المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية ، ماعدا الآيات الثلاث الأخيرة منها فإنها مدنية . وعدد آياتها ثمان وعشرون ومائة ابتدأت السورة الكريمة بتأكيد وعيد الله تعالى للمشركين ، وبيان قدرته سبحانه وتعالى على تنفيذه ، بدليل خلقه السماوات والأرض ، ثم بيان نعمه على الناس كافة بخلقه الإبل ، وإنباته الزرع ، وما خلق في البحر من أسماك تؤكل ، وجواهر للزينة . ثم أشار إلى ما تستوجبه هذه النعم من شكره سبحانه ووجوب عبادته وحده واستقبال المشركين للدعوة إلى الوحدانية ، وافترائهم على القرآن الكريم ، وادعاء أنه من أساطير الأولين ، ثم أشار سبحانه إلى عذاب المشركين يوم القيامة ، ونعيم المؤمنين ، ثم ذكر سبحانه إنكار المشركين للبعث ولجاجتهم في الإنكار ، ويستنكر سبحانه جحودهم ببيان قدرته ، ويؤكد وعده للمتقين ووعيده لهم ، ثم يقرب البعث ببيان قدرته عليهم ، وخضوع الوجود كله له سبحانه ، وبيان أنه سبحانه هو الذي يكشف ويبين خرافات المشركين في اعتقادهم القدرة فيمن لا يملك نفعا ولا ضرا ، وسوء رأيهم في المرأة طفلة وامرأة . وأشار سبحانه إلى الرسل السابقين ، وساق سبحانه العبر في خلقه وتكوينه للأشياء وما فيها من نعم للإنسان . وتفاوت الأرزاق من أن يكون للغني فضل على الفقير ، ونعمه على الإنسان في خلقه ذكرا أو أنثى والإنسال بالزواج منهما . وأخذ يضرب سبحانه الأمثال لبيان قدرته ، ثم وجه الأنظار إلى عظم المخلوقات الدالة على عظمة الخالق وفائض نعمه ، ومقابلة المشركين لهذه النعم الجليلة . وبعد أن بين مطالب الإسلام في العدل وصلة الرحم بالوفاء بالعهد وإعجاز القرآن ، وكفر المشركين به وافترائهم عليه ، أشار سبحانه إلى حال المشركين يوم القيامة . وبين كيف كانوا يحلون ويحرمون من غير حجة ، وأشار إلى اليهود الذين يقاربون المشركين ، وبين أنه يجب ألا يعاقبوا إلا بالمثل وأن على المؤمنين أن يصبروا وأن يلتزموا التقوى والإحسان .

1- تأكدوا - أيها المشركون - أن ما توعَّدكم الله به يوم القيامة واقع قريب الوقوع لا شك فيه ، فلا تستهزئوا باستعجال وقوعه ، تنزه الله عن أن يكون له شريك يُعبد من دونه ، وعما تشركون به من آلهة لا تقدر على شيء .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية إلا قولة تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ، إلى آخر السورة وآياتها مائة وثمان وعشرون آية .

قوله تعالى : { أتى } أي : جاء ودنا وقرب ، { أمر الله } ، قال ابن عرفة : تقول العرب : أتاك الأمر وهو متوقع بعد ، أي : أتى أمر الله وعده { فلا تستعجلوه } وقوع { أمر الله } قال الكلبي وغيره : المراد منه القيامة . قال ابن عباس : لما نزلت قوله تعالى : { اقتربت الساعة } [ القمر -1 ] قال الكفار بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن ، فلما لم ينزل شيء قالوا : ما نرى شيئاً فنزل قولة : { اقترب للناس حسابهم } [ الأنبياء-1 ] ، فأشفقوا ، فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوفنا به فأنزل الله تعالى : { أتى أمر الله } فوثب النبي صلى الله علية وسلم ورفع الناس رؤوسهم وظنوا أنها قد أتت حقيقة فنزلت { فلا تستعجلوه } فاطمأنوا . والاستعجال : طلب الشيء قبل حينه . ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين ، وأشار بإصبعيه ، وإن كادت لتسبقني . قال ابن عباس : كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة ولما مر جبريل عليه السلام بأهل السموات مبعوثا إلى محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : الله أكبر قامت الساعة . وقال قوم : المراد بالأمر هاهنا : عقوبة المكذبين والعذاب بالسيف ، وذلك أن النضر ابن الحارث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، فاستعجل العذاب ، فنزلت هذه الآية . وقتل النضر يوم بدر صبراً . { سبحانه وتعالى عما يشركون } ، معناه تعاظم بالأوصاف الحميدة عما يصفه به المشركون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة النحل

وهي مكية .

يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرًا بصيغة الماضي الدال على التحقق{[16306]} والوقوع لا محالة [ كما قال تعالى ]{[16307]} :{ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } [ الأنبياء : 1 ] ، وقال : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } [ القمر : 1 ] .

وقوله : { فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } أي : قرب ما تباعد فلا تستعجلوه .

يحتمل أن يعود الضمير على الله ، ويحتمل أن يعود على العذاب ، وكلاهما متلازم ، كما قال تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } [ العنكبوت : 53 ، 54 ] .

وقد ذهب الضحاك في تفسير هذه الآية إلى قول عجيب ، فقال في قوله : { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ } أي : فرائضه وحدوده .

وقد رده ابن جرير فقال : لا نعلم أحدًا استعجل الفرائض{[16308]} والشرائع قبل وجودها{[16309]} بخلاف العذاب فإنهم استعجلوه قبل كونه ، استبعادًا وتكذيبًا .

قلت : كما قال تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } [ الشورى : 18 ] .

وقال ابن أبي حاتم : ذُكر عن يحيى بن آدم ، عن أبي بكر بن عياش ، عن محمد بن عبد الله - مولى المغيرة بن شعبة - عن كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن حُجيرة ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس ، فما تزال ترتفع في السماء ، ثم ينادي مناد فيها : يا أيها الناس . فيقبل الناس بعضهم على بعض : هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول : نعم . ومنهم من يشك . ثم ينادي{[16310]} الثانية : يا أيها الناس . فيقول الناس بعضهم لبعض : هل سمعتم ؟ فيقولون : نعم . ثم ينادي الثالثة : يا أيها الناس ، أتى أمر الله فلا تستعجلوه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فوالذي نفسي بيده ، إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا ، وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه{[16311]} شيئًا أبدًا ، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدًا - قال - ويشتغل{[16312]} الناس " {[16313]} .

ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره ، وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد ، تعالى وتقدس علوًا كبيرًا ، وهؤلاء هم المكذبون بالساعة ، فقال : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }


[16306]:في أ: "التحقيق".
[16307]:زيادة من ت، ف، أ.
[16308]:في ف، أ: "بالفرائض".
[16309]:في أ: "وجودهما".
[16310]:في ت، أ: "ينادي مناد".
[16311]:في ف: "منه".
[16312]:في ت: "ويستعمل".
[16313]:ورواه الحاكم في المستدرك (4/539): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا يحيى بن آدم به، وقال: "صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه". ورواه الطبراني في المعجم الكبير (17/325): حدثنا الحسين التستري، حدثنا أبو كريب، حدثنا يحيى بن آدم به، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (4/382): "رواه الطبراني بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة النحل

هذه السورة كانت تسمى سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها من نعمه على عباده ، وهي مكية غير قوله تعالى : { وإن عوقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } الآية ، نزلت بالمدينة في شأن التمثيل بحمزة رضي الله عنه وقتلى أحد ، وغير قوله تعالى : { واصبر و ما صبرك إلا بالله } ، وغير قوله : { ثم إن ربك للذين هاجروا } الآية ، وأما قوله تعالى : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا } فمكي في شأن هجرة الحبشة{[1]} .

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال جبريل في سرد الوحي : { أتى أمر الله } وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ، فلما قال { فلا تستعجلوه } سكن{[7238]} . وقوله { أمر الله } قال فيه جمهور المفسرين : إنه يريد القيامة وفيها وعيد للكفار ، وقيل : المراد نصر محمد عليه السلام ، وقيل : المراد تعذيب كفار مكة بقتل محمد صلى الله عليه وسلم لهم وظهوره عليهم ، ذكر نحو هذا النقاش عن ابن عباس ، وقيل : المراد فرائض الله وأحكامه في عباده وشرعه لهم ، هذا هو قول الضحاك ، ويضعفه قوله { فلا تستعجلوه } إنا لا نعرف استعجالاً إلا ثلاثة اثنان منها للكفار وهي في القيامة وفي العذاب ، والثالث للمؤمنين في النصر وظهور الإسلام ، وقوله { أتى } على هذا القول إخبار عن إتيان ما يأتي ، وصح ذلك من جهة التأكيد ، وإذا كان الخبر حقاً فيؤكد المستقبل بأن يخرج في صيغة الماضي ، أي كأنه لوضوحه والثقة به قد وقع ، ويحسن ذلك في خبر الله تعالى لصدق وقوعه ، وقال قوم : { أتى } بمعنى قرب ، وهذا نحو ما قلت ، وإنما يجوز الكلام بهذا عندي لمن يعلم قرينه التأكيد ويفهم المجاز ، وأما إن كان المخاطب لا يفهم القرينة فلا يجوز وضع الماضي موضع المستقبل ، لأن ذلك يفسد الخبر ويوجب الكذب ، وإنما جار في الشرط لوضوح القرينة ب { أن } ، ومن قال : إن الأمر القيامة ، قال : إن قوله { فلا تستعجلوه } رد على المكذبين بالبعث القائلين متى هذا الوعد ، ومن قال : إن الأمر تعذيب الكفار بنصر محمد صلى الله عليه وسلم وقتله لهم ، قال إن قوله { فلا تستعجلوه } رد على القائلين { عجل لنا قطنا }{[7239]} [ ص : 16 ] ونحوه من العذاب ، أو على مستبطئي النصر من المؤمنين في قراءة من قرأ بالتاء ، وقرأ الجمهور «فلا تستعجلوه » بالتاء على مخاطبة المؤمنين أو على مخاطبة الكافرين بمعنى قل لهم : «فلا تستعجلوه » ، وقرأ سعيد بن جبير بالياء على غيبة المشركين ، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء من فوق وجميع الباقين قرأ «يشركون » بالياء ، ورجح الطبري القراءة بالتاء من فوق في الحرفين ، قال أبو حاتم : قرأ «يشركون » بالياء ، من تحت في هذه والتي بعدها الأعرج وأبو جعفر ونافع وأبو عمرو وابن نصاح والحسن وأبو رجاء ، وقرأ عيسى الأولى بالتاء من فوق ، والثانية بالياء من تحت ، وقرأهما جميعاً بالتاء من فوق أبو العالية وطلحة والأعمش وأبو عبد الرحمن ويحيى بن وثاب والجحدري ، وقد روى الأصمعي عن نافع التاء في الأولى . وقوله { سبحانه } معناه تنزيهاً له ، وحكى الطبري عن ابن جريج ، قال : لما نزلت { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } قال رجال من الكفار ، إن هذا يزعم أن أمر الله قد أتى فأمسكوا عما أنتم بسبيله حتى ننظر ، فلما لم يروا شيئاً عادوا فنزلت :{ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون }{[7240]} [ الأنبياء : 1 ] فقالوا مثل ذلك : فنزلت { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم }{[7241]} [ هود : 8 ] ، وقال أبو بكر بن حفص : لما نزلت { أتى أمر الله } رفعوا رؤوسهم ، فنزلت { فلا تستعجلوه } ، وحكى الطبري عن أبي صادق أنه قرأ : «يا عبادي أتى أمر الله فلا تستعجلوه » . و { سبحانه } نصب على المصدر أي تنزيهاً له .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[7238]:الذي وجدناه في (الدر المنثور)، و (فتح القدير) ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما نزلت {أتى أمر الله} ذعر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نزلت {فلا تستعجلوه} فسكنوا"، و ما أخرجه عبد الله بن أحمد في (زوائد الزهد)، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن أبي بكر بن حفص قال: "لما نزلت {أتى أمر الله} قاموا، فنزلت {فلا ستعجلوه}". و في القرطبي عن ابن عباس: (نزلت {أتى أمر الله} فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وخافوا، فنزلت {فلا تستعجلوه} فاطمأنوا).
[7239]:من الآية (16) من سورة (ص).
[7240]:الآية (1) من سورة (الأنبياء).
[7241]:من الآية (8) من سورة (هود).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة عند السلف سورة النحل ، وهو اسمها المشهور في المصاحف وكتب التفسير وكتب السنة .

ووجه تسميتها بذلك أن لفظ النحل لم يذكر في سورة أخرى .

وعن قتادة أنها تسمى سورة النعم أي بكسر النون وفتح العين . قال ابن عطية : لما عدد الله فيها من النعم على عباده .

وهي مكية في قول الجمهور وهو عن أبن عباس وابن الزبير . وقيل ؛ إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد ، وهي قوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } إلى آخر السورة . قيل : نزلت في نسخ عزم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يمثل بسبعين من المشركين أن أظفره الله بهم مكافأة على تمثيلهم بحمزة .

وعن قتادة وجابر بن زيد أن أولها مكي إلى قوله تعالى { والذين هاجروا في الله من بعد ظلموا } فهو مدني إلى آخر السورة .

وسيأتي في تفسير قوله تعالى { ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء } ما يرجح أن بعض السورة مكي وبعضها مدني ، وبعضها نزل بعد الهجرة إلى الحبشة كما يدل عليه قوله تعالى { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } ، وبعضها متأخر النزول عن سورة الأنعام لقوله في هذه { وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } ، يعني بما قص من قبل قوله تعالى { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } الآيات .

وذكر القرطبي أنه روي عن عثمان بن مظعون : أما نزلت هذه الآية قرأتها على أبي طالب فتعجب وقال : يا آل غالب اتبعوا ابن أخي تفلحوا فوالله إن الله أرسله ليأمركم بمكارم الأخلاق .

وروى أحمد عن ابن عباس أن عثمان بن مظعون لما نزلت هذه الآية كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم قال : فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدا صلى الله عليه وسلم .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره الله أن يضعها في موضعها هذا من هذه السورة .

وهذه السورة نزلت بعد سورة الأنبياء وقبل سورة ألم السجدة . وقد عدت الثانية والسبعين في ترتيب نزول السور .

وآيها مائة وثمان وعشرون بلا خلاف . ووقع للخفاجي عن الداني أنها نيف وتسعون . ولعله خطأ أو تحريف أو نقص .

أغراض هذه السورة

معظم ما اشتملت عليه السورة إكثار متنوع الأدلة على تفرد الله تعالى بالإلهية ، والأدلة على فساد دين الشرك وإظهار شناعته .

وأدلة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .

وإنزال القرآن عليه صلى الله عليه وسلم .

وإن شريعة الإسلام قائمة على أصول ملة إبراهيم عليه السلام .

وإثبات البعث والجزاء ؛ فابتدئت بالإنذار بأنه قد اقترب حلول ما أنذر به المشركون من عذاب الله الذي يستهزئون به ، وتلا ذلك قرع المشركين وزجرهم على تصلبهم في شركهم وتكذيبهم .

وانتقل إلى الاستدلال على إبطال عقيدة الشرك ؛ فابتدئ بالتذكير بخلق السماوات والأرض ، وما في السماء من شمس وقمر ونجوم ، وما في الأرض من ناس وحيوان ونبات وبحار وجبال ، وأعراض الليل والنهار .

وما في أطوار الإنسان وأحواله من العبر .

وخصت النحل وثمراتها بالذكر لوفرة منافعها والاعتبار بإلهامها إلى تدبير بيوتها وإفراز شهدها .

والتنويه بالقرآن وتنزيهه عن اقتراب الشيطان ، وإبطال افترائهم على القرآن .

والاستدلال على إمكان البعث وأنه تكوين كتكوين الموجودات .

والتحذير مما حل بالأمم التي أشركت بالله وكذبت رسله عليهم السلام عذاب الدنيا وما ينتظرهم من عذاب الآخرة . وقابل ذلك بضده من نعيم المتقين المصدقين والصابرين على أذى المشركين والذين هاجروا في الله وظلموا .

والتحذير من الارتداد عن الإسلام ، والترخيص لمن أكره على الكفر في التقية من المكرهين .

والأمر بأصول من الشريعة ؛ من تأصيل العدل ، والإحسان ، والمواساة ، والوفاء بالعهد ، وإبطال الفحشاء والمنكر والبغي ، ونقض العهود ، وما على ذلك من جزاء بالخير في الدنيا والآخرة .

وأدمج في ذلك ما فيها من العبر والدلائل ، والامتنان على الناس بما في ذلك من المنافع الطيبات المنتمة ، والمحاسن ، وحسن المناظر ، ومعرفة الأوقات ، وعلامات السير في البر والبحر ، ومن ضرب الأمثال .

ومقابلة الأعمال بأضدادها .

والتحذير من الوقوع في حبائل الشيطان .

والإنذار بعواقب كفران النعمة .

ثم عرض لهم بالدعوة إلى التوبة { ثم إن ربك للذين علموا السوء بجهالة } الخ . . . .

وملاك طرائق دعوة الإسلام { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة } .

وتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم ووعده بتأييد الله إياه .

{ أتى أمر الله فلا تستعجلوه }

لمّا كان معظم أغراض هذه السورة زجر المشركين عن الإشراك وتوابعه وإنذارهم بسوء عاقبة ذلك ، وكان قد تكرّر وعيدهم من قبل في آيات كثيرة بيوم يكون الفارقَ بين الحق والباطل فتزول فيه شوكتهم وتذهب شدّتهم . وكانوا قد استبطأوا ذلك اليوم حتى اطمأنوا أنه غير واقع فصاروا يهزأون بالنبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين فيستعجلون حلول ذلك اليوم .

صدّرت السورة بالوعيد المصوغ في صورة الخبر بأن قد حلّ ذلك المتوعد به . فجيء بالماضي المراد به المستقبل المحققُ الوقوع بقرينة تفريع { فلا تستعجلوه } ، لأن النهي عن استعجال حلول ذلك اليوم يقتضي أنه لما يحل بعد .

والأمر : مصدر بمعنى المفعول ، كالوعد بمعنى الموعود ، أي ما أمر الله به . والمرادُ من الأمر به تقديره وإرادة حصوله في الأجل المسمّى الذي تقتضيه الحكمة .

وفي التعبير عنه بأمر الله إبهام يفيد تهويله وعظمته لإضافته لمن لا يعظم عليه شيء . وقد عبّر عنه تارات بوعد الله ومرّات بأجل الله ونحو ذلك .

والخطاب للمشركين ابتداء لأن استعجال العذاب من خصالهم ، قال تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب } [ سورة الحج : 47 ] ويجوز أن يكون شاملاً للمؤمنين لأن عذاب الله وإن كان الكافرون يستعجلون به تهكّماً لظنّهم أنه غير آتتٍ ، فإن المؤمنين يضمرون في نفوسهم استبطاءه ويحبّون تعجيله للكافرين .

فجملة { فلا تستعجلوه } تفريع على { أتى أمر الله } وهي من المقصود بالإنذار .

والاستعجال : طلب تعجيل حصول شيء ، فمفعوله هو الذي يقع التعجيل به . ويتعدّى الفعل إلى أكثر من واحد بالباء فقالوا : استعجل بكذا . وقد مضى في سورة الأنعام ( 57 ) قوله تعالى : { ما عندي ما تستعجلون به } فضمير { تستعجلوه } إما عائد إلى الله تعالى ، أي فلا تستعجلوا الله . وحذف المتعلق ب { تستعجلوه } لدلالة قوله : { أتى أمر الله } عليه . والتقدير فلا تستعجلوا الله بأمره ، على نحو قوله تعالى : { سأريكم آياتي فلا تستعجلون } [ سورة الأنبياء : 37 ] .

وقيل الضمير عائد إلى أمر { الله } ، وعليه تكون تعدية فعل الاستعجال إليه على نزع الخافض .

والمراد من النهي هنا دقيق لم يذكروه في موارد صيغ النهي . ويجدر أن يكون للتسوية كما ترد صيغة الأمر للتسوية ، أي لا جدوى في استعجاله لأنه لا يعجّل قبل وقته المؤجّل له .

{ سبحانه وتعالى عما يشركون }

مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لأنها المقصود من الوعيد ، إذ الوعيد والزّجر إنما كانا لأجل إبطال الإشراك ، فكانت جملة { أتى أمر الله } كالمقدمة ، وجملة { سبحانه وتعالى عما يشركون } كالمقصد .

و ( ما ) في قوله : { عما يشركون } مصدرية ، أي عن إشراكهم غيره معه .

وقرأ الجمهور { يشركون } بالتحتية على طريقة الالتفات ، فعدل عن الخطاب ليختص التبرؤ من شأنهم أن ينزلوا عن شرف الخطاب إلى الغيبة .

وقرأه حمزة والكسائي بالمثناة الفوقية تبعاً لقوله : { فلا تستعجلوه } .