يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرًا بصيغة الماضي الدال على التحقق{[16306]} والوقوع لا محالة [ كما قال تعالى ]{[16307]} :{ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } [ الأنبياء : 1 ] ، وقال : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } [ القمر : 1 ] .
وقوله : { فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } أي : قرب ما تباعد فلا تستعجلوه .
يحتمل أن يعود الضمير على الله ، ويحتمل أن يعود على العذاب ، وكلاهما متلازم ، كما قال تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } [ العنكبوت : 53 ، 54 ] .
وقد ذهب الضحاك في تفسير هذه الآية إلى قول عجيب ، فقال في قوله : { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ } أي : فرائضه وحدوده .
وقد رده ابن جرير فقال : لا نعلم أحدًا استعجل الفرائض{[16308]} والشرائع قبل وجودها{[16309]} بخلاف العذاب فإنهم استعجلوه قبل كونه ، استبعادًا وتكذيبًا .
قلت : كما قال تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } [ الشورى : 18 ] .
وقال ابن أبي حاتم : ذُكر عن يحيى بن آدم ، عن أبي بكر بن عياش ، عن محمد بن عبد الله - مولى المغيرة بن شعبة - عن كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن حُجيرة ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس ، فما تزال ترتفع في السماء ، ثم ينادي مناد فيها : يا أيها الناس . فيقبل الناس بعضهم على بعض : هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول : نعم . ومنهم من يشك . ثم ينادي{[16310]} الثانية : يا أيها الناس . فيقول الناس بعضهم لبعض : هل سمعتم ؟ فيقولون : نعم . ثم ينادي الثالثة : يا أيها الناس ، أتى أمر الله فلا تستعجلوه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فوالذي نفسي بيده ، إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا ، وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه{[16311]} شيئًا أبدًا ، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدًا - قال - ويشتغل{[16312]} الناس " {[16313]} .
ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره ، وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد ، تعالى وتقدس علوًا كبيرًا ، وهؤلاء هم المكذبون بالساعة ، فقال : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
{أتى أمر الله فلا تستعجلوه} كانوا يستعجلون ما أو عدهم الرسول صلى الله عليه وسلم من قيام الساعة ، أو إهلاك الله تعالى إياهم كما فعل يوم بدر استهزاء وتكذيبا ، ويقولون إن صح ما تقوله فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت ، والمعنى أن الأمر الموعود به بمنزلة الآتي المتحقق من حيث إنه واجب الوقوع ، فلا تستعجلوا وقوعه فإنه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه . { سبحانه تعالى عما يشركون } تبرأ وجل عن أن يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم . وقرأ حمزة و الكسائي بالتاء على وفق قوله : { فلا تستعجلوه } والباقون بالياء على تلوين الخطاب ، أو على أن الخطاب للمؤمنين أو لهم ولغيرهم ، لما روي أنه لما نزلت أتى أمر الله فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم فنزلت { فلا تستعجلوه } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.