الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَسَلَٰمٌ عَلَيۡهِ يَوۡمَ وُلِدَ وَيَوۡمَ يَمُوتُ وَيَوۡمَ يُبۡعَثُ حَيّٗا} (15)

ثم قال : { وسلام عليه يوم ولد }[ 14 ] .

أي : أمان له من الشيطان حين ولد فلم{[43947]} يذنب ، ولا{[43948]} يأتي في الآخرة بذنب .

وقوله : { ويوم يموت } أي : وأمان له من الله{[43949]} من فتاني القبر{[43950]} .

{ ويوم يبعث }[ 14 ] .

أي : وأمان له من العذاب يوم يبعث فلا يروعه شيء .

قال{[43951]} ابن عيينة{[43952]} : ( أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد{[43953]} ، فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ، ويوم يبعث ، فيرى نفسه في محشر عظيم . فخص{[43954]} الله تعالى يحيى بالأمان في هذه الثلاثة مواطن ، وهي الفضيلة التي فضل الله بها يحيى{[43955]} . وروي{[43956]} أن يحيى وعيسى عليهما السلام التقيا ، فقال عيسى : استغفر لي ، أنت خير مني . وقال يحيى : استغفر لي ، أنت خير مني . فقال عيسى : أنت خير مني ؟ سلمتُ على نفسي ، وسلم الله عليك ، فعرف الله فضلها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا يحيى بن زكرياء " .

وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد يلقى الله عز وجل يوم القيامة إلا وأذنب إلا يحيى بن زكرياء ، ما أذنب ولا هم بامرأة{[43957]} " . وهو قوله تعالى : { وسلام عليه يوم ولد } ، أي أمان له وعصمة من الشيطان ألا يحمله على ذنب ( ويوم يموت ) من عذاب القبر ، ويوم يبعث من هول المحشر .

وقد قيل : المعنى ، ورحمته ، وسلامته عليه{[43958]} يوم ولد ، وذلك تفضل من الله غير جزاء{[43959]} له على عمله ، إذ لم يعمل بعد شيئا .

وقوله : { ويوم يموت ويوم يبعث حيا }[ 14 ] .

هو جزاء من الله له بعمله وسعيه .

وروى ابن وهب عن مالك بن أنس عن حميد بن قيس{[43960]} عن مجاهد ، أنه [ قال ]{[43961]} : كان طعام يحيى بن زكريا العشب ، وإن كان ليبكي من خشية الله ما لو كان القار على عينيه لحرقه . ولقد كان الدمع اتخذ مجرى في وجهه{[43962]} .

قال أبو ادريس الخولاني{[43963]} : أطيب الناس طعاما يحيى{[43964]} بن زكرياء . إنما كان يأكل مع الوحش{[43965]} كراهة{[43966]} أن يخالط الناس في معايشهم .

قال ابن وهب أن ابن شهاب{[43967]} قال : كان يحيى{[43968]} ابن خالة عيسى وكان أكبر من عيسى بيسير .


[43947]:(ز): ولم.
[43948]:(ع): ولم. والتصحيح من (ز).
[43949]:(من الله) سقط من (ز).
[43950]:انظر: هذا التأويل في جامع البيان 16/58.
[43951]:ز: وقال.
[43952]:هو سفيان بن عيينة بن ميمون أبو محمد الهلالي الكوفي (ت 198 هـ) له ترجمة في تذكرة الحفاظ 1/264 وغاية النهاية 1/308 وطبقات المفسرين 1/196 والرسالة المستطرفة 41.
[43953]:(ز): ولد.
[43954]:(ز): يخص.
[43955]:انظر: جامع البيان 16/58-59 وزاد المسير 5/215 وتفسير سفيان بن عيينة 292.
[43956]:الأثر للحسن البصري في جامع البيان 16/59 وزاد المسير 5/215 والدر المنثور 4/262.
[43957]:(بامرأة) سقط من (ز). والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 1/254 والحاكم في المستدرك 2/373 وابن أبي حاتم في علل الحديث 2/114 رقم الحديث 1835.
[43958]:(عليه) سقط من (ز).
[43959]:(ز): جزائه.
[43960]:هو حميد بن قيس الأعرج المكي أبو صفوان القارئ الأسدي (ت 130 هـ) له ترجمة في طبقات ابن خياط 282 ومعرفة القراء الكبار 1/97 وتهذيب التهذيب 3/46 وغاية النهاية 1/265.
[43961]:زيادة من (ز).
[43962]:(ز): على خده، وانظر: الرواية في تفسير القرطبي 11/87. والدر المنثور 4/263.
[43963]:هو عائذ الله بن عبد الله، أبو إدريس الخولاني تابعي ثقة، له ترجمة في تذكرة الحفاظ 1/56 وتهذيب التهذيب 5/87.
[43964]:(يحيى) سقط من (ز).
[43965]:(ز): الوحوش.
[43966]:(ز): كراهية.
[43967]:هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أبو بكر الزهري المدني، تابعي جليل (ت 124 هـ)، له ترجمة في تذكرة الحفاظ 1/108 وتهذيب التهذيب 9/449 وغاية النهاية 2/262.
[43968]:(ز): يحيى بن زكرياء.