الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (151)

أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال : من سره أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتماً فليقرأ هؤلاء الآيات { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى قوله { لعلهم يتقون } .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث ؟ ثم تلا { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى ثلاث آيات ، ثم قال فمن وفى بهن فأجره على الله ، ومن انتقص منهن شيئاً فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه » .

وأخرج عبد بن حميد وأبو عبيد وابن المنذر عن منذر الثوري قال : قال الربيع بن خيثم : أيسرك أن تلقى صحيفة من محمد صلى الله عليه وسلم بخاتم ؟ قلت : نعم فقرأ هؤلاء الآيات من آخر سورة الأنعام { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى آخر الآيات .

وأخرج ابن شيبة وابن الضريس وابن المنذر عن كعب قال : أول ما نزل من التوراة عشر آيات ، وهي العشر التي أنزلت من آخر الأنعام { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى آخرها .

وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي بن الخيار قال : سمع كعب رجلاً يقرأ { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً } فقال كعب : والذي نفس كعب بيده أنها لأوّل آية في التوراة ، بسم الله الرحمن الرحيم { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى آخر الآيات .

وأخرج ابن سعد عن مزاحم بن زفر قال : قال رجل للربيع بن خيثم : أوصني . قال : ائتني بصحيفة ، فكتب فيها { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } الآيات . قال إنما أتيتك لتوصيني ؟ ! قال : عليك بهؤلاء .

وأخرج أبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن علي بن أبي طالب قال « لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج إلى منى وأنا معه وأبو بكر ، وكان أبو بكر رجلاً نسابة ، فوقف على منازلهم ومضاربهم بمنى ، فسلم عليهم وردوا السلام ، وكان في القوم مفروق بن عمرو ، وهانئ بن قبيصة ، والمثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك ، وكان أقرب القوم إلى أبي بكر مفروق ، وكان مفروق قد غلب عليهم بياناً ولساناً ، فالتفت إلى رسول الله صلى عليه وسلم فقال له : إلام تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر يظله بثوبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ادعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واني رسول الله ، وإن تأووني وتنصروني وتمنعوني حتى أؤدي حق الله الذي أمرني به ، فإن قريشاً قد تظاهرت على أمر الله ، وكذبت رسوله ، واستغنت بالباطل عن الحق ، والله هو الغني الحميد . قال له : وإلام تدعو أيضاً يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً } إلى قوله { تتقون } فقال له مفروق : وإلام تدعو أيضاً يا أخا قريش فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض ، ولو كان من كلامهم لعرفناه ، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله يأمر بالعدل والإِحسان } [ النحل : 90 ] الآية . فقال له مفروق : دعوت والله يا قريشي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك ؟ وقال هانئ بن قبيصة : قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك يا أخا قريش ، ويعجبني ما تكلمت به ، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم تلبثوا إلا يسيراً حتى يمنحكم الله بلادهم وأموالهم يعني أرض فارس وأنهار كسرى ويفرشكم بناتهم ، أتسبحون الله وتقدسونه ؟ فقال له النعمان بن شريك : اللهم وإن ذلك لك يا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً } [ الأحزاب : 45 ] الآية . ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضاً على يد أبي بكر » .

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } قال : من خشية الفاقة . قال : وكان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسبا { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } قال : سرها وعلانيتها .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } قال : خشية الفقر { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } قال : كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساً في السر ويستقبحونه في العلانية ، فحرَّم الله الزنا في السر والعلانية .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها } قال : العلانية { وما بطن } قال : السر .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمران بن حصين « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أرأيتم الزاني والسارق وشارب الخمر ما تقولون فيهم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هن فواحش وفيهن عقوبة » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حازم الرهاوي أنه سمع مولاه يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « مسألة الناس من الفواحش » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن جابر قال : بلغني من الفواحش التي نهى الله عنها في كتابه تزويج الرجل المرأة ، فإذا نفضت له ولدها طلقها من غير ريبة .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها } قال : نكاح الأمهات والبنات { وما بطن } قال : الزنا .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها } قال : ظلم الناس { وما بطن } قال : الزنا والسرقة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ولا تقتلوا النفس } يعني نفس المؤمن التي حرم الله قتلها إلا بالحق .

وأخرج أحمد والنسائي وابن قانع والبغوي والطبراني وابن مردويه عن سلمة بن قيس الأشجعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع « ألا إنما هي أربع : لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا ، فما أنا بأشح عليهن مني إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم » .