمني فيه ؟   ! فقال له عبد المطلب : ( إني [ أنا ] ( {[77588]} ) رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه ، فقال أبرهة : ما كان ليمنع مني ، قال له عبد المطلب( {[77589]} ) : أنت وذاك( {[77590]} ) ، اردد علي إبلي ، فرد عليه إبله وانصرف عبد المطلب إلى قريش ، فحذرهم وأمرهم بالخروج من( {[77591]} ) مكة والتحرز في شعب الجبال والشعاب تخوفاً عليهم من الحبش( {[77592]} ) .

ثم قال عبد المطلب وأخذ بحلقه باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله( {[77593]} ) ويستنصرونه على أبرهة وجنده . فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقه( {[77594]} ) باب الكعبة :

يارب أرجوا لهم سواكا *** فامنع منهم حماكا

إن عدو البيت من عاداكا( {[77595]} ) *** إن عدو البيت من عاداكا( {[77596]} ) .

ثم ذهب عبد المطلب ومن معه من قريش إلى شعب الجبال يتحرزون( {[77597]} ) فيها وينتظرون( {[77598]} ) ما أبرهة فاعل( {[77599]} ) .

فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة [ وهيأ ] ( {[77600]} ) فيله وعبر( {[77601]} ) جيشه وهو مجمع على هدم البيت والانصراف إلى اليمين .

فلما وجهوا الفيل –واسمه : مَحْمود- أقبل( {[77602]} ) نفيل بن حبيب [ الختعمي ] ( {[77603]} ) حتى قام إلى جنب الفيل ( وأخذ بأذنه ) ( {[77604]} ) وقال : ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل وهرب نُفَيل حتى اصعد( {[77605]} ) في الجبل ، فضربوا الفيل ليقوم فأبى ، ثم وجهوه راجعا إلى اليمين [ يُهًرول ] ( {[77606]} ) ، ووجهوه( {[77607]} ) إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فَبَرَك ، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل ، قيل : ( كانت ) ( {[77608]} ) مثل الخطاطيف ، أرسلها عليهم من البحر ، مع كل طير ثلاثة أحجار ، حجر في منقاره( {[77609]} ) وحجران في رجليه ، كل حجر مثل الحمص أو العدس ، [ لا تصيب أحدا منهم ] ( {[77610]} ) إلا هلك . ولم [ تصبهم ] ( {[77611]} ) كلهم . ، بل أصابت من شاء الله منهم ، فخرجوا هاربين [ يبتدرون ] ( {[77612]} ) الطريق الذي منه جاؤوا يسألون عن نُفَيْل بن حبيب ليدلهم على الطريق على اليمين ، فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته :

أين المفر والإله الغالب( {[77613]} ) *** والأشرم المغلوب غير الغالب

فهربوا يتساقطون ويهلكون في كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، فخرجوا به [ معهم ] ( {[77614]} ) [ تسقط ] ( {[77615]} ) أنامله أنملة ، كلما سقطت [ منها ] ( {[77616]} ) /أنملة اتبعتها مدة( {[77617]} ) بقيح/ ، ودم حتى قدموا صنعاء وهو مثل فرخ الطير ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه . ولول ما رئيت الحصبة والجدري( {[77618]} ) بأرض العرب من ذلك العام ، وهو أول ما رئي ( من ) ( {[77619]} ) . الشجر [ المر ] ( {[77620]} ) مثل الحنطل والحرمل والعُشَر( {[77621]} ) ، فذلك قوله تعالى : { ألم يجعل كيدهم في تضليل } .


[1]:أ: إذ.
[2]:حكاه في المحرر 16/262.
[77521]:ساقط من "م".
[77522]:أ: يدي.
[77523]:أ: معناه.
[77524]:زيادة من "أ".
[77525]:ساقط من أ.
[77526]:أ: بينته.
[77527]:أ: فبلغ العرب ذلك.
[77528]:أ: فغضب لذلك رجل من العرب.
[77529]:م: ليسرن.
[77530]:ساقط من "م".
[77531]:م: وحقنا.
[77532]:أ: وقيل.
[77533]:ساقط من "ث".
[77534]:ث: الحبشاني.
[77535]:م: ليهدمن.
[77536]:ما بين قوسين ساقط من ث.
[77537]:ث: معه.
[77538]:ث: فاجتمعوا.
[77539]:ث: معهم. وسبقه بياض.
[77540]:م، ث: وتفقه.
[77541]:ساقط من "م"، وهو نفيل ين حبيب الختعمي، شاعر جاهلي يلقب بذي اليدين، كان من أدلة أبرهة الحبشي في زحفه على مكة، تنسب له أبيات في يوم الفيل، انظر: الأعلام: 8/45.
[77542]:مسعود بن معتب كان من أمراء قريش في حرب الفجار، وهو من الرجال الذي جاء الإسلام وعنده نسوة، وهو من ثقيف، انظر: المحبر: 357 وطبقات ابن سعد: 1/127.
[77543]:ث: السلم.
[77544]:ث، م: أبو رغال. وهو قسي بن منبه بن النبيت بن يقدم من بني إياد، جاهلي، ذكر أنه كان دليل الحبشة لما غزوا الكعبة فهلك فيمن هلك منهم ودفن في المغمس وقبره معروف، وقد مر النبي بقبر أبي رغال فأمر رجمه فرجم. (ت 50هـ). انظر: الأعلام: 5/198.
[77545]:ساقط من "م".
[77546]:ث: الغمس. أ: فخرج معه أبو المغمس. والمُغَمَّسُ: موضع قرب مكة في طريق الطائف. انظر: معجم البلدان: 5/161.
[77547]:سث: المغمس.
[77548]:أ: اليوم.
[77549]:كتب الناسخ في هامش "أ" انظر: أبا رغال الذي ترجم العرب قبره.
[77550]:م، أ: فأساقت.
[77551]:ساقط من أ.
[77552]:م: مائتي.
[77553]:أ: سبب.
[77554]:ساقط من أ.
[77555]:م، ث: لقتال.
[77556]:ساقط من "م".
[77557]:أ: يقال.
[77558]:م: رايسهم.
[77559]:زيادة من "أ".
[77560]:أ: وأمر.
[77561]:م: بالرايس.
[77562]:م: الرايس.
[77563]:م: رأيس
[77564]:ساقط من ث.
[77565]:أ: عنده.
[77566]:أ: مدفع.
[77567]:ث: فانطلق.
[77568]:ث: آتيه (وهو صحيح أيضا بل لعله هو الأنسب).
[77569]:ساقط من "أ".
[77570]:ساقط من أ.
[77571]:م: رآء.
[77572]:أ: آمن. ث: أمير.
[77573]:م: يشير له. ث: يشريه.
[77574]:أ: فلما.
[77575]:أ: مثقف المجبوس.
[77576]:م: لا، ث: را.
[77577]:أ: فيه.
[77578]:م: فأرسل إليه واصيه.
[77579]:م: بما.
[77580]:أ: بعثه.
[77581]:ساقط من ث.
[77582]:أ: وامر.
[77583]:م: فجلسه، ث: فجلس.
[77584]:زيادة من أ، ث.
[77585]:أ: قال.
[77586]:أ: ترد. ث: نرد.
[77587]:زيادة من أ، ث.
[77588]:م، ث: ابا.
[77589]:ما بين قوسين (إني أنا رب – عبد المطلب) ساقط من أ.
[77590]:أ، ث: وذلك.
[77591]:أ: عن.
[77592]:أ، ث: الجيش.
[77593]:ث: إليه.
[77594]:أ: خلقة.
[77595]:أ، ث: عداكا.
[77596]:أ، ث: عداكا.
[77597]:ث: فتحرزون.
[77598]:أ: وينظرون.
[77599]:ث: فاعلل. وفي أ: فاعل بمكة، وكذا في جامع البيان 30/303.
[77600]:م: وصبا. ث: وهَيَّ.
[77601]:ث: وعبر. وفي جامع البيان 30/303 "وعيا".
[77602]:أ: أقبل إليه.
[77603]:م: الخثعي.
[77604]:ساقط من أ.
[77605]:أ: صعد.
[77606]:م: هرول.
[77607]:أ: يهرول وجهوه.
[77608]:ساقط من أ.
[77609]:أ: منخاره ث: منقره.
[77610]:م، ث: لاتصيب منها أحدا منهم، وكذا في جامع البيان: 30/303 وهو أوضح.
[77611]:م: يصبهم.
[77612]:م: يبدون.
[77613]:في جامع البيان: 30/303. والسيرة لابن هشام: 1/55: أين المفر والإله الطالب...
[77614]:م: ملهجر.
[77615]:ث م: يسقط.
[77616]:م: منه.
[77617]:أ، ث: أتبعتها منه مدة.
[77618]:م: والجدر. أ: والجدراي.
[77619]:ساقط من ث.
[77620]:ساقط من م.
[77621]:انظر: هذه القصة بتمامها في السيرة لابن هشام: 1/44-59 وجامع البيان: 30/299-303.