المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (92)

92- لن تنالوا - أيها المؤمنون - الخير الكامل الذي تطلبونه ويرضاه الله تعالى ، إلا إذا بذلتم مما تحبون وأنفقتموه في سُبُل الله المتنوعة ، وإن كان الذي تنفقونه قليلا أو كثيراً ، نفيساً أو غيره ، فإن الله يعلمه لأنه العليم الذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (92)

قوله تعالى : { لن تنالوا البر } يعني الجنة ، قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد ، وقال مقاتل بن حيان التقوى ، وقيل : الطاعة ، وقيل : الخير ، وقال الحسن : لن تكونوا أبراراً .

أخبرنا محمد بن عبد الله النعيمي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا محمد بن حماد الصالحي قال : أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً " .

قوله تعالى : { حتى تنفقوا مما تحبون } أي من أحب أموالكم إليكم ، روى الضحاك عن ابن عباس : أن المراد منه أداء الزكاة . وقال مجاهد والكلبي : هذه الآية نسختها آية الزكاة ، وقال الحسن : كل إنفاق يبتغي به المسلم وجه الله حتى الثمرة ينال به هذا البر ، وقال عطاء ( لن تنالوا البر ) أي شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحا أشحاء .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحق الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول : " كان أبو طلحة الأنصاري أكثر الأنصار بالمدينة مالاً ، وكان أحب ماله إليه بيرحا ، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال انس : فلما نزلت هذه الآية ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الله تعالى يقول في كتابه ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وإن أحب أموالي إلي بيرحا ، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث شئت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ بخ ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت فيها ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ، فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه " .

وروي عن مجاهد قال : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت فدعا بها فأعجبته ، فقال : إن الله عز وجل يقول ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) فأعتقها عمر .

وعن حمزة بن عبد الله بن عمر قال : خطرت على قلب عبد الله بن عمر هذه الآية ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) قال ابن عمر : فذكرت ما أعطاني الله عز وجل ، فما كان شيء أعجب إلي من فلانة ، هي حرة لوجه الله تعالى ، قال : لولا أنني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها .

قوله تعالى : { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } . أي يعلمه ويجازي به .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (92)

{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

هذا حث من الله لعباده على الإنفاق في طرق الخيرات ، فقال { لن تنالوا } أي : تدركوا وتبلغوا البر الذي هو كل خير من أنواع الطاعات وأنواع المثوبات الموصل لصاحبه إلى الجنة ، { حتى تنفقوا مما تحبون } أي : من أموالكم النفيسة التي تحبها نفوسكم ، فإنكم إذا قدمتم محبة الله على محبة الأموال فبذلتموها في مرضاته ، دل ذلك على إيمانكم الصادق وبر قلوبكم ويقين تقواكم ، فيدخل في ذلك إنفاق نفائس الأموال ، والإنفاق في حال حاجة المنفق إلى ما أنفقه ، والإنفاق في حال الصحة ، ودلت الآية أن العبد بحسب إنفاقه للمحبوبات يكون بره ، وأنه ينقص من بره بحسب ما نقص من ذلك ، ولما كان الإنفاق على أي : وجه كان مثابا عليه العبد ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، محبوبا للنفس أم لا ، وكان قوله { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } مما يوهم أن إنفاق غير هذا المقيد غير نافع ، احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } فلا يضيق عليكم ، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (92)

{ لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ }

تنالوا : من النيل وهو إصابة الشيء والحصول عليه . يقال نال ينال نيلا ، إذا أصاب الشىء ووجده وحصل عليه .

والبر : الإحسان وكمال الخير . وأصله التوسع فى فعل الخير . يقال : بر العبد ربه أى توسع فى طاعته .

والإنفاق البذل ، ومنه إنفاق المار . وعن الحسن : كل شىء أنفقه المسلم من ماله يبتغى به وجه الله ويطلب ثوابه حتى التمرة يدخل فى هذه الآية .

والمعنى : لن تنالوا حقيقة البر ، ولن تبلغوا ثوابه الجزيل الذى يوصلكم إلى رضا الله ، وإلى جنته التى أعدها لعباده الصالحين ، إلا إذا بذلتم مما تحبونه وتؤثرونه من الأموال وغيرها فى سبيل الله ، وما تنفقوا من شيء - ولو قليلا - فإن الله به عليم ، وسيجازيكم عليه بأكثر مما أنفقتم وبذلتم .

ولقد حكى لنا التاريخ كثيرا من صور البذل والإنفاق التى قام بها السلف الصالح من أجل رضا الله وإعلاء كلمته ، ومن ذلك ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بير حاء - موضع بالمدينة - وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء طيب فيها . قال أنس : " فلما أنزلت هذه الآية : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون . . . ، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الله - تعالى - يقول في كتابه { لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحب أموالى إلى بير حاء ، وإنها صدقة لله - تعالى - أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ بخ - كلمة استحسان ومدح - ذلك مال رابح - أى ذو ربح - ذلك مال رباح . وقد سمعت ما قلت . وإنى أرى أن تجعلها فى الأقربين . قال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله . فقسمها أبو طلحة فى أقاربه وبنى عمه " .

قال القرطبى : " وكذلك فعل زيد بن حارثة ، عمد مما يحب إلى فرس له يقال له " سَبل " وقال : اللهم إنك تعلم أنه ليس لى مال أحب إلى من فرسى هذه ، فجاء بها إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : هذا في سبيل الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد : أقبضه ، فكأن زيدا وجد من ذلك فى نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله قد قبلها منك " " .

وأعتق عبد الله بن عمر نافعاً مولاه ، وكان أعطاه فيه عبد الله بن جعفر ألف دينار ، قالت صفية بنت أبى عبيد : أظنه تأول قول الله - تعالى - { لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } .

وقال الحسن البصرى : إنكم لن تنالوا ما تحبون إلا بترك ما تشتهون ، ولا تدركون ما تؤملون إلا بالصبر على ما تكرهون .

وهكذا نرى أن السلف الصالح قد قدموا ما يحبون من أموالهم وغيرها تقربا إلى الله - تعالى - وشكراً له على نعمائه وعطائه ، فرضى الله عنهم وأرضاهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (92)

[ روى وَكِيع في تفسيره عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ } قال : البر الجنة ]{[5297]} وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، سمع أنس بن مالك يقول : كان أبو طلحة أكثر أنصاري{[5298]} بالمدينة مالا وكانَ أحبَّ أمواله إليه بيْرَحاءُ - وكانت مُسْتقْبلة المسجد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب - قال أنس : فلما نزلت : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } قال أبو طلحة : يا رسول الله ، إن الله يقول : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحبَّ أموالي إلَيَّ بيْرَحاءُ وإنها صدقة لله أرجو بِرَّها وذُخْرَها عند الله تعالى ، فَضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله [ تعالى ]{[5299]} فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بَخٍ ، ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ ، ذَاكَ مَالٌ رَابِح ، وَقَدْ سَمِعْتُ ، وَأَنَا أرَى أنْ تجْعَلَهَا فِي الأقْرَبِينَ " . فقال أبو طلحة : أفْعَلُ يا رسول الله . فَقَسَمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه . أخرجاه{[5300]} .

وفي الصحيحين أن عُمَر [ رضي الله عنه ]{[5301]} قال : يا رسول الله ، لم أُصِبْ مالا قطُّ هو أنْفَسُ عندي من سهمي الذي هو بِخَيْبَرَ ، فما تأمرني به ؟ قال{[5302]} حَبِّس الأصْل{[5303]} وسَبِّل الثَّمَرَةَ " {[5304]} .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى الحَساني ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن عمْرو ، عن أبي عمرو بن حَماس عن حمزة بن عبد الله بن عُمر ، قال : قال عبد الله : حضرتني هذه الآية : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } فذكرتُ ما أعطاني الله ، فلم أجد شيئًا أحبَّ إليّ من جارية رُوميَّة ، فقلتُ ، هي حُرَّة لوجه الله . فلو أنِّي أعود في شيء جعلته لله لنكَحْتُها ، يعني تَزوَّجتُها{[5305]} .


[5297]:زيادة من و.
[5298]:في جـ، أ: "أكثر الأنصار"، وفي ر، و: "أكبر أنصاري".
[5299]:زيادة من جـ.
[5300]:المسند (3/141) وصحيح البخاري برقم (1461، 2752، 2318، 2769، 5611، 4554) وصحيح مسلم برقم (998).
[5301]:زيادة من و.
[5302]:في أ، و: "فقال".
[5303]:في جـ: "الأرض".
[5304]:لم أجده فيهما، وقد رواه النسائي في السنن (2/232) والدارقطني في السنن (4/193) من طريق سفيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال: فذكره.
[5305]:مسند البزار برقم (2914) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (6/326): "ورواه البزار وفيه من لم أعرفه".