الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة فاطر مكية{[1]}

قوله تعالى ذكره : { الحمد لله فاطر السماوات والأرض }1 إلى قوله : { كذلك النشور }9 أي : الشكر الكامل والثناء الجميل لله الذي ابتدع خلق السماوات والأرض وابتدأهما .

قال ابن عباس : ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم أعرابيان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها {[56065]} ، أي ابتدأتها .

ثم قال : { جاعل الملائكة رسلا } أي : أرسلهم إلى من شاء من خلقه وفيما شاء وبما شاء من أمره ونهيه ، والرسل هم هاهنا : جبريل ومكائيل وإسرافيل وملك الموت صلى الله عليه وسلم .

ومعنى { أولي أجنحة } أي : أصحاب أجنحة ، منهم من له اثنان ، ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، أربعة من كل جانب ، وهو قوله/ : { مثنى وثلاث ورباع } قاله قتادة {[56066]} وغيره .

وإنما تتصرف هذه الأعداد لعلتين ، وذلك أنه معدول عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة ، والثانية أنه عدل في حال النكرة {[56067]} . وقيل : العلة الثانية أنه صفة {[56068]} .

ثم قال تعالى : { يزيد في الخلق ما يشاء } أي : يزيد في خلق الملائكة وفي عدد أجنحتها وغير ذلك ما يشاء .

وقال الزهري : هو حسن الموت {[56069]} فيكون { ورباع } وقفا كافيا على القول الأول ، وتماما على القول الثاني {[56070]} .

وقال قتادة : هو ملاحة في العينين {[56071]} .

وروي عن ابن شهاب أنه قال : " سأل رسول الله جبريل صلى الله عليه وسلم أن يتراءى له في صورته فقال له جبريل : لا تطيق ذلك ، قال : إني أحب أن تفعل فخرج رسول الله إلى المصلى فأتاه جبريل في صورته فغشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه . ثم أفاق وجبريل صلى الله عليه وسلم مسنده واضع إحدى يديه على صدره والأخرى بين كتفيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله ما كنت أرى شيئا من الخلق هكذا . فقال جبريل عليه السلام : فكيف لو رأيت إسرافيل عليه السلام ، إن له لاثني عشر جناحا منها جناح في المشرق وجناح في المغرب ، وإن العرش لعلى كاهليه وأنه ليتضاءل الأحيان من عظمة الله حتى يعود مثل الوصع والوصع عصفور صغير {[56072]} حتى ما يحمل عرشه إلا عظمته " {[56073]} ذكر هذا الحديث علي بن سعيد {[56074]} .

وقال ابن عباس في قوله : { يوم يقوم الروح والملائكة صفا } {[56075]} : إن الروح ملك يقوم وحده صفا مثل جميع ملائكة السماوات ، له ألف وجه ، في كل وجه ألف لسان ، كل لسان يسبح الله بثنتين وسبعين لغة ، ليس منها لغة تشبه الأخرى ، لو أن الله تعالى أسمع صوته أهل الأرض لخرجت أرواحهم من أجسامهم من شدة صوته ، ولو سلط على السماوات السبع والأرضين السبع لأدخلهن في فيه من أحد شدقيه ، يذكر الله في كل يوم مرتين فإذا ذكر الله خرج من فيه من النور قطع كأمثال الجبال العظام ، لولا أن الملائكة الذين من حول العرش يذكرون الله لاحترقوا من ذلك النور الذي يخرج من فيه ، موضع قدميه مسيرة سبعة آلاف سنة ، له ألف جناح ، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا وقامت الملائكة صفا واحدا فيكون مثل صفوفهم {[56076]} .

وقد روي مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أذن لي أن أتحدث عن ملك من الملائكة : إن ما بين شحمة أذنيه وعاتقه ليخفق الطير سبعين عاما " {[56077]} .

ثم قال : { إن الله على كل شيء قدير } أي : يقدر على م يشاء من الزيادة في الخلق والنقص منه وعلى غير ذلك من الأشياء كلها .


[1]:أ: إذ.
[56065]:انظر: المحرر الوجيز 13/153 والجامع للقرطبي 14/318
[56066]:انظر: جامع البيان 22/114 والمحرر الوجيز 13/154، والجامع للقرطبي 319، والدر المنثور 4/7
[56067]:انظر: معاني الزجاج 4/261 وإعراب النحاس 3/359 ومشكل الإعراب لمكي 2/592
[56068]:انظر: إعراب النحاس 3/359 ومشكل الإعراب 2/592
[56069]:انظر: المحرر الوجيز 13/155 والجامع للقرطبي 14/320 وتفسير ابن كثير 3/547 والدر المنثور 7/4 وفتح القدير 4/338
[56070]:انظر: القطع والإئتناف 587 والمكتفى 467 ومنار الهدى 228
[56071]:انظر: تفسير البغوي 5/296 والمحرر الوجيز 13/154 والجامع للقرطبي 14/320 والدر المنثور 4/7 وفتح القدير 4/338 وقد جاء في اللسان مادة "املح" 2/601 "الملح: الحسن من الملاحة، وقد ملح يملح ملوحة وملحا أي حسن، قال الأزهري: الزرقة إذا اشتدت حتى تضرب إلى البياض قيل هو أملح العين"
[56072]:انظر: النهاية في غريب الحديث 5/191 ومادة "وصع" في اللسان 8/395 والقاموس المحيط 3/94 والتاج 5/543
[56073]:ا أخرجه أحمد في مسنده مختصرا عن ابن عباس 1/322 وبنفس لفظ أحمد أورده ابن عدي في الكامل في الضعفاء 1/358 عن ابن عباس أيضا ولم أقف على رواية علي بن سعيد لهذا الحديث ونسبته إلى ابن شهاب
[56074]:هو أبو الحسن علي بن سعيد العسكري وقد تقدمت ترجمته.
[56075]:النبأ: آية 38
[56076]:انظر: قول ابن عباس مختصرا في الجامع للقرطبي 19/186
[56077]:لم أقف عليه