المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

154- ثم أسبغ الله عليكم من بعد الغم نعمة أمن ، وكان مظهرها نعاساً يغشى فريق الصادقين في إيمانهم وتفويضهم لله ، أما الطائفة الأخرى فقد كان همهم أنفسهم لا يعنون إلا بها ، ولذلك ظنوا بالله الظنون الباطلة كظن الجاهلية ، يقولون مستنكرين : هل كان لنا من أمر النصر الذي وعدنا به شيء ؟ قل - أيها النبي : - الأمر كله في النصر والهزيمة لله ، يصرف الأمر في عباده إن اتخذوا أسباب النصر ، أو وقعوا في أسباب الهزيمة . وهم إذ يقولون ذلك يخفون في أنفسهم أمراً لا يبدونه . إذ يقولون في أنفسهم : لو كان لنا اختيار لم نخرج فلم نغلب . قل لهم : لو كنتم في منازلكم وفيكم من كتب عليهم القتل لخرجوا إلى مصارعهم فقتلوا . وقد فعل الله ما فعل في أُحد لمصالح جمة ، ليختبر ما في سرائركم من الإخلاص وليطهر قلوبكم ، والله يعلم ما في قلوبكم من الخفايا علماً بليغاً .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

قوله تعالى : { ثم أنزل عليكم } . يا معشر المسلمين .

قوله تعالى : { من بعد الغم أمنةً } . يعني أمناً ، والأمن والأمنة بمعنى واحد ، وقيل : الأمن يكون مع زوال سبب الخوف ، والأمنة مع بقاء سبب الخوف ، وكان سبب الخوف هنا قائماً .

قوله تعالى : { نعاساً } . بدل من الأمنة .

قوله تعالى : { يغشى طائفة منكم } . قرأ حمزة والكسائي تغشى بالتاء رداً إلى الأمنة ، وقرأ الآخرون بالياء رداً إلى النعاس . قال ابن عباس رضي الله عنهما : وأمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم ، وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا احمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسماعيل ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن ، أنا حسن بن محمد أخبرنا شيبان عن قتادة ، أخبرنا أنس أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه . وقال ثابت عن انس عن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت ما أرى أحداً من القوم إلا وهو يميل تحت حجفته من النعاس . وقال عبد الله بن الزبير عن أبيه الزبير بن العوام : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد علينا الحرب ، أرسل الله علينا النوم ، والله إني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحلم ، يقول : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ، فذلك قوله تعالى ( يغشى طائفةً منكم ) . يعني المؤمنين .

قوله تعالى : { وطائفةً قد أهمتهم أنفسهم } . يعني المنافقين : قيل : أراد الله به تمييز المنافقين من المؤمنين ، فأوقع النعاس على المؤمنين حتى أمنوا ، ولم يوقع على المنافقين ، فبقوا في الخوف ( قد أهمتهم أنفسهم ) أي حملتهم على الهم يقال : أمر مهم .

قوله تعالى : { يظنون بالله غير الحق } . أي لا ينصر محمداً ، وقيل : ظنوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل .

قوله تعالى : { يظنون بالله غير الحق } . أي لا ينصر محمدا ، وقيل :ظنوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل . قوله تعالى : { ظن أهل الجاهلية } . أي كظن أهل الجاهلية والشرك .

قوله تعالى : { يقولون هل لنا } . مالنا لفظه استفهام ومعناه جحد .

قوله تعالى : { من الأمر من شيء } . يعني النصر .

قوله تعالى : { قل إن الأمر كله لله } . قرأ أهل البصرة برفع اللام على الابتداء وخبره في لله . وقرأ الآخرون بالنصب على البدل وقيل : على النعت .

قوله تعالى : { يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا } . وذلك أن المنافقين ، قال بعضهم لبعض : لو كان لنا عقول لم نخرج مع محمد إلى قتال أهل مكة . ولم يقتل رؤساؤنا . وقيل : لو كنا على الحق ما قتلنا ها هنا . قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) ، يعني التكذيب بالقدر وهو قولهم : ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) .

قوله تعالى : { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب } . قضي .

قوله تعالى : { عليهم القتل إلى مضاجعهم } . مصارعهم .

قوله تعالى : { و ليبتلي الله } . وليمتحن الله .

قوله تعالى : { ما في صدوركم وليمحص } . يخرج ويظهر .

قوله تعالى : { ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور } . بما في القلوب من خير وشر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم } الذي أصابكم { أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم }

ولا شك أن هذا رحمة بهم ، وإحسان وتثبيت لقلوبهم ، وزيادة طمأنينة ؛ لأن الخائف لا يأتيه النعاس لما في قلبه من الخوف ، فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس .

وهذه الطائفة التي أنعم الله عليها بالنعاس هم المؤمنون الذين ليس لهم هم إلا إقامة دين الله ، ورضا الله ورسوله ، ومصلحة إخوانهم المسلمين .

وأما الطائفة الأخرى الذين { قد أهمتهم أنفسهم } فليس لهم هم في غيرها ، لنفاقهم أو ضعف إيمانهم ، فلهذا لم يصبهم من النعاس ما أصاب غيرهم ، { يقولون هل لنا من الأمر من شيء } وهذا استفهام إنكاري ، أي : ما لنا من الأمر -أي : النصر والظهور- شيء ، فأساءوا الظن بربهم وبدينه ونبيه ، وظنوا أن الله لا يتم أمر رسوله ، وأن هذه الهزيمة هي الفيصلة والقاضية على دين الله ، قال الله في جوابهم : { قل إن الأمر كله لله } الأمر يشمل الأمر القدري ، والأمر الشرعي ، فجميع الأشياء بقضاء الله وقدره ، وعاقبة{[166]}  النصر والظفر لأوليائه وأهل طاعته ، وإن جرى عليهم ما جرى .

{ يخفون } يعني المنافقين { في أنفسهم ما لا يبدون لك } ثم بين الأمر الذي يخفونه ، فقال : { يقولون لو كان لنا من الأمر شيء } أي : لو كان لنا في هذه الواقعة رأي ومشورة { ما قتلنا هاهنا } وهذا إنكار منهم وتكذيب بقدر الله ، وتسفيه منهم لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورأي أصحابه ، وتزكية منهم لأنفسهم ، فرد الله عليهم بقوله : { قل لو كنتم في بيوتكم } التي هي أبعد شيء عن مظان القتل { لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } فالأسباب -وإن عظمت- إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء ، فإذا عارضها القدر لم تنفع شيئا ، بل لا بد أن يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة ، { وليبتلي الله ما في صدوركم } أي : يختبر ما فيها من نفاق وإيمان وضعف إيمان ، { وليمحص ما في قلوبكم } من وساوس الشيطان ، وما تأثر عنها من الصفات غير الحميدة .

{ والله عليم بذات الصدور } أي : بما فيها وما أكنته ، فاقتضى علمه وحكمته أن قدر من الأسباب ، ما به تظهر مخبآت الصدور وسرائر الأمور .


[166]:- في ب: وعاقبته.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

121

ولقد أعقب هول الهزيمة وذعرها ، وهرجها ومرجها ، سكون عجيب . سكون في نفوس المؤمنين الذين ثابوا إلى ربهم ، وثابوا إلى نبيهم . لقد شملهم نعاس لطيف يستسلمون إليه مطمئنين !

والتعبير عن هذه الظاهرة العجيبة يشف ويرق وينعم ، حتى ليصور بجرسه وظله ذلك الجو المطمئن الوديع :

( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ) . .

وهي ظاهرة عجيبة تشي برحمة الله التي تحف بعباده المؤمنين ؛ فالنعاس حين يلم بالمجهدين المرهقين المفزعين ، ولو لحظة واحدة ، يفعل في كيانهم فعل السحر ، ويردهم خلقا جديدا ، ويسكب في قلوبهم الطمأنينة ، كما يسكب في كيانهم الراحة . بطريقة مجهولة الكنه والكيف ! أقول هذا وقد جربته في لحظة كرب وشدة . فأحسست فيه رحمة الله الندية العميقة بصورة تعجز عن وصفها العبارة البشرية القاصرة !

روى الترمذي والنسائي والحاكم من حديث حماد ابن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة قال : " رفعت رأسي يوم أحد ، وجعلت أنظر ، وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحت جحفته من النعاس " .

وفي رواية أخرى عن أبي طلحة : " غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه " . .

أما الطائفة الأخرى ؛ فهم ذوو الإيمان المزعزع ، الذين شغلتهم أنفسهم وأهمتهم ، والذين لم يتخلصوا من تصورات الجاهلية ، ولم يسلموا أنفسهم كلها لله خالصة ، ولم يستسلموا بكليتهم لقدره ، ولم تطمئن قلوبهم إلى أن ما أصابهم إنما هو ابتلاء للتمحيص ، وليس تخليا من الله عن أوليائه لأعدائه ، ولا قضاء منه - سبحانه - للكفر والشر والباطل بالغلبة الأخيرة والنصر الكامل :

( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية . يقولون : هل لنا من الأمر من شيء ؟ ) . .

أن هذه العقيدة تعلم أصحابها - فيما تعلم - أن ليس لهم في أنفسهم شيء ، فهم كلهم لله ؛ وأنهم حين يخرجون للجهاد في سبيله يخرجون له ، ويتحركون له ، ويقاتلون له ، بلا هدف آخر لذواتهم في هذا الجهاد ، وأنهم يسلمون أنفسهم لقدره ، فيتلقون ما يأتيهم به هذا القدر في رضى وفي تسليم ، كائنا هذا القدر ما يكون .

فأما الذين تهمهم أنفسهم ، وتصبح محور تفكيرهم وتقديرهم ، ومحور اهتمامهم وانشغالهم . . فهؤلاء لم تكتمل في نفوسهم حقيقة الإيمان . ومن هؤلاء كانت تلك الطائفة الأخرى التي يتحدث عنها القرآن في هذا الموضع . طائفة الذين شغلتهم أنفسهم وأهمتهم ، فهم في قلق وفي أرجحة ، يحسون أنهم مضيعون في أمر غير واضح في تصورهم ، ويرون أنهم دفعوا إلى المعركة دفعا ولا إرادة لهم فيها ؛ وهم مع ذلك يتعرضون للبلاء المرير ، ويؤدون الثمن فادحا من القتل والقرح والألم . . وهم لا يعرفون الله على حقيقته ، فهم يظنون بالله غير الحق ، كما تظن الجاهلية . ومن الظن غير الحق بالله أن يتصوروا أنه - سبحانه - مضيعهم في هذه المعركة ، التي ليس لهم من أمرها شيء ، وإنما دفعوا إليها دفعا ليموتوا ويجرحوا ، والله لا ينصرهم ولا ينقذهم ؛ إنما يدعهم فريسة لأعدائهم ، ويتساءلون :

( هل لنا من الأمر من شيء ؟ ) .

وتتضمن قولتهم هذه الاعتراض على خطة القيادة والمعركة . . ولعلهم ممن كان رأيهم عدم الخروج من المدينة ؛ ممن لم يرجعوا مع عبد الله بن أبي . . ولكن قلوبهم لم تكن قد استقرت واطمأنت . .

وقبل أن يكمل السياق عرض وساوسهم وظنونهم ، يبادر بتصحيح الأمر وتقرير الحقيقة فيما يتساءلون فيه ، ويرد على قولتهم : ( هل لنا من الأمر من شيء ؟ ) .

( قل : إن الأمر كله لله ) . .

فلا أمر لأحد . لا لهم ولا لغيرهم . ومن قبل قال الله لنبيه [ ص ] ( ليس لك من الأمر شيء ) . فأمر هذا الدين ، والجهاد لإقامته وتقرير نظامه في الأرض ، وهداية القلوب له . . كلها من أمر الله ، وليس للبشر فيها من شيء ، إلا أن يؤدوا واجبهم ، ويفوا ببيعتهم ، ثم يكون ما يشاؤه الله كيف يكون !

ويكشف كذلك خبيئة نفوسهم قبل أن يكمل عرض وساوسهم وظنونهم :

( يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ) . .

فنفوسهم ملأى بالوساوس والهواجس ، حافلة بالاعتراضات والاحتجاجات ؛ وسؤالهم : ( هل لنا من الأمر من شيء ) . . يخفي وراءه شعورهم بأنهم دفعوا إلى مصير لم يختاروه ! وأنهم ضحية سوء القيادة ، وأنهم لو كانوا هم الذين يديرون المعركة ما لاقوا هذا المصير .

( يقولون : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) . .

وهو الهاجس الذي يجيش في النفوس التي لم تخلص للعقيدة ، حينما تصطدم في موقعة بالهزيمة ، وحينما تعاني آلام الهزيمة ! حين ترى الثمن أفدح مما كانت تظن ؛ وأن الثمرة أشد مرارة مما كانت تتوقع ؛ وحين تفتش في ضمائرها فلا ترى الأمر واضحا ولا مستقرا ؛ وحين تتخيل أن تصرف القيادة هو الذي القى بها في هذه المهلكة ، وكانت في نجوة من الأمر لو كان أمرها في يدها ! وهي لا يمكن - بهذا الغبش في التصور - أن ترى يد الله وراء الأحداث ، ولا حكمته في الابتلاء . إنما المسألة كلها - في اعتبارها - خسارة في خسارة ! وضياع في ضياع !

هنا يجيئهم التصحيح العميق للأمر كله . لأمر الحياة والموت . ولأمر الحكمة الكامنة وراء الابتلاء :

( قل : لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم . وليبتلي الله ما في صدوركم ، وليمحص ما في قلوبكم ، والله عليم بذات الصدور )

قل لو كنتم في بيوتكم ؛ ولم تخرجوا للمعركة تلبية لنداء القيادة ، وكان أمركم كله لتقديركم . . لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم . . إن هنالك أجلا مكتوبا لا يستقدم ولا يستأخر . وإن هنالك مضجعا مقسوما لا بد أن يجيء إليه صاحبه فيضجع فيه ! فإذا حم الأجل ، سعى صاحبه بقدميه إليه ، وجاء إلى مضجعه برجليه ، لا يسوقه أحد إلى أجله المرسوم ، ولا يدفعه أحد إلى مضجعه المقسوم !

ويا للتعبير العجيب . . " إلى مضاجعهم " . . فهو مضجع إذن ذلك الرمس الذي تستريح فيه الجنوب ، وتسكن فيه الخطى ، وينتهي إليه الضاربون في الأرض . . مضجع يأتون إليه بدافع خفي لا يدركونه ولا يملكونه ، إنما هو يدركهم ويملكهم ؛ ويتصرف في أمرهم كما يشاء . والاستسلام له أروح للقلب ، وأهدأ للنفس ، وأريح للضمير !

إنه قدر الله . ووراءه حكمته :

( وليبتلي الله ما في صدوركم ، وليمحص ما في قلوبكم ) . .

فليس كالمحنة محك يكشف ما في الصدور ، ويصهر ما في القلوب ، فينفي عنها الزيف والرياء ، ويكشفها على حقيقتها بلا طلاء . . فهو الابتلاء والاختبار لما في الصدور ، ليظهر على حقيقته ، وهو التطهير والتصفية للقلوب ، فلا يبقى فيها دخل ولا زيف . وهو التصحيح والتجلية للتصور ؛ فلا يبقى فيه غبش ولا خلل :

( والله عليم بذات الصدور ) .

وذات الصدور هي الأسرار الخفية الملازمة للصدور ، المختبئة فيها ، المصاحبة لها ، التي لا تبارحها ولا تتكشف في النور ! والله عليم بذات الصدور هذه . ولكنه - سبحانه - يريد أن يكشفها للناس ، ويكشفها لأصحابها أنفسهم ، فقد لا يعلمونها من أنفسهم ، حتى تنفضها الأحداث وتكشفها لهم !

/خ179

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

يقول تعالى مُمْتَنا على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمَنَة ، وهو النعاس الذي غشيهم وهم مسْتَلْئمو السلاح في حال هَمِّهم وغَمِّهم ، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان{[5947]} كما قال تعالى في سورة الأنفال ، في قصة بدر : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [ وَيُنزلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ ] {[5948]} } [ الأنفال : 11 ] .

وقال [ الإمام ]{[5949]} أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو نعيم وكيع{[5950]} عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن عبد الله بن مسعود قال : النعاس في القتال من الله ، وفي الصلاة من الشيطان .

قال البخاري : قال{[5951]} لي خليفة : حدثنا يزيد بن زُرَيْع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، رضي الله عنه ، قال : كنت فيمن تَغَشاه{[5952]} النعاس يوم أحُد ، حتى سقط سيفي من يدي مرارا ، يسقط وآخذه ، ويسقط وآخذه .

هكذا رواه في المغازي معلقا . ورواه في كتاب التفسير مُسْنَدًا عن شيبان ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : غَشينا النعاس ونحن في مَصَافنا يوم أحد . قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه .

وقد رواه الترمذي والنسائي والحاكم ، من حديث حَمَّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحُد ، وجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميد{[5953]} تحت جَحَفَتِه من النعاس . لفظ الترمذي ، وقال : حسن صحيح .

ورواه النسائي أيضا ، عن محمد بن المثنى ، عن خالد بن الحارث ، عن أبي قتيبة ، عن ابن أبي عدي ، كلاهما عن حميد ، عن أنس قال : قال أبو طلحة : كنت فيمن ألقي عليه النعاس - الحديث{[5954]} .

وهكذا رُوي عن الزبير وعبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنه{[5955]} .

وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسين محمد بن يعقوب ، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا شيبان ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ؛ أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحُد ، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه ، قال : والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هَمٌّ إلا أنفسهُم ، أجبن قوم وأرعنه ، وأخْذَله للحق { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } كَذَبَةَ ، أهل{[5956]} شك وريب في الله ، عز وجل{[5957]} .

هكذا رواه بهذه الزيادة ، وكأنها من كلام قتادة ، رحمه الله ، وهو كما قال ؛ فإن الله عز وجل يقول : { ثُمَّ أَنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ } يعني : أهل الإيمان واليقين والثبات{[5958]} والتوكل الصادق ، وهم الجازمون بأن الله سينصر رسوله ويُنْجِز له مأموله ، ولهذا قال : { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } يعني : لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } كما قال في الآية الأخرى : { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا [ وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ]{[5959]} } [ الفتح : 12 ] وهكذا هؤلاء ، اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنَّها الفيصلة{[5960]} وأن الإسلام قد باد وأهلُه ، هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة ، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة .

ثم أخبر تعالى عنهم أنهم { يَقُولُونَ } في تلك الحال : { هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ } قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ } ثم فَسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله : { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } أي : يسرون {[5961]} هذه المقالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال [ محمد ]{[5962]} بن إسحاق بن يسار : فحدثني يحيى بن عباد{[5963]} بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال الزبير : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا ، أرسل الله علينا النوم ، فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، قال : فوالله إني لأسمع قول مُعْتَب بن قُشَير ، ما أسمعه إلا كالحلم ، [ يقول ]{[5964]} { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } فحفظتها منه ، وفي ذلك أنزل الله [ تعالى ]{[5965]} { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } لقول مُعتَب . رواه ابن أبي حاتم .

قال الله تعالى : { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } أي : هذا قدر مقدر من الله عز وجل ، وحكم حَتْم لا يحاد{[5966]} عنه ، ولا مناص منه .

وقوله : { وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } أي : يختبركم بما جرى عليكم ، وليميز الخبيثَ من الطيب ، ويظهر أمْرَ المؤمن والمنافق للناس في الأقوال والأفعال ، { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي : بما يختلج{[5967]} في الصدور من السرائر والضمائر .


[5947]:في جـ، ر، أ، و: "الإيمان".
[5948]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[5949]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[5950]:في جـ، ر، أ، و: "ووكيع".
[5951]:في أ، و: "وقال".
[5952]:في جـ، ر: "يغشاه".
[5953]:في جـ، ر: "يمتد".
[5954]:صحيح البخاري (4562، 4068) وسنن الترمذي برقم (3007، 3008) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11080).
[5955]:في ر: "عنهما".
[5956]:في جـ، ر، أ، و: "كذبة، إنما هم أهل".
[5957]:دلائل النبوة للبيهقي (3/273).
[5958]:في ر: "والبيان".
[5959]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "إلى آخر الآية.
[5960]:في ر: "الفضيلة".
[5961]:في أ: "أي لا يسرون".
[5962]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[5963]:في أ: "عباد الله".
[5964]:زيادة من ر.
[5965]:زيادة من ر، وفي جـ، أ: "عز وجل".
[5966]:في ر، أ، و: "مجيد".
[5967]:في جـ، ر، أ: "يتخالج".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } أنزل الله عليكم الأمن حتى أخذكم النعاس ، وعن أبي طلحة غشينا النعاس في المصاف حتى كان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه ، ثم يسقط فيأخذه . والأمنة الأمن نصب على المفعول ونعاسا بدل منها أو هو المفعول ، و{ أمنة } حال منه متقدمة أو مفعول له أو حال من المخاطبين بمعنى ذوي أمنة أو على أنه جمع آمن كبار وبررة . وقرئ { أمنة } بسكون الميم كأنها المرة في الإمر { يغشى طائفة منكم } أي النعاس وقرأ حمزة والكسائي بالتاء ردا على الأمنة والطائفة المؤمنون حقا . { وطائفة } هم المنافقون . { قد أهمتهم أنفسهم } أوقعتهم أنفسهم في الهموم ، أو ما يهمهم إلا هم أنفسهم وطلب خلاصها . { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } صفة أخرى لطائفة أو حال أو استئناف على وجه البيان لما قبله ، وغير الحق نصب على المصدر أي : يظنون بالله غير الظن الحق الذي يحق أن يظن به ، و{ ظن الجاهلية } بدله وهو الظن المختص بالملة الجاهلية وأهلها . { يقولون } أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بدل من يظنون . { هل لنا من الأمر من شيء } هل لنا مما أمر الله ووعد من النصر والظفر نصيب قط . وقيل : أخبر ابن أبي بقتل بني الخزرج فقال ذلك ، والمعنى إنا منعنا تدبير أنفسنا وتصريفها باختيارنا ، فلم يبق لنا من الأمر شيء أو هل يزول عنا هذا القهر فيكون لنا من الأمر شيء { قل إن الأمر كله لله } أي الغلبة الحقيقية لله تعالى ولأوليائه فإن حزب الله هم الغالبون ، أو القضاء له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو اعتراض . وقرأ أبو عمرو ويعقوب كله بالرفع على الابتداء . { يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك } حال من الضمير يقولون أي يقولون مظهرين إنهم مسترشدون طالبون النصر مبطلين الإنكار والتكذيب . { يقولون } أي في أنفسهم وإذا خلا بعضهم إلى بعض وهو بدل من يخفون أو استئناف على وجه البيان له . { لو كان لنا من الأمر شيء } كما وعد محمد أو زعم أن الأمر كله لله ولأوليائه ، أو لو كان لنا اختيار وتدبير ولم نبرح كما كان ابن أبي وغيره . { ما قتلنا ها هنا } لما غلبنا ، أو لما قتل من قتل منا في هذه المعركة . { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } أي لخرج الذين قدر الله عليهم القتل وكتبه في اللوح المحفوظ إلى مصارعهم ولم تنفعهم الإقامة بالمدينة ولم ينج منهم أحد ، فإنه قدر الأمور ودبرها في سابق قضائه لا معقب لحكمه . { وليبتلي الله ما في صدوركم } وليمتحن ما في صدوركم ويظهر سرائرها من الإخلاص والنفاق ، وهو علة فعل محذوف أي وفعل ذلك ليبتلي أو عطف على محذوف أي لبرز لنفاذ القضاء أو لمصالح جمة وللابتلاء ، أو على لكيلا تحزنوا . { وليمحص ما في قلوبكم } وليكشفه ويميزه أو يخلصه من الوساوس . { والله عليم بذات الصدور } بخفياتها قل إظهارها ، وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء وإنما فعل ذلك لتمرين المؤمنين وإظهار حال المنافقين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

ثم ذكر الله تعالى أمر النعاس الذي أمن به المؤمنين ، فغشي أهل الإخلاص ، وذلك أنه لما ارتحل أبو سفيان من موضع الحرب ، قال النبي عليه السلام لعلي بحضرة أصحابه المتحيزين في تلك الساعة إليه : اذهب فانظر إلى القوم ، فإن جنبوا الخيل فهم ناهضون إلى مكة ، وإن كانوا على خيلهم فهم عامدون{[3625]} إلى المدينة ، فاتقوا الله واصبروا{[3626]} ، ووطنهم على القتال ، فمضى علي ثم رجع ، فأخبر أنهم جنبوا الخيل وقعدوا على أثقالهم عجالاً ، فآمن الموقنون المصدقون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألقى الله عليهم النعاس ، وبقي المنافقون والذين في قلوبهم مرض لا يصدقون ، بل كان ظنهم أن أبا سفيان يؤم المدينة ولا بد ، فلم يقع على أحد منهم نوم ، وإنما كان همهم في أحوالهم الدنيوية ، قال أبو طلحة : لقد نمت في ذلك اليوم حتى سقط سيفي من يدي مراراً{[3627]} ، وقال الزبير بن عوام : لقد رفعت رأسي يوم أحد من النوم فجعلت أنظر إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فما منهم أحد إلا وهو يميل تحت جحفته{[3628]} ، وقال ابن مسعود : نعسنا يوم -أحد- والنعاس في الحرب أمنة من الله ، والنعاس في الصلاة من الشيطان ، وقرأ جمهور الناس «أمَنة » بفتح الميم ، وقرأ ابن محيصن والنخعي «أمْنة » بسكون الميم ، وهما بمعنى الأمن ، وفتح الميم أفصح ، وقوله : { نعاساً } بدل ، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر «يغشي » بالياء حملاً على لفظ النعاس بإسناد الفعل إلى ضمير البدل ، وقرأ حمزة والكسائي «تغشى » بالتاء حملاً على لفظ - الأمنة - بإسناد الفعل إلى ضمير المبدل{[3629]} منه ، والواو في قوله تعالى : { وطائفة قد أهمتهم } هي واو الحال كما تقول : جئت وزيد قائم ، قاله سيبويه وغيره قال الزجاج : وجائز أن يكون خبر قوله { وطائفة } قوله - يظنون - ويكون قد أهمتهم صفة للطائفة ، وقوله تعالى : { قد أهمتهم أنفسهم } ذهب أكثر المفسرين قتادة والربيع وابن إسحاق وغيرهم : إلى أن اللفظة من الهم الذي هو بمعنى الغم والحزن ، والمعنى : أن نفوسهم المريضة وظنونهم السيئة ، قد جلبت إليهم الهم خوف القتل وذهاب الأموال ، تقول العرب : أهمني الشيء إذا جلب الهم ، وذكر بعض المفسرين : أن اللفظة من قولك : هم بالشيء يهم إذا أراد فعله .

قال القاضي أبو محمد : أهمتهم أنفسهم المكاشفة ، ونبذ الدين ، وهذا قول من قال : قد قتل محمد ، فلنرجع إلى ديننا الأول ونحو هذا من الأقوال .

قوله تعالى :

{ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِى أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قَلْ لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِىَ اللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدوُرِ }

قوله تعالى : { غير الحق } معناه : يظنون أن الإسلام ليس بحق وأن أمر محمد عليه السلام يضمحل ويذهب ، وقوله : { ظن الجاهلية } ذهب جمهور الناس إلى أن المراد مدة الجاهلية القديمة قبل الإسلام ، وهذا كما قال : { حمية الجاهلية } و { تبرج الجاهلية }{[3630]} ، وكما تقول شعر الجاهلية ، وكما قال ابن عباس : سمعت أبي في الجاهلية يقول : اسقنا كأساً دهاقاً ، وذهب بعض المفسرين إلى أنه أراد في هذه الآية ظن الفرقة الجاهلية ، والإشارة إلى أبي سفيان ومن معه ، والأمر محتمل ، وقد نحا هذا المنحى قتادة والطبري{[3631]} ، وقوله تعالى : { يقولون هل لنا من الأمر من شيء } حكاية كلام قالوه ، قال قتادة وابن جريج : قيل لعبد الله بن أبي بن سلول : قتل بنو الخزرج فقال : «وهل لنا من الأمر من شيء » ؟ يريد أن الرأي ليس لنا ، ولو كان لنا منه شيء لسمع من رأينا فلم يخرج فلم يقتل أحد منا ، وهذا منهم قول بأجلين ، وكان كلامهم يحتمل الكفر والنفاق ، على معنى : ليس لنا من أمر الله شيء ، ولا نحن على حق في اتباع محمد ، ذكره المهدوي وابن فورك ، لكن يضعف ذلك أن الرد عليهم إنما جاء على أن كلامهم في معنى سوء الرأي في الخروج ، وأنه لو لم يخرج لم يقتل أحد{[3632]} ، وقوله تعالى : { قل إن الأمر كله لله } اعتراض أثناء الكلام فصيح ، وقرأ جمهور القراء «كلَّه » - بالنصب على تأكيد الأمر ، لأن «كله » بمعنى أجمع ، وقرأ أبو عمرو بن العلاء «كلُّه لله » برفع كل على الابتداء والخبر ، ورجح الناس قراءة الجمهور لأن التأكيد أملك بلفظة «كل »{[3633]} ، وقوله تعالى : { يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك } يحتمل أن يكون إخباراً عن تسترهم بمثل هذه الأقوال التي ليست بمحض كفر ، بل هي جهالة ، ويحتمل أن يكون إخباراً عما يخفونه من الكفر الذي لا يقدرون أن يظهروا منه أكثر من هذه النزعات ، وأخبر تعالى عنهم على الجملة دون تعيين ، وهذه كانت سنته في المنافقين ، لا إله إلا هو ، وقوله تعالى : { يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا } هي مقالة سمعت من معتب بن قشير المغموص عليه بالنفاق ، وقال الزبير بن العوام فيما أسند الطبري عنه : والله لكأني أسمع قول معتب بن قشير{[3634]} أخي بني عمرو بن عوف ، والنعاس يغشاني ، ما أسمعه إلا كالحلم حين قال { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا } .

قال القاضي أبو محمد : وكلام معتب يحتمل من المعنى ما احتمل كلام عبد الله بن أبي ، ومعتب هذا ممن شهد بدراً ، ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره ، وقال ابن عبد البر{[3635]} : إنه شهد العقبة ، وذلك وهم ، والصحيح أنه لم يشهد عقبة ، وقوله تعالى : { قل لو كنتم في بيوتكم } الآية رد على الأقوال ، وإعلام بأن أجل كل امرىء إنما هو واحد ، فمن لم يقتل فهو يموت لذلك الأجل على الوجه الذي قدر الله تعالى ، وإذا قتل فذلك هو الذي كان في سابق الأزل{[3636]} ، وقرأ جمهور الناس «في بُيوتكم » بضم الباء ، وقرأ بعض القراء وهي بعض طرق السبعة «في بِيوتكم » ، بكسر الباء ، وقرأ جمهور الناس «لَبَرَز » بفتح الراء والباء على معنى : صاروا في البراز من الأرض ، وقرأ أبو حيوة «لبُرِّز » بضم الباء وكسر الراء وشدها ، وقرأ جمهور الناس : «عليهم القَتل » أي كتب عليهم في قضاء الله وتقديره ، وقرأ الحسن والزهري : «عليهم القتال » وتحتمل هذه القراءة معنى الاستغناء عن المنافقين ، أي لو تخلفتم أنتم لبرز المؤمنون الموقنون المطيعون في القتال المكتوب عليهم ، وقوله تعالى : { وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم } الآية ، اللام في قوله تعالى : { وليبتلي } متعلقة بفعل متأخر تقديره وليبتلي وليمحص فعل هذه الأمور الواقعة والابتلاء هنا هو الاختبار ، والتمحيص : تخليص الشيء من غيره ، والمعنى ليختبره فيعلمه علماً مساوقاً لوجوده وقد كان متقرراً قبل وجود الابتلاء أزلاً ، و { ذات الصدور } ما تنطوي عليه من المعتقدات ، هذا هو المراد في هذه الآية .


[3625]:-عامدون: قاصدون.
[3626]:- أخرجه ابن هشام في السيرة. (الروض الأنف 2/140)
[3627]:- روى البخاري عن أنس أن أبا طلحة قال: "غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه" (8/171). ورواه كذلك الترمذي والنسائي.
[3628]:- الجحف: ضرب من الترسة، واحدتها جحفة، تصنع من جلود الإبل يطارق بعضها ببعض، وقيل: تصنع من جلود خاصة. "اللسان في مادة جحف".
[3629]:- اعترض بعض النحويين على ذلك فقالوا: لما أعرب (نعاسا) بدلا من (أمنة) كان القياس أن يتحدث عن البدل لا عن المبدل منه، لكنه تحدث هنا عن المبدل منه، فإذا قلت: (هند حسنها فاتن) كان الخبر عن حسنها- وأجاز بعضهم أن يخبر عن المبدل منه على ما خرج ابن عطية إعراب (نعاسا) و(تغشى) بقراءة التاء، واستدلوا على ذلك بقول الشاعر: إن السيوف غدّوها ورواحها تركت هوازن مثل قرن الأعضب إذ قال: (تركت) ولم يقل: (تركا). وردّ المعترضون بأن (غدوها ورواحها) انتصبا على الظرف لا على البدل. البحر المحيط 3/ 86-87.
[3630]:- [حمية الجاهلية] من الآية (26) من سورة الفتح- و[تبرج الجاهلية] من الآية (33) من سورة الأحزاب.
[3631]:- قال الزمخشري: "وظن الجاهلية كقولك: حاتم الجود، ورجل صدق، تريد الظن المختص بالملة الجاهلية، ويجوز أن يراد: ظن أهل الجاهلية: أي لا يظن مثل ذلك الظن إلا أهل الشرك الجاهلون بالله".
[3632]:- وعلى الرأيين يكون الاستفهام في الآية معناه النفي، وقال بعضهم: الصواب أنه حقيقي و(من) في كلامهم (من شيء) زائدة للتأكيد.
[3633]:- والتأكيد بكلمة (كل) – وبلفظ (إن) إنما هو لمقابلة التأكيد في كلامهم بزيادة (من)
[3634]:- هو معتب بن قشير-مصغرا- بن بليل، وقيل: مليل الأنصاري الأوسي، ذكروه فيمن شهد العقبة وبدرا وأحدا وقيل: إنه كان منافقا ثم تاب. وهو القائل يوم أحد: "لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا". "الإصابة" و"الاستيعاب".
[3635]:- الاستيعاب: 1429 (ط.مصر).
[3636]:- هذا النوع يسمى عند علماء البيان الاحتجاج الفطري، وهو أن يذكر المتكلم معنى ثم يستدل عليه بضروب من المعقول، كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة}، ومنه قول الشاعر: جرى القضاء بما فيه فإن تلم فلا ملام على ما خط بالقلم
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا سغشى طائفة منكم }

الضمير في قوله : { ثم أنزل } ضمير اسم الجلالة ، وهو يرجّح كون الضمير { أثابكم } مثله لئلا يكون هذا رجوعاً إلى سياق الضمائر المتقدّمة من قوله : { ولقد صدقكم الله وعده } والمعنى ثمّ أغشاكم بالنعاس بعد الهزيمة . وسمّي الأغشاء إنزالاً لأنّه لمّا كان نعاساً مقدّراً من الله لحكمة خاصّة ، كان كالنازل من العوالم المشرّفة كما يقال : نزلت السكينة .

والأمَنةُ بفتح الميم الأمن ، والنعاس : النوم الخفيف أو أوّل النَّوم ، وهو يزيل التعب ولا يغيّب صاحبه ، فلذلك كان أمنة إذ لو ناموا نوماً ثقيلاً لأخذوا ، قال أبو طلحة الأنصاري ، والزبير ، وأنس بن مالك : غشينا نعاس حتَّى أنّ السيف ليسقط من يد أحدنا . وقد استجدّوا بذلك نشاطهم ، ونسوا حزنهم ، لأنّ الحزن تبتدىء خفّته بعد أوّل نومة تعفيه ، كما هو مشاهد في أحزان الموت وغيرها . و ( نعاساً ) بَدل على ( أمنة ) بدل مطابق .

وكان مقتضى الظاهر أن يقدّم النعاس ويؤخّر أمنة : لأنّ أمنة بمنزلة الصفة أو المفعول لأجله فحقّه التقديم على المفعول كما جاء في آية [ الأنفال : 11 ] : { إذ يغشيكم النعاس أمنة منه } ولكنّه قدّم الأمنة هنا تشريفاً لشأنها لأنَّها جعلت كالمنزل من الله لنصرهم ، فهو كالسكينة ، فناسب أن يجعل هو مفعول أنزل ، ويجعل النعاس بدلاً منه .

وقرأ الجمهور : يَغشى بالتحتية على أنّ الضّمير عائد إلى نعاس ، وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف بالفوقية بإعادة الضّمير إلى أمَنة ، ولذلك وصفها بقوله : { منكم } .

{ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بالله غَيْرَ الحق ظَنَّ الجاهلية يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَىْءٍ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فى أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَىْءٌ مَّا قُتِلْنَا هاهنا } .

لمّا ذكر حال طائفة المؤمنين ، تخلّص منه لذكر حال طائفة المنافقين ، كما علم من المقابلة ، ومن قوله : { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } ، ومِن ترك وصفها بمنكم كما وصف الأولى .

{ وطائفة } مبتدأ وصف بجملة { قد أهمتهم أنفسهم } . وخبره جملة { يظنون بالله غير الحق } والجملة من قوله : { وطائفة قد أهمتهم } إلى قوله : { والله عليم بذات الصدور } اعتراض بين جملة { ثم أنزل عليكم } الآية . وجملة { إن الذين تولوا منكم } [ آل عمران : 155 ] الآية .

ومعنى { أهمتهم أنفسهم } أي حَدّثتهم أنفسهم بما يدخل عليهم الهَمّ وذلك بعدم رضاهم بقدر الله ، وبشدّة تلّهفهم على ما أصابهم وتحسّرهم على ما فاتهم مِمّا يظّنونه منجياً لهم لو عملوه : أي من الندم على ما فات ، وإذ كانوا كذلك كانت نفوسهم في اضطراب وتحرّق يمنعهم من الاطمئنان ومن المنام ، وهذا كقوله الآتي : { ليجعل اللَّه ذلك حسرة في قلوبهم } [ آل عمران : 156 ] . وقيل معنى { أهمّتهم } أدخلت عليهم الهَمّ بالكفر والارتداد ، وكان رأسُ هذه الطائفة معتّب بن قشير .

وجملة { يظنون بالله غير الحق } إمَّا استئناف بياني نشأ عن قوله : { قد أهمتهم أنفسهم } وإمَّا حال من ( طائفة ) . ومعنى { يظنون بالله غير الحق } أنَّهم ذهبت بهم هواجسهم إلى أن ظنوا بالله ظنوناً باطلة من أوهام الجاهلية . وفي هذا تعريض بأنَّهم لم يزالوا على جاهليتهم لم يخلصوا الدين لله ، وقد بيّن بعض ما لهم الظنّ بقوله : { يقولون هل لنا من الأمر من شيء } وهل للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي ، بقرينة زيادة ( من ) قبل النكرة ، وهي من خصائص النفي ، وهو تبرئة لأنفسهم من أن يكونوا سبباً في مقابلة العدوّ . حتَّى نشأ عنه ما نشأ ، وتعريض بأنّ الخروج للقتال يوم أحُدُ خطأ وغرور ، ويظنّون أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم ليس برسول إذ لو كان لكان مؤيّداً بالنصر .

والقول في { هل لنا من الأمر من شيء } كالقول في { ليس لك من الأمر شيء } [ آل عمران : 128 ] المتقدّم آنفاً . والمراد بالأمر هنا شأن الخروج إلى القتال ، والأمر بمعنى السيادة الذي منه الإمارة ، ومنه أولو الأمر .

وجملة { يقولون هل لنا من الأمر من شيء } بدل اشتمال من جملة { يظنّون } لأنّ ظنّ الجاهلية يشتمل على معنى هذا القول . ومعنى { لو كان لنا من الأمر شيء } أي من شأن الخروج إلى القتال ، أو من أمر تدبير النَّاس شيء ، أي رأي ما قتلنا ههنا ، أي ما قتل قومنا . وليس المراد انتفاء القتل مع الخروج إلى القتال في أحُدُ ، بل المراد انتفاء الخروج إلى أحُدُ الَّذي كان سبباً في قتل من قُتل ، كما تدلّ عليه قرينة الإشارة بقوله : ( ههنا ) ، فالكلام كناية . وهذا القول قاله عبد الله بن أُبَي ابن سلول لمّا أخبروه بمن استشهد من الخزرج يومئذ ، وهذا تنصّل من أسباب الحرب وتعريض بالنَّبيء ومن أشار بالخروج من المؤمنين الَّذين رغبوا في إحدى الحسنيين .

وإنَّما كان هذا الظنّ غيرَ الحقّ لأنَّه تخليط في معرفة صفات الله وصفات رسوله وما يجوز وما يستحيل ، فإنّ لله أمراً وهدياً وله قدَر وتيسير ، وكذلك لرسوله الدعوة والتشريع وبذل الجهد في تأييد الدّين وهو في ذلك معصوم ، وليس معصوماً من جريان الأسباب الدنيوية عليه ، ومن أن يكون الحرب بينه وبين عدوّه سجالاً ، قال أبو سفيان لهرقل وقد سأله : كيف كان قتالكم له ؟ فقال أبو سفيان : ينال منّا وننال منه ، فقال هرقل : وكذلك الإيمان حتَّى يتمّ . فظنّهم ذلك ليس بحقّ .

وقد بيّن الله تعالى أنَّه ظنّ الجاهلية الَّذين لم يعرفوا الإيمان أصلاً فهؤلاء المتظاهرون بالإيمان لم يدخل الإيمان في قلوبهم فبقيت معارفهم كما هي من عهد الجاهلية ، والجاهلية صفة جرت على موصوف محذوف يقدّر بالفئة أو الجماعة ، وربما أريد به حالة الجاهلية في قولهم أهل الجاهلية ، وقوله تعالى : { تبرّج الجاهلية الأولى } ، والظاهر أنَّه نسبة إلى الجاهل أي الَّذي لا يعلم الدين والتَّوحيد ، فإنّ العرب أطلقت الجهل على ما قابل الحلم ، قال ابن الرومي :

بجهل كجهل السيف والسيف منتضى *** وحلم كحلم السيف والسيف مغمد

وأطلقت الجهل على عدم العلم قال السموأل :

فليسَ سواء عالم وجَهول

وقال النابغة :

وليس جَاهل شيءٍ مثلَ مَن علما

وأحسب أن لفظ الجاهلية من مبتكرات القرآن ، وصف به أهل الشرك تنفيراً من الجهل ، وترغيباً في العلم ، ولذلك يذكره القرآن في مقامات الذمّ في نحو قوله : { أفحكم الجاهلية يبغون } [ المائدة : 50 ] { ولاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الجاهليّة الأولى } [ الأحزاب : 33 ] { إذ جعل الَّذين كفروا في قلوبهم الحَمِيَّة حَمِيَّة الجَاهلية } [ الفتح : 26 ] . وقال ابن عبَّاس : سمعت أبي في الجاهلية يقول : اسقنا كأساً دِهاقاً ، وفي حديث حكيم بن حِزام : أنَّه سأل النَّبيء صلى الله عليه وسلم عن أشياء كان يتحنّث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم . وقالوا : شعر الجاهلية ، وأيَّامُ الجاهلية . ولم يسمع ذلك كُلّه إلاّ بعد نزول القرآن وفي كلام المسلمين .

وقوله : { غير الحق } منتصب على أنَّه مفعول { يظنّون } كأنَّه قيل الباطلَ . وانتصب قوله : { ظن الجاهلية } على المصدر المبيّن للنوع إذ كلّ أحد يعرف عقائد الجاهلية إن كان متلبِّساً بها أو تاركاً بها .

وجملة { يخفون } حال من الضّمير في { يقولون } أي يقولون ذلك في حال نيّتهم غيرَ ظَاهِرِه ، ف { يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك } إعلان بنفاقهم ، وأنّ قولهم : { هل لنا من الأمر من شيء } وقولهم : { لو كان من الأمر شيء ما قتلنا ههنا } هو وإن كان ظاهره صورة العتاب عن ترك مشورتهم فنِيَّتهم منه تخطئة النَّبيء في خروجه بالمسلمين إلى أُحُد ، وأنَّهم أسدّ رأياً منه .

وجملة { يقولون لو كان لنا من الأمر شيء } بدل اشتمال من جملة { يخفون في أنفسهم } إذ كانوا قد قالوا ذلك فيما بينهم ولم يظهروه ، أو هي بيان لجملة { يقولون هل لنا من الأمر من شيء } إذا أظهروا قولهم للمسلمين ، فترجع الجملة إلى معنى بدل الاشتمال من جملة { يظنّون } لأنها لما بينت جملة هي بدل فهي أيضا كالتي بينتها ، وهذا أظهر لأجل قوله بعدَه : { قل لو كنتم في بيوتكم } فإنَّه يقتضي أنّ تلك القالة فشت وبلغت الرسولَ ، ولا يحسن كون جملة { يقولون لو كان } إلى آخره مستأنفة خلافا لما في « الكشاف » .

وهذه المقالة صدرت من مُعَتِّب بن قُشير قال الزبير بن العوّام : غشيني النُّعاس فسمعت معتّب بن قشير يقول : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا . فحكى القرآن مقالته كما قالها ، وأسندت إلى جميعهم لأنَّهم سمعوها ورضوا بها .

وجملة { قل إن الأمر كله لله } ردّ عليهم هذا العذر الباطل أي أنّ الله ورسوله غير محتاجين إلى أمركم . والجملة معترضة . وقرأ الجمهور : كلَّه بالنصب تأكيداً لاسم إنّ ، وقرأه أبو عمرو ، ويعقوب بالرفع على نيّة الابتداء .

والجملةُ خبر إنّ .

{ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الذين كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتل إلى مَضَاجِعِهِمْ } .

لقن الله رسوله الجواب عن قولهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا . والجواب إبطال لقولهم ، وتعليم للمؤمنين لدفع ما عسى أن يقع في نفوسهم من الريب ، إذا سمعوا كلام المنافقين ، أو هو جواب للمنافقين ويحصل به علم للمؤمنين . وفُصلت الجملة جرياً على حكاية المقاولة كما قرّرنا غير مرّة . وهذا الجواب جار على الحقيقة وهي جريان الأشياء على قَدر من الله والتسليمِ لذلك بعد استفراغ الجهد في مصادفة المأمول ، فليس هذا الجواب ونظائره بمقتض ترك الأسباب ، لأنّ قدر الله تعالى وقضاءه غير معلومَين لنا إلاّ بعد الوقوع ، فنحن مأمورون بالسعي فيما عساه أن يكون كاشفاً عن مصادفة قدر الله لمأمولنا ، فإن استفرغنا جهودنا وحُرمنا المأمول ، علمنا أنّ قدر الله جرى من قبل على خلاف مرادنا . فأمَّا ترك الأسباب فليس من شأننا ، وهو مخالف لما أراد الله منّا ، وإعراض عمّا أقامنا الله فيه في هذا العالم وهو تحريف لمعنى القدَر . والمعنى : لو لم تكونوا ههنا وكنتم في بيوتكم لخرج الَّذين كتب الله عليهم أن يموتوا مقتولين فقتلوا في مضاجعهم الَّتي اضطجعوا فيها يوم أُحُد أي مصارعهم فالمراد بقوله : { كتب } قدّر ، ومعنى { برز } خرج إلى البراز وهو الأرض .

وقرأ الجمهور باء ( بيوتكم ) بالكسر . وقرأه أبو عمرو ، وورش عن نافع ، وحفص ، وأبو جعفر بالضم .

والمضاجع جمع مضجع بفتح الميم وفتح الجيم وهو محلّ الضجوع ، والضجوع : وضع الجنب بالأرض للراحة والنَّوم ، وفعله من باب منع ومصدره القياسي الضجْع ، وأمَّا الضجوع فغير قياسي ، ثمّ غلب إطلاق المضجع على مكان النَّوم قال تعالى : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } [ السجدة : 16 ] وفي حديث أمّ زرع : « مَضْجَعه كمَسلّ شَطْبَة » فحقيقة الضجوع هو وضع الجنب للنَّوم والراحة وأطلق هنا على مصارع القتلى على سبيل الاستعارة ، وحسّنها أنّ الشهداء أحياء ، فهو استعارة أو مشاكلة تقديرية لأنّ قولهم ، ما قُتلنا ههنا يتضمَّن معنى أنّ الشهداء كانوا يَبْقون في بيوتهم متمتَّعين بفروشهم .

{ وَلِيَبْتَلِىَ الله مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } .

{ وليبتلي الله ما في صدوركم } عطف على قوله : { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } [ آل عمران : 153 ] وما بينهما جمل بعضها عطف على الجملة المعلّلة ، وبعضها معترضة ، فهو خطاب للمؤمنين لا محالة ، وهو علَّة ثانية لقوله : { فأثابكم غما بغم } [ آل عمران : 153 ] .

والصّدُور هنا بمعنى الضّمائر ، والابتلاءُ : الاختبار ، وهو هنا كناية عن أثره ، وهو إظهاره للنَّاس والحجّة على أصحاب تلك الضّمائر بقرينة قوله : { والله عليم بذات الصدور } كما تقدّم في قوله تعالى : { وليعلم اللَّه الذين ءامنوا } [ آل عمران : 140 ] .

والتمحيص تخليص الشيء ممَّا يخالطه ممَّا فيه عيب له فهو كالتزكية . والقلوب هنا بمعنى العقائد ، ومعنى تمحيص ما فيه قلوبهم تطهيرها ممَّا يخامرها من الريب حين سماع شُبه المنافقين الّتي يبثُّونها بينهم .

وأطلق الصدور على الضّمائر لأنّ الصدر في كلام العرب يطلق على الإحساس الباطني ، وفي الحديث : « الإثم ما حاك في الصّدر » وأطلق القلب على الاعتقاد لأنّ القلب في لسان العرب هو ما به يحصّل التفكّر والاعتقاد . وعُدّي إلى الصّدور فعل الابتلاء لأنَّه اختبار الأخلاق والضّمائر : ما فيها من خير وشَرّ ، وليتميّز ما في النفس . وَعُدِّيَ إلى القلوب فعل التمحيص لأنّ الظنون والعقائد محتاجة إلى التمحيص لتكون مصدر كلّ خير .