المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِي وَلِأُتِمَّ نِعۡمَتِي عَلَيۡكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (150)

150- والتزم أمر الله في القبلة واحرص عليه أنت وأمتك ، فاجعل وجهك في ناحية المسجد الحرام من كل مكان خرجت إليه في أسفارك ، واستقبلوه حيثما كنتم من أقطار الأرض مسافرين أو مقيمين ، لينقطع ما يحاجّكم به المخالفون ويجادلونكم به ، وإذا لم تمتثلوا لأمر هذا التحويل فسيقول اليهود : كيف يصلي محمد إلى بيت المقدس والنبي المنعوت في كتبنا من أوصافه التحول إلى الكعبة ؟ وسيقول المشركون العرب كيف يدعى ملة إبراهيم ويخالف قبلته ؟ على أن الظالمين الزائغين عن الحق من الجانبين لن ينقطع جدالهم وضلالهم ، بل سيقولون : ما تحوَّل إلى الكعبة إلا مَيْلا إلى دين قومه وحباً لبلده ، فلا تبالوا بهم فإن مطاعنهم لا تضركم ، وَاخْشَوْنِ فلا تخالفوا أمري ، وقد أردنا بهذا الأمر أن نتم النعمة عليكم وأن تكون هذه القبلة التي وجهناكم إليها أدعى إلى ثباتكم على الهداية والتوفيق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِي وَلِأُتِمَّ نِعۡمَتِي عَلَيۡكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (150)

{ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } كرر هذا الحكم لتعدد علله ، فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل . تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بابتغاء مرضاته ، وجري العادة الإلهية على أن يولي أهل كل ملة وصاحب دعوة وجهة يستقبلها ويتميز بها ودفع حجج المخالفين على ما نبينه . وقرن بكل علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله تقريبا وتقريرا ، مع أن القبلة لها شأن . والنسخ من مظان الفتنة والشبهة فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى . { لئلا يكون للناس عليكم حجة } علة لقوله { فولوا } ، والمعنى أن التولية عن الصخرة إلى الكعبة تدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة ، وأن محمدا يجحد ديننا ويتبعنا في قبلتنا . والمشركين بأنه يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته { إلا الذين ظلموا منهم } استثناء من الناس ، أي لئلا يكون لأحد من الناس حجة إلا المعاندين منهم بإنهم يقولون ، ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبا لبلده ، أو بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم . وسمى هذه حجة كقوله تعالى : { حجتهم داحضة عند ربهم } لأنهم يسوقونها مساقها . وقيل الحجة بمعنى الاحتجاج . وقيل الاستثناء للمبالغة في نفي الحجة رأسا كقوله :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلول من قراع الكتائب

للعلم بأن الظالم لا حجة له ، وقرئ : { إلا الذين ظلموا منهم } . على أنه استئناف بحرف التنبيه . { فلا تخشوهم } فلا تخافوهم ، فإن مطاعنهم لا تضركم . { واخشوني } فلا تخالفوا ما أمرتكم به . { ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون } علة محذوف أي وأمرتكم لإتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتدائكم ، أو عطف على علة مقدرة مثل واخشوني لأحفظكم منهم ولأتم نعمتي عليكم ، أو لئلا يكون وفي الحديث " تمام النعمة دخول الجنة " . وعن علي رضي الله تعالى عنه " تمام النعمة الموت على الإسلام " .