كان سبب نزول صدر هذه السورة {[1]} الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة ، وذلك أن حاطبًا هذا كان رجلا من المهاجرين ، وكان من أهل بدر أيضًا ، وكان له بمكة أولاد ومال{[2]} ، ولم يكن من قريش أنفسهم ، بل كان حليفًا{[3]} لعثمان . فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها العهد ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم ، وقال : " اللهم ، عَمِّ عليهم خبرنا " . فعمد حاطب هذا فكتب كتابًا ، وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة ، يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ من غزوهم ] {[4]} ، ليتخذ بذلك عندهم يدًا ، فأطلع الله رسوله على ذلك{[5]} استجابة لدعائه . فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها ، وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحته . قال الإمام أحمد :
حدثنا سفيان ، عن عَمْرو ، أخبرني حَسَن بن محمد بن علي ، أخبرني عُبَيد الله{[6]} بن أبي رافع - وقال مرة : إن عبيد الله بن أبي رافع أخبره : أنه سمع عليًا ، رضي الله عنه ، يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد ، فقال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظَعِينة معها كتاب ، فخذوه منها " . فانطلقنا تَعَادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، قلنا : أخرجي الكتاب . قالت : ما معي كتاب . قلنا : لتخرجن الكتاب أو لنُلقين الثياب . قال : فأخرجت الكتاب من عِقَاصها ، فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة ، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا حاطب ، ما هذا ؟ " . قال : لا تعجل علي ، إني كنت امرأ مُلصَقًا في قريش ، ولم أكن من أنفسهم ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه صَدَقكم " . فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : " إنه قد شهد بدرًا ، ما يدريك لَعَلّ الله اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
وهكذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة ، من غير وجه ، عن سفيان بن عُيَينة ، به{[7]} . وزاد البخاري في كتاب " المغازي " : فأنزل الله السورة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } {[8]} . وقال في كتاب التفسير : قال عمرو : ونزلت فيه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } قال{[9]} : " لا أدري الآية في الحديث أو قال عمرو " . قال البخاري : قال علي - يعني : ابن المديني - : قيل لسفيان في هذا : نزلت { لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } ؟ فقال سفيان : هذا في حديث الناس ، حفظته من عمرو ، ما تركت منه حرفًا ، وما أرى{[10]} أحدًا حفظه غيري{[11]} .
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث حُصَين بن عبد الرحمن ، عن سعد{[12]} بن عُبَيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مَرْثَد ، والزبير بن العوام ، وكلنا فارس ، وقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب إلى المشركين : فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : الكتابُ ؟ فقالت : ما معي كتاب . فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابًا ، فقلنا : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ! لتخرجن الكتاب أو لنُجردنك . فلما رأت الجد أهوت إلى حُجْزتها وهي مُحتَجِزة بكساء فأخرجته . فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : يا رسول الله ، قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فَدعني فلأضْرِب عنقه . فقال : " ما حملك على ما صنعت ؟ " . قال : والله ما بي إلا أن أكون مؤمنًا بالله ورسوله ، أردت أن تكون لي عند القوم يَدٌ يدفع الله بها عن أهلي ومالي ، وليس أحد من أصحابك إلا له هنالك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله . فقال : " صدق ، لا تقولوا له إلا خيرًا " . فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه . فقال : " أليس من أهل بدر ؟ " فقال : " لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة - أو : قد غفرت لكم " . فدَمِعت عينا عُمر ، وقال : الله ورسوله أعلم{[13]} .
هذا لفظ البخاري في " المغازي " في غزوة بدر ، وقد روي من وجه آخر عن علي قال ابن أبي حاتم :
حدثنا علي بن الحسن الهِسْنجَاني ، حدثنا عبيد بن يعيش ، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي سِنان - هو سعيد بن سنان - عن عمرو بن مُرة الجَمَلي ، عن أبي البختري الطائي{[14]} ، عن الحارث ، عن علي قال : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة ، أسرّ إلى أناس من أصحابه أنه يريد مكة ، فيهم حاطب بن أبي بلتعة وأفشى في الناس أنه يريد خيبر . قال : فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم . فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مَرْثد ، وليس منا رجل إلا وعند{[15]} فرس ، فقال : " ائِتوا روضة خاخ ، فإنكم ستلقون بها امرأة معها كتاب ، فخذوه منها " . فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي ذَكَر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلنا لها : هات الكتاب . فقالت : ما معي كتاب . فوضعنا متاعها وفتشناها{[16]} فلم نجده في متاعها ، فقال أبو مرثد : لعله ألا يكون معها . فقلت : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا{[17]} . فقلنا لها : لتخرجِنَّه أو لنُعرينَّك . فقالت : أما تتقون الله ؟ ! ألستم مسلمين ؟ فقلنا : لتخرجنه أو لنعرينَّك . قال عمرو بن مرة : فأخرجته من حُجُزَتها . وقال حبيب بن أبي ثابت : أخرجته{[18]} من قُبُلها . فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة . فقام عمر فقال : يا رسول الله ، خان الله ورسوله ، فائذن لي فلأضرب عنقه . فقال رسول الله : " أليس قد شهد بدرًا ؟ " . قالوا : بلى . وقال عمر : بلى ، ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فلعل الله اطلع إلى على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، إني بما تعملون بصير " . ففاضت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فقال : " يا حاطب ، ما حملك على ما صنعت ؟ " . فقال : يا رسول الله ، إني كنت امرأ مُلصَقًا في قريش ، وكان لي بها مال وأهل ، ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله وماله ، فكتبت إليهم بذلك ووالله - يا رسول الله - إني لمؤمن بالله ورسوله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق حاطب ، فلا تقولوا لحاطب إلا خيرًا " . قال{[19]} حبيب بن أبي ثابت : فأنزل الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } الآية .
وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن مِهْران ، عن أبي سنان - سعيد بن سنان - بإسناده مثله{[20]} . وقد ذكر ذلك أصحاب المغازي والسير ، فقال محمد بن إسحَاق بن يَسَار في السيرة .
حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عُرْوَة بن الزبير وغيره من علمائنا قال : لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير{[21]} إلى مكة ، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ، ثم أعطاه امرأة - زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ، وزعم غيره أنها : سارة ، مولاة لبني عبد المطلب - وجعل لها جُعلا على أن تبلغه قُريشًا فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت به . وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبرُ من السماء بما صنع حاطب ، فبعث عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال : " أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش ، يحذرهم ما قد أجمعنا{[22]} له من أمرهم " .
فخرجا حتى أدركاها بالخُلَيفْة - خليفة{[23]} بني أبي أحمد - فاستنزلاها بالخليفة ، فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئًا ، فقال لها علي بن أبي طالب : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله وما كذبنا {[24]} ولتُخرجِنَّ لنا هذا الكتاب أو لنكشفنَّك . فلما رأت الجِدّ منه قالت : أعرض . فأعرض ، فحلت قُرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب منها ، فدفعته إليه . فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله حاطبًا فقال : " يا حاطب ما حملك على هذا ؟ " . فقال : يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله{[25]} ما غَيَّرت ولا بَدّلت ، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أهل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم وَلَد وأهل فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، دعني فَلأضربْ عنقه ، فإن الرجل قد نافق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما يدريك يا عمر ! لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم " . فأنزل الله ، عز وجل ، في حاطب : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } إلى قوله : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } [ الممتحنة : 4 ] إلى آخر القصة{[26]} .
وروى مَعْمَر ، عن الزهري ، عن عُرْوَة نحو ذلك . وهكذا ذكر مقاتل بن حيان : أن هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة : أنه بعث سارة مولاة بني هاشم ، وأنه أعطاها عشرة دراهم ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، فأدركاها بالجحفة . . . وذكر تمام القصة كنحو ما تقدم . وعن السدي قريبا منه . وهكذا قال العوفي ، عن ابن عباس ، ومجاهد وقتادة ، وغير واحد : أن هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة .
فقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ } يعني : المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين ، الذين شرع الله{[28659]} عداوتهم ومصارمتهم ، ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء ، كما قال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [ المائدة : 51 ] .
وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ المائدة : 57 ] وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } [ النساء : 144 ] . وقال تعالى : { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } [ آل عمران : 28 ] ؛ ولهذا قَبِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عُذْرَ حاطب لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش ، لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد .
ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا مصعب بن سلام ، حدثنا الأجلح ، عن قيس بن أبي مسلم ، عن ربعي بن حراش ، سمعت حُذيفة يقول : ضَرَب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالا واحدًا وثلاثة وخمسة وسبعة ، وتسعة ، وأحد عشر - قال : فضرب لنا منها مثلا وترك سائرها ، قال : " إن قومًا كانوا أهل ضعف ومسكنة ، قاتلهم أهل تجبر وعداء ، فأظهر الله أهل الضعف عليهم ، فَعَمَدوا إلى عَدُوهم فاستعملوهم وسلّطوهم ، فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه " {[28660]} .
وقوله : { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم ؛ لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم ، كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ؛ ولهذا قال : { أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } أي : لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين ، كقوله : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ . الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [ البروج : 8 ] ، وكقوله { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } [ الحج : 40 ] .
بسم الله الرحمن الرحيم :{ يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، فإنه لما علم أن رسول صلى الله عليه وسلم يغزو أهل مكة كتب إليهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم وأرسل كتابه مع سارة مولاة بني المطلب ، فنزل جبريل عليه السلام فأعلم رسول الله ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها وخلوها ، فإن أبت فاضربوا عنقها فأدركوها ثمة فجحدت فهموا بالرجوع ، فسل علي رضي الله تعالى عنه السيف فأخرجته من عقاصها ، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا وقال ما حملك عليه فقال يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولكني كنت امرأ ملصقا في قريش وليس لي فيهم من يحمي أهلي ، فأردت أن آخذ عندهم يدا وقد علمت أن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره تلقون إليهم بالمودة تفضون إليهم المودة بالمكاتبة والباء مزيدة ، أو إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة ، والجملة حال من فاعل لا تتخذوا أو صفة لأولياء جرت على غير من هي له ولا حاجة فيها إلى إبراز الضمير لأنه مشروط في الإسم دون الفعل { وقد كفروا بما جاءكم من الحق }حال من فاعل أحد الفعلين ، { يخرجون الرسول وإياكم }أي من مكة وهو حال من كفروا أو استئناف لبيانه ، { أن تؤمنوا بالله ربكم }بأن تؤمنوا به وفيه تغليب المخاطب والالتفات من التكلم إلى الغيبة للدلالة على ما يوجب الإيمان ، { إن كنتم خرجتم }عن أوطانكم { جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي } علة للخروج وعمدة للتعليق وجواب الشرط محذوف دل عليه لا تتخذوا ، { تسرون إليهم بالمودة }بدل من{ تلقون } أو استئناف معناه أي طائل لكم في إسرار المودة أو الإخبار بسبب المودة ، { وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم }أي منكم وقيل أعلم مضارع والباء مزيدة وما موصولة أو مصدرية ، { ومن يفعله منكم } أي من يفعل الاتخاذ { فقد ضل سواء السبيل } أخطأه .