تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (151)

قال داود الأوْدِي ، عن الشعبي ، عن علَقْمَة ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : من أراد أن يقرأ صحيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه ، فليقرأ هؤلاء{[11335]} الآيات : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } إلى قوله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو ، حدثنا عبد الصمد بن الفضل ، حدثنا مالك بن إسماعيل النَّهدي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة قال : سمعت ابن عباس يقول : في{[11336]} الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب ، ثم قرأ : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ] }{[11337]} .

ثم قال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه{[11338]} .

قلت : ورواه زُهَيْر وقيس بن الربيع كلاهما عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن قيس ، عن ابن عباس ، به . والله{[11339]} أعلم .

وروى الحاكم أيضًا في مستدركه{[11340]} من حديث يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي إدريس ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم يبايعني على ثلاث ؟ " - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } حتى فرغ من الآيات - فمن وفى فأجره على الله ، ومن انتقص منهن شيئًا فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته{[11341]} ومن أخر إلى الآخرة فأمره إلى الله ، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه " .

ثم قال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . وإنما اتفقا على حديث الزهري ، عن أبي إدريس ، عن عبادة : " بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا " الحديث . وقد روى سفيان بن حُسَين كلا الحديثين ، فلا ينبغي أن ينسب إلى الوهم في أحد الحديثين إذا جمع بينهما ، والله أعلم{[11342]} .

وأما تفسيرها فيقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد - لهؤلاء المشركين الذين [ أشركوا و ]{[11343]} عبدوا غير الله ، وحرموا ما رزقهم الله ، وقتلوا أولادهم وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين لهم ، { قُلْ } لهم { تَعَالَوْا } أي : هلموا وأقبلوا : { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } أي : أقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقًا لا تخرصًا ، ولا ظنًا ، بل وحيًا منه وأمرًا من عنده :

{ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } وكأن في الكلام محذوفًا دل عليه السياق ، وتقديره : وأوصاكم{[11344]} { أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } ؛ ولهذا قال في آخر الآية : { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } وكما قال الشاعر :

حَجَّ وأوصَى بسُلَيمى الأعْبُدَا *** أنْ لا تَرَى ولا تُكَلِّم أحَدا

ولا يَزَلْ شَرَابُها مُبَرَّدا{[11345]} .

وتقول العرب : أمرتك ألا تقوم .

وفي الصحيحين من حديث أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا من أمتك ، دخل الجنة . قلت : وإن زنا وإن سرق ؟ قال : وإن زنا وإن سرق . قلت : وإن زنا وإن سرق ؟ قال : وإن زنا وإن سرق . قلت : وإن زنا وإن سرق ؟ قال : وإن زنا وإن سرق ، وإن شرب الخمر " : وفي بعض{[11346]} الروايات أن القائل ذلك إنما هو أبو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه ، عليه{[11347]} السلام ، قال في الثالثة : " وإن رغم أنفُ أبي ذر " {[11348]} فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث : وإن رغم أنف أبي ذر .

وفي بعض المسانيد والسنن عن أبي ذر [ رضي الله عنه ]{[11349]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي ، ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بي شيئا ، وإن أخطأت حتى تبلغ خطاياك عَنَان السماء ثم استغفرتني ، غفرت لك " {[11350]} .

ولهذا شاهد في القرآن ، قال الله تعالى{[11351]} : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [ النساء : 48 ، 116 ] .

وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود : " من مات لا يشرك بالله شيئًا ، دخل الجنة " {[11352]} والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدًا .

وروى ابن مَرْدُوَيه من حديث عبادة وأبي الدرداء : " لا تشركوا بالله شيئًا ، وإن قُطِّعتم أو صُلِّبتم أو حُرِّقتم " {[11353]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عَوْف الحِمْصي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا نافع بن يزيد حدثني سيار بن عبد الرحمن ، عن يزيد بن قَوْذر ، عن سلمة بن شُرَيح ، عن عبادة بن الصامت قال : أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال : " ألا تشركوا بالله شيئًا ، وإن حرقتم وقطعتم وصلبتم " {[11354]} .

وقوله تعالى : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } أي : وأوصاكم وأمركم بالوالدين إحسانا ، أي : أن تحسنوا إليهم ، كما قال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [ الإسراء : 23 ] .

وقرأ بعضهم : " ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " .

والله تعالى كثيرًا ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين ، كما قال : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ لقمان : 14 ، 15 ] . فأمر بالإحسان إليهما ، وإن كانا مشركين بحسبهما ، وقال تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } الآية . [ البقرة : 83 ] . والآيات في هذا كثيرة . وفي الصحيحين عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : " الصلاة على وقتها " . قلت : ثم أيّ ؟ قال : " بر الوالدين " . قلت : ثم أيّ ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " . قال ابن مسعود : حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته{[11355]} لزادني{[11356]} .

وروى الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه بسنده عن أبي الدرداء ، وعن عبادة بن الصامت ، كل منهما يقول : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم : " أطع والديك ، وإن أمراك أن تخرج لهما من الدنيا ، فافعل " {[11357]} .

ولكن في إسناديهما ضعف ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } لما أوصى{[11358]} تعالى ببر الآباء والأجداد ، عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد ، فقال تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ } وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سَوَّلت لهم الشياطين ذلك ، فكانوا يئدون البنات خَشْيَة العار ، وربما قتلوا بعض الذكور خيفةَ الافتقار ؛ ولهذا جاء في الصحيحين ، من حديث عبد الله ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندّا وهو خلَقَكَ " . قلت : ثم أيّ ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يَطْعَم معك " . قلت : ثم أيّ ؟ قال : " أن تُزَاني حليلة جارك " . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ] }{[11359]} [ الفرقان : 68 ] . {[11360]}

وقوله : { مِنْ إِمْلاقٍ } قال ابن عباس ، وقتادة ، والسُّدِّي : هو الفقر ، أي : ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل ، وقال في سورة " سبحان " : { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [ الإسراء : 31 ] ، أي : خشية{[11361]} حصول فقر ، في الآجل ؛ ولهذا قال هناك : { نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ } فبدأ برزقهم للاهتمام بهم ، أي : لا تخافوا من فقركم بسببهم ، فرزقهم على الله . وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلا قال : { نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } ؛ لأنه الأهم هاهنا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } كقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 33 ] . وقد تقدم تفسيرها في قوله : { وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ } [ الأنعام : 12 ] .

وفي الصحيحين ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحد أغْيَر من الله ، من أجل ذلك حَرَّم الفواحش ما ظَهَر منها وما بَطنَ " {[11362]} .

وقال عبد الملك بن عُمَيْر ، عن وَرّاد ، عن مولاه المغيرة قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مُصْفَح . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أتعجبون من غيرة سعد ! فوالله لأنا أغير من سعد ، والله أغير مني ، من أجل ذلك حَرّم الفواحش ما ظهر منها وما بَطَن " . أخرجاه{[11363]} .

وقال كامل أبو العلاء ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ، إنا{[11364]} . نغار . قال : " والله إني لأغار ، والله أغير مني ، ومن غيرته نهى عن الفواحش " {[11365]} .

رواه ابن مَرْدُوَيه ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وهو على شرط الترمذي ، فقد روي بهذا السند : " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين " {[11366]} .

وقوله تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ } وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهي عنه تأكيدًا ، وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فقد جاء في الصحيحين ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " {[11367]} .

وفي لفظ لمسلم{[11368]} والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم . . . " وذكره ، قال الأعمش : فحدثت به إبراهيم ، فحدثني عن الأسود ، عن عائشة [ رضي الله عنها ]{[11369]} ، بمثله{[11370]} .

وروى أبو داود ، والنسائي ، عن عائشة ، رضي الله عنها ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال : زانٍ مُحْصَن يُرْجَم ، ورجل قتل رَجُلا مُتَعمِّدا فيقتل ، ورجل يخرج من الإسلام حارب الله ورسوله ، فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض " . وهذا لفظ النسائي{[11371]} .

وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، أنه قال وهو محصور : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يَحِلُّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كَفَر بعد إسلامه ، أو زنا بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس " . فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ، ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منه بعد إذ هداني الله ، ولا قتلت نفسا ، فبم تقتلونني . رواه الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن{[11372]} .

وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهدَ - وهو المستأمن من أهل الحرب - كما رواه البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل مُعاهِدًا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد{[11373]} من مسيرة أربعين عاما " {[11374]} .

وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل معاهَدًا له ذِمَّة الله وذمَّة رسوله ، فقد أخفر بذمة الله ، فلا يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خَريفًا " .

رواه ابن ماجه ، والترمذي وقال : حسن صحيح{[11375]} .

وقوله : { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي : هذا ما{[11376]} وصاكم به لعلكم تعقلون عنه أمره ونهيه .


[11335]:في م: "هذه".
[11336]:في م، أ: "إن في".
[11337]:زيادة من أ.
[11338]:المستدرك (2/317).
[11339]:في م، أ: "فالله".
[11340]:في أ: "في مسنده" وهو خطأ.
[11341]:في م: "عقوبة".
[11342]:المستدرك (2/318). أما الحديث الذي اتفق عليه الشيخان من حديث الزهري، فرواه البخاري في صحيحه برقم (18) ومسلم في صحيحه برقم (1709).
[11343]:زيادة من أ.
[11344]:في د، أ: "ووصاكم"، وفي م: "أوصاكم".
[11345]:الرجز في تفسير الطبري (12/216).
[11346]:في م: "قلت: وفي بعض".
[11347]:في أ: "وأنه عليه الصلاة والسلام".
[11348]:صحيح البخاري برقم (1237) وصحيح مسلم برقم (94).
[11349]:زيادة من أ.
[11350]:رواه أحمد في مسنده (5/154) والترمذي في السنن برقم (2495) وابن ماجة في السنن برقم (4257) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن".
[11351]:في أ: "عز وجل".
[11352]:صحيح مسلم برقم (92).
[11353]:أما حديث أبي الدرداء، فرواه الطبراني في المعجم الكبير كما في معجم الزوائد (4/216) من طريق شهر بن حوشب، عن أم الدرداء عن أبي الدرداء به.قال الهيثمي: "فيه شهر بن حوشب وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات". وأما حديث عبادة فهو الآتي.
[11354]:ورواه الطبراني في المعجم الكبير كما في الزوائد (4/216) وقال الهيثمي: "فيه سلمة بن شريح قال الذهبي: لا يعرف، وبقية رجاله رجال الصحيح".
[11355]:في أ: "استزدت".
[11356]:صحيح البخاري برقم (5970) وصحيح مسلم برقم (85).
[11357]:سبق تخريجهما من رواية الطبراني في المعجم الكبير.
[11358]:في د، م: "وصى".
[11359]:زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
[11360]:صحيح البخاري برقم (4477) وصحيح مسلم برقم (68).
[11361]:في م: "خيفة" وفي أ: "ضيقة".
[11362]:صحيح البخاري برقم (4634) وصحيح مسلم برقم (2760).
[11363]:صحيح البخاري برقم (6846) وصحيح مسلم برقم (1499).
[11364]:في م: "أما".
[11365]:ورواه أحمد في مسنده (2/326) من طريق كامل به، قال الهيثمي في المجمع (4/328): "فيه كامل أبو العلاء، وفيه كلام لا يضر وهو ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح".
[11366]:سنن الترمذي برقم (2331) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة".
[11367]:صحيح البخاري برقم (6878) وصحيح مسلم برقم (1676).
[11368]:في م: "مسلم".
[11369]:زيادة من أ.
[11370]:صحيح مسلم برقم (1676).
[11371]:سنن أبي داود برقم (4353) وسنن النسائي (7/101).
[11372]:المسند (1/63) وسنن الترمذي برقم (2158) وسنن النسائي (7/92) وسنن ابن ماجة برقم (2533).
[11373]:في د، م، أ: "يوجد".
[11374]:صحيح البخاري برقم (3166).
[11375]:سنن ابن ماجة برقم (2687) وسنن الترمذي برقم (1403).
[11376]:في أ: "مما".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (151)

{ قل تعالوا } أمر من التعالي وأصله أن يقوله من كان في علو لمن كان في سفل فاتسع فيه بالتعميم . { أتل } أقرأ . { ما حرم ربكم } منصوب بأتل وما تحتمل الخبرية والمصدرية ، ويجوز أن تكون استفهامية منصوبة بحرم والجملة مفعول { أتل } لأنه بمعنى أقل ، فكأنه قيل أتل أي شيء حرم ربكم { عليكم } متعلق ب{ حرم } أو { أتل } . { ألا تشركوا به } أي لا تشركوا به ليصح عطف الأمر عليه ، ولا يمنعه تعليق الفعل المفسر ب{ ما حرم } ، فإن التحريم باعتبار الأوامر يرجع إلى أضدادها ومن جعل أن ناصبة فمحلها النصب بعليكم على أنه للإغراء ، أو البدل من { ما } أو من عائده المحذوف على أن لا زائدة والجر بتقدير اللام ، أو الرفع على تقدير المتلو أن لا تشركوا أو المحرم أن تشركوا . { شيئا } يحتمل المصدر والمفعول . { وبالوالدين إحسانا } أي وأحسنوا بهما إحسانا وضعه موضع النهي عن الإساءة إليهما للمبالغة وللدلالة على أن ترك الإساءة في شأنهما غير كاف بخلاف غيرهما . { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } من أجل فقر ومن خشية . كقوله : { خشية إملاق } { نحن نرزقكم وإياهم } منع لموجبية ما كانوا يفعلون لأجله واحتجاج عليه . { ولا تقربوا الفواحش } كبائر الذنوب أو الزنا . { ما ظهر منها وما بطن } بدل منه وهو مثل قوله { ظاهر الإثم وباطنه } { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } كالقود وقتل المرتد ورجم المحصن . { ذلكم } إشارة إلى ما ذكر مفصلا . { وصاكم به } بحفظه . { لعلكم تعقلون } ترشدون فإن كمال العقل هو الرشد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (151)

هذا أمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم الله بشرع الإسلام المبعوث به إلى الأسود والأحمر ، و { تعالوا } معناه أقبلوا ، وأصله من العلو فكأن الدعاء لما كان أمراً من الداعي استعمل فيه ترفيع المدعو{[5149]} ، وتعالى هو مطاوع عالى ، إذ تفاعل هو مطاوع فاعل . و { أتل } معناه اسرد وأ نص من التلاوة التي يصح هي إتباع بعض الحروف بعضا ، و { ما } نصب بقوله { أتل } وهي بمعنى الذي ، وقال الزجّاج أن يكون قوله { أتل } معلقاً عن العمل و { ما } نصب ب { حرم } .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وهذا قلق و { أن } في قوله { أن لا تشركوا } يصح أن تكون في موضع رفع الابتداءو التقدير : الأمر أن ، أو : ذلك أن ، ويصح أن تكون في موضع نصب على البدل من { ما } قاله مكي وغيره .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : والمعنى يبطله فتأمله ، ويصح أن يكون مفعولاً من أجله التقدير : إرادة أن لا تشركوا به شيئاً ، إلا أن هذا التأويل يخرج{ ألا تشركوا } من المتلو ويجعله سبباً لتلاوة المحرمات . و{ تشركوا } يصح أن يكون منصوباً ب { أن } ، ويتوجه أن يكون مجزوماً بالنهي وهو الصحيح في المعنى المقصود ، و { أن } قد توصل بما نصبته ، وقد توصل بالفعل المجزوم بالأمر والنهي ، و { شيئاً } عام يراد به كل معبود من دون الله ، و { إحساناً } نصب على المصدر وناصبه فعل مضمر من لفظه تقديره وأحسنوا بالوالدين إحساناً ، والمحرمات تنفك من هذه المذكورات بالمعنى وهي الإشراك والعقوق وقرب الفواحش وقتل النفس ، وقال كعب الأحبار : هذه الآيات مفتتح التوراة { بسم الله الرحمن الرحمن قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى آخر الآية ، وقال ابن عباس هذه الآيات هي المحكمات التي ذكرها الله في سورة آل عمران اجتمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قط في ملة ، وقد قيل إنها العشر الكلمات المنزلة على موسى ، وإن اعترض من قال إن { تشركوا } منصوب ب { أن } بعطف المجزومات عليه فلذلك موجود في كلام العرب ، وأنشد الطبري حجة لذلك : [ الرجز ] .

حج وأوصى بسليمى الأعْبُدا . . . أن لا ترى ولا تكلمْ أحدا

ولا يزلْ شرابُها مبرَّدا{[5150]} . . .

وقوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم } الآية نهي عن عادة العرب في وأد البنات ، والولد يعم الذكر والأنثى من البنين ، و «الإملاق » الفقر وعدم المال ، قاله ابن عباس وغيره ، يقال أملق الرجل إذا افتقر .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : ويشبه أن يكون معناه أملق أي لم يبق له إلا الملق كما قالوا أترب إذا لم يبق له إلا التراب ، وأرمل إذا لم يبق له إلا الرمل ، والملق الحجارة السود واحدته ملقة ، وذكر منذر بن سعيد{[5151]} أن الإملاق الإنفاق ، ويقال أملق ماله بمعنى أنفقه ، وذكر أن علياً قال لامرأة أملقي من مالك ما شئت ، وذكر النقاش عن محمد بن نعيم الترمذي أنه السرف في الإنفاق ، وحكى أيضاً النقاش عن مؤرج أنه قال : الإملاق الجوع بلغة لخم .

وقوله تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } نهي عام عن جميع أنواع الفواحش وهي المعاصي ، و «ظهر وبطن » حالتان تستوفيان أقسام ما جعلت له من الأشياء ، وذهب بعض المفسرين إلى أن القصد بهذه الآية أشياء مخصصات ، فقال السدي وابن عباس : { ما ظهر } هو زنا الحوانيت الشهير ، و { ما بطن } هو متخذات الأخدان ، وكانوا يستقبحون الشهير وحده فحرم الله الجميع ، وقال مجاهد { ما ظهر } هو نكاح حلائل الآباء ونحو ذلك ، و { ما بطن } هو الزنا إلى غير هذا من تخصيص لا تقوم عليه حجة ، بل هو دعوى مجردة ، وقوله تعالى : { ولا تقتلوا } الآية متضمنة تحريم قتل النفس المسلمة والمعاهدة ، ومعنى الآية { إلا بالحق } الذي يوجب قتلها وقد بينته الشريعة وهو الكفر بالله وقتل النفس والزنا بعد الإحصان والحرابة وما تشعب من هذه ، و { ذلكم } إشارة إلى هذه المحرمات ، و «الوصية » الأمر المؤكد المقرر ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

أجدَّكَ لم تسمعْ وَصَاةَ محمَّدٍ . . . نبيِّ الإلهِ حين أوصى وَأَشْهَدَا{[5152]}

وقوله { لعلكم } ترج بالإضافة إلينا أي من سمع هذه الوصية ترجى وقوع أثر العقل بعدها والميز بالمنافع والمضار في الدين .


[5149]:- قال ابن الشجري: "جعلوا التقدم ضربا من العلو والارتفاع لأن المأمور بالتقدم في أصل وضع الفعل كأنه كان قاعدا فقيل له: تعال، أي ارفع شخصك بالقيام وتقدم، واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي". قارن هذا بالتعليل الذي ذكره ابن عطية.
[5150]:- هذه الأبيات الثلاثة من مشطور الرجز، ولم نعثر فيما لدينا من المراجع على قائلها، والشاهد فيها أن (لا) في قوله: (أن لا ترى) نافية ومع ذلك فقد عطف الشاعر عليها الفعل مجزوما بلا الناهية في قوله: (ولا تكلم) وفي قوله: (ولا يزل).
[5151]:- هو منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمان النقري القرطبي- أبو الحكيم البلوطي- قاضي قضاة الأندلس في عصره، كان بصيرا بالجدل منحرفا إلى مذاهب أصحاب الكلام، له كتب في القرآن والسنة منها: "أحكام القرآن" و"الإبانة عن حقائق أصول الديانة"-و"الناسخ والمنسوخ" (الكامل لابن الأثير. ونفح الطيب، وبغية الملتمس).
[5152]:- البيت لميمون بن قيس الأعشى، وهو من قصيدته المعروفة التي قالها في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ومطلعها: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم المسهّدا وقوله: (أجدك) معناه: أهذا جد منك؟ والوصاة والوصية: ما يُوصى به ويطلب تنفيذه على جهة الفرض والتأكيد.