27- وإن حب الاعتداء في طبيعة بعض الناس ، فاقرأ - أيها النبي - على اليهود - وأنت صادق - خبر هابيل وقابيل ابني آدم ، حين تقرَّب كل منهما إلى الله بشيء ، فتقبل الله قربان أحدهما لإخلاصه ، ولم يتقبل من الآخر لعدم إخلاصه ، فحسد أخاه وتوعده بالقتل حقداً عليه ، فرد عليه أخوه مبيناً له أن الله لا يتقبل العمل إلا من الأتقياء المخلصين في تقربهم .
قوله تعالى : { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق } ، وهما هابيل وقابيل ، ويقال له قابين .
قوله تعالى : { إذ قربا قرباناً } ، وكان سبب قربانهما على ما ذكره أهل العلم أن حواء كانت تلد لآدم عليه السلام في كل بطن غلاماً وجاريةً ، وكان جميع ما ولدته أربعين ولداً في عشرين بطناً ، أولهم قابيل وتوأمته إقليما ، وآخرهم عبد المغيث ، وتوأمته أمة المغيث ، ثم بارك الله عز وجل في نسل آدم عليه السلام ، قال ابن عباس : لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفاً . واختلفوا في مولد قابيل وهابيل ، فقال بعضهم : غشي آدم حواء بعد مهبطهما إلى الأرض بمائة سنة ، فولدت له قابيل وتوأمته إقليما في بطن واحد ، ثم ولدت هابيل وتوأمته لبودا في بطن . وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول : إن آدم كان يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة ، فحملت فيها بقابيل وتوأمته إقليما ، فلم تجد عليهما وحماً ولا وصباً ولا طلقاً حتى ولدتهما ، ولم تر معهما دماً ، فلما هبط إلى الأرض تغشاها ، فحملت بهابيل وتوأمته ، ووجدت عليهما الحم والوصب والطلق والدم ، وكان آدم إذا شب أولاده يزوج غلام هذا البطن جارية بطن أخرى ، فكان الرجل منهم يتزوج أية أخواته شاء إلا توأمته التي ولدت معه ، لأنه لم يكن يومئذ نساء إلا أخواتهم ، فلما ولد قابيل وتوأمته إقليما ، ثم هابيل وتوأمته لبودا ، وكان بينهما سنتان في قول الكلبي ، وأدركوا ، أمر الله تعالى آدم عليه السلام أن ينكح قابيل لبودا أخت هابيل ، وينكح هابيل إقليما أخت قابيل ، وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل ، فذكر ذلك آدم لولده ، فرضي هابيل وسخط قابيل وقال : هي أختي ، أنا أحق بها ، ونحن من ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض ، فقال له أبوه : إنها لا تحل لك ، فأبى أن يقبل ذلك ، وقال : إن الله لم يأمره بهذا ، وإنما هو من رأيه ، فقال لهما آدم عليه السلام : فقربا قرباناً ، فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بها ، وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت نار من السماء بيضاء فأكلتها ، وإذا لم تكن مقبولة لم تنزل النار ، وأكلته الطير والسباع ، فخرجا ليقربا قرباناً ، وكان قابيل صاحب زرع ، فقرب صبرة من طعام من أردأ زرعه ، وأضمر في نفسه ما أبالي أيقبل مني أم لا ، لا يتزوج أختي أبداً ، وكان هابيل صاحب غنم ، فعمد إلى أحسن كبش في غنمه فقرب به ، وأضمر في نفسه رضا الله عز وجل ، فوضعا قربانيهما على الجبل ، ثم دعا آدم عليه السلام فنزلت نار من السماء وأكلت قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل .
قوله تعالى : { فتقبل من أحدهما } يعني هابيل .
قوله تعالى : { ولم يتقبل من الآخر } ، يعني : قابيل ، فنزلوا عن الجبل وقد غضب قابيل لرد قربانه ، وكان يضمر الحسد في نفسه إلى أن أتى آدم مكة لزيارة البيت ، فلما غاب آدم أتى قابيل هابيل وهو في غنمه .
قوله تعالى : { قال لأقتلنك } قال : ولم ؟ قال : لأن الله تعالى قبل قربانك ورد قرباني ، وتنكح أختي الحسناء وأنكح أختك الدميمة ، فيتحدث الناس أنك خير مني ، ويفتخر ولدك على ولدي .
{ 27 - 31 } { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ }
إلى آخر القصة{[261]} أي : قص على الناس وأخبرهم بالقضية التي جرت على ابني آدم بالحق ، تلاوة يعتبر بها المعتبرون ، صدقا لا كذبا ، وجدا لا لعبا ، والظاهر أن ابني آدم هما ابناه لصلبه ، كما يدل عليه ظاهر الآية والسياق ، وهو قول جمهور المفسرين .
أي : اتل عليهم نبأهما في حال تقريبهما للقربان ، الذي أداهما إلى الحال المذكورة .
{ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } أي : أخرج كل منهما شيئا من ماله لقصد التقرب إلى الله ، { فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ } بأن علم ذلك بخبر من السماء ، أو بالعادة السابقة في الأمم ، أن علامة تقبل الله لقربان ، أن تنزل نار من السماء فتحرقه .
{ قَالَ } الابن ، الذي لم يتقبل منه للآخر حسدا وبغيا { لَأَقْتُلَنَّكَ } فقال له الآخر -مترفقا له في ذلك- { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } فأي ذنب لي وجناية توجب لك أن تقتلني ؟ إلا أني اتقيت الله تعالى ، الذي تقواه واجبة عليّ وعليك ، وعلى كل أحد ، وأصح الأقوال في تفسير المتقين هنا ، أي : المتقين لله في ذلك العمل ، بأن يكون عملهم خالصا لوجه الله ، متبعين فيه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق : إذ قربا قربانا ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال : لأقتلنك . قال : إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ، إني أخاف الله رب العالمين : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار ، وذلك جزاء الظالمين . فطوعت له نفسه قتل أخيه ، فقتله ، فأصبح من الخاسرين . فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ، ليريه كيف يواري سوأة أخيه . قال : يا ويلتى ! أعجزت أن أكون مثل هذا >الغراب ، فأواري سوأة أخي ؟ فأصبح من النادمين ) . . .
هذه القصة تقدم نموذجا لطبيعة الشر والعدوان ؛ ونموذجا كذلك من العدوان الصارخ الذي لا مبرر له . كما تقدم نموذجا لطبيعة الخير والسماحة ؛ ونموذجا كذلك من الطيبة والوداعة . وتقفهما وجها لوجه ، كل منهما يتصرف وفق طبيعته . . وترسم الجريمة المنكرة التي يرتكبها الشر ، والعدوان الصارخ الذي يثير الضمير ؛ ويثير الشعور بالحاجة إلى شريعة نافذة بالقصاص العادل ، تكف النموذج الشرير المعتدي عن الاعتداء ، وتخوفه وتردعه بالتخويف عن الإقدام على الجريمة ؛ فإذا ارتكبها - على الرغم من ذلك - وجد الجزاء العادل ، المكافى ء للفعلة المنكرة . كما تصون النموذج الطيب الخير وتحفظ حرمة دمه . فمثل هذه النفوس يجب أن تعيش . وأن تصان ، وأن تأمن ؛ في ظل شريعة عادلة رادعة .
ولا يحدد السياق القرآني لا زمان ولا مكان ولا أسماء القصة . . وعلى الرغم من ورود بعض الآثار والروايات عن : " قابيل وهابيل " وأنهما هما ابنا آدم في هذه القصة ؛ وورود تفصيلات عن القضية بينهما ، والنزاع على أختين لهما . . فإننا نؤثر أن نستبقي القصة - كما وردت - مجملة بدون تحديد . لأن هذه الروايات كلها موضع شك في أنها مأخوذة عن أهل الكتاب - والقصة واردة في العهد القديم محددة فيها الأسماء والزمان والمكان على النحو الذي تذكره هذه الروايات - والحديث الوحيد الصحيح الوارد عن هذا النبأ لم يرد فيه تفصيل . وهو من رواية ابن مسعود قال : قال رسول الله [ ص ] : " لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل " . . [ رواه الإمام أحمد في مسنده ] : حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا : حدثنا الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق عن عبدالله بن مسعود . . وأخرجه الجماعة - سوى أبى داود - من طرق عن الأعمش . . وكل ما نستطيع أن نقوله هو أن الحادث وقع في فترة طفولة الإنسان ، وأنه كان أول حادث قتل عدواني متعمد ، وأن الفاعل لم يكن يعرف طريقة دفن الجثث . .
وبقاء القصة مجملة - كما وردت في سياقها القرآني - يؤدي الغرض من عرضها ؛ ويؤدي الإيحاءات كاملة ؛ ولا تضيف التفصيلات شيئا إلى هذه الأهداف الأساسية . . لذلك نقف نحن عند النص العام لا نخصصه ولا نفصله . .
( واتل عليهم نبأ ابني آدم - بالحق - إذ قربا قربانا ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر . قال : لأقتلنك . قال : إنما يتقبل الله من المتقين ) . .
واتل عليهم نبأ هذين النموذجين من نماذج البشرية - بعدما تلوت من قصة بني إسرائيل مع موسى - اتله عليهم بالحق . فهو حق وصدق في روايته ، وهو ينبى ء عن حق في الفطرة البشرية ؛ وهو يحمل الحق في ضرورة الشريعة العادلة الرادعة .
إن ابني آدم هذين في موقف لا يثور فيه خاطر الاعتداء في نفس طيبة . فهما في موقف طاعة بين يدي الله . موقف تقديم قربان ، يتقربان به إلى الله :
( فتقبل من أحدهما ، ولم يتقبل من الآخر ) . .
والفعل مبني للمجهول ؛ ليشير بناؤه هكذا إلى أن أمر القبول أو عدمه موكول إلى قوة غيبية ؛ وإلى كيفية غيبية . . وهذه الصياغة تفيدنا أمرين : الأول ألا نبحث نحن عن كيفية هذا التقبل ولا نخوض فيه كما خاضت كتب التفسير في روايات نرجح إنها مأخوذة عن أساطير " العهد القديم " . . والثاني الإيحاء بأن الذي قبل قربانه لا جريره له توجب الحفيظة عليه وتبييت قتله ، فالأمر لم يكن له يد فيه ؛ وإنما تولته قوة غيبية بكيفية غيبية ؛ تعلو على إدراك كليهما وعلى مشيئته . . فما كان هناك مبرر ليحنق الأخ على أخيه ، وليجيش خاطر القتل في نفسه ! فخاطر القتل هو أبعد ما يرد على النفس المستقيمة في هذا المجال . . مجال العبادة والتقرب ، ومجال القدرة الغيبية الخفية التي لا دخل لإرادة أخيه في مجالها . .
وهكذا يبدو هذا القول - بهذا التأكيد المنبى ء عن الإصرار - نابيا مثيرا للاستنكار لأنه ينبعث من غير موجب ؛ اللهم إلا ذلك الشعور الخبيث المنكر . شعور الحسد الأعمى ؛ الذي لا يعمر نفسا طيبة . .
وهكذا نجدنا منذ اللحظة الأولى ضد الاعتداء : بإيحاء الآية التي لم تكمل من السياق . .
ولكن السياق يمضي يزيد هذا الاعتداء نكارة وبشاعة ؛ بتصوير استجابة النموذج الآخر ؛ ووداعته وطيبة قلبه :
( قال : إنما يتقبل الله من المتقين ) .
هكذا في براءة ترد الأمر إلى وضعه وأصله ؛ وفي إيمان يدرك أسباب القبول ؛ وفي توجيه رفيق للمعتدي أن يتقي الله ؛ وهداية له إلى الطريق الذي يؤدي إلى القبول ؛ وتعريض لطيف به لا يصرح بما يخدشه أو يستثيره . .
عَطَفَ نبأ على نبإ ليكون مقدّمة للتحذير من قَتْل النفس والحِرابة والسرقة ، ويتبع بتحريم الخمر وأحكام الوصية وغيرها ، وليحسن التخلّص ممّا استطرد من الأنباء والقصَص التي هي مواقع عبرة وتُنْظم كلّها في جرائر الغرور . والمناسبةُ بينها وبين القصّة الّتي قبلها مناسبة تماثل ومناسبة تضادّ . فأما التماثل فإنّ في كلتيهما عدم الرضا بما حكم الله تعالى : فإنّ بني إسرائيل عصوا أمر رسولهم إيّاهم بالدخول إلى الأرض المقدّسة ، وأحدَ ابني آدم عصى حكم الله تعالى بعدم قبول قربانه لأنّه لم يكن من المتّقين . وفي كلتيهما جرأة على الله بعد المعصيّة ؛ فبنو إسرائيل قالوا : { اذهب أنت وربّك } [ المائدة : 24 ] ، وابن آدم قال : لأقتلنّ الّذي تقبّل الله منه . وأمّا التّضادّ فإنّ في إحداهما إقداماً مذموماً من ابن آدم ، وإحجاماً مذموماً من بني إسرائيل ، وإنّ في إحداهما اتّفاق أخوين هما موسى وأخوه على امتثال أمر الله تعالى ، وفي الأخرى اختلافَ أخوين بالصّلاح والفساد .
ومعنى { ابني آدم } هنا ولداه . وأمّا ابن آدم مفرداً فقد يراد به واحد من البشر نحو : « يَا بْن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتَني غَفَرْتُ لك » ، أو مجموعاً نحو { يا بني آدم خذوا زينتكم } [ الأعراف : 31 ] .
والباء في قوله : { بالحقّ } للملابسة متعلِّقاً ب { اتْلُ } . والمراد من الحقّ هنا الصدق من حقّ الشّيء إذا ثبت ، والصدق هو الثّابت ، والكذب لا ثبوت له في الواقع ، كما قال : { نحن نقصّ عليك نبأهم بالحقّ } [ الكهف : 13 ] . ويصحّ أن يكون الحقّ ضدّ الباطل وهو الجدّ غير الهزل ، أي اتْلُ هذا النبأ متلبّساً بالحقّ ، أي بالغرض الصّحيح لا لمجرد التفكّه واللّهو . ويحتمل أن يكون قوله { بالحق } مشيراً إلى ما خفّ بالقصة من زيادات زادها أهل القصص من بني إسرائيل في أسباب قتل أحد الأخوين أخاه .
{ وإذ } ظرف زمان ل { نبأ } ، أي خبرهما الحاصل وقت تقريبهما قُرباناً ، فينتصب ( إذ ) على المفعول فيه .
وفِعْلُ { قرّبا } هنا مشتقّ من القُرْبان الذي صار بمنزلة الاسم الجامد ، وأصله مصدر كالشُّكران والغفران والكُفران ، يسمّى به ما يتقرّب به المرء إلى ربّه من صدقة أو نُسك أو صلاة ، فاشتقّ من القرآن قرّب ، كما اشتقّ من النُّسك نَسَكَ ، ومن الأضحيّة ضَحَّى ، ومن العقيقة عَقّ . وليس { قرّبا } هنا بمعنى أدْنَيَا إذ لا معنى لذلك هنا .
وفي التّوراة هما ( قايين ) والعرب يسمّونه قَابِيل وأخوه ( هَابِيل ) . وكان قابيل فلاّحاً في الأرض ، وكان هابيل راعياً للغنم ، فقرّب قابيل من ثمار حرْثه قُرباناً وقرّب هابيل من أبكار غنمه قرباناً . ولا ندري هل كان القربان عندهم يعطى للفقراء ونحوهم أو كان يترك للنّاس عامّة . فتقبّل الله قربان هَابيل ولم يتقبّل قربان قابيل . والظاهر أنّ قبول قربان أحدهما دون الآخر حصل بوحي من الله لآدم .
وإنّما لم يتقبّل الله قربان قابيل لأنّه لم يكن رجلاً صالحاً بل كانت له خطايا . وقيل : كان كافراً ، وهذا ينافي كونهُ يُقرّب قرباناً .
وأفرد القربان في الآية لإرادة الجنس ، وإنّما قرّب كلّ واحد منهما قرباناً وليس هو قرباناً مشتركاً . ولم يسمّ الله تعالى المتقبَّل منه والّذي لم يتقبّل منه إذ لا جدوى لذلك في موقع العبرة . وإنّما حَمَله على قتل أخيه حسَده على مزيّة القبول . والحسد أوّل جريمة ظهرت في الأرض .
وقوله في الجواب { إنّما يتقبّل الله من المتّقين } موعظة وتعريض وتنصّل ممّا يوجب قتله . يقول : القبول فعل الله لا فعل غيره ، وهو يتقبّل من المتّقي لا من غيره . يعرّض به أنّه ليس بتَقِي ، ولذلك لم يتقبّل الله منه . وآية ذلك أنّه يضمر قتل النفس . ولذا فلا ذَنب ، لمن تقبّل الله قربانه ، يستوجبُ القتلَ . وقد أفاد قول ابن آدم حصرَ القبول في أعمال المتّقين . فإذا كان المراد من المتّقين معناه المعروف شرعاً المحكي بلفظه الدالّ عليه مراد ابن آدم كان مفاد الحصر أنّ عمل غير المتّقي لا يقبل ؛ فيحتمل أنّ هذا كان شريعتهم ، ثمّ نسخ في الإسلام بقبول الحسنَات من المؤمن وإن لم يكن متّقياً في سائر أحواله ؛ ويحتمل أنْ يراد بالمتّقين المخلصون في العمل ، فيكون عدم القبول أمارة على عدم الإخلاص ، وفيه إخْراج لفظ التّقوى عن المتعارف ؛ ويحتمل أن يريد بالتقبّل تقبّلاً خاصّاً ، وهو التّقبل التّامّ الدالّ عليه احتراق القربان ، فيكون على حدّ قوله تعالى : { هُدى للمتّقين } [ البقرة : 2 ] ، أي هدى كاملاً لهم ، وقوله : { والآخرة عند ربّك للمتّقين } [ الزخرف : 35 ] ، أي الآخرة الكاملة ؛ ويحتمل أن يريد تقبّل القرابين خاصّة ؛ ويحتمل أن يراد المتّقّين بالقربان ، أي المريدين به تقوى الله ، وأنّ أخاه أراد بقربانه بأنّه المباهاة . ومعنى هذا الحصر أنّ الله لا يتقبّل من غير المتّقين وكان ذلك شرعَ زمانهم .