تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِي وَلِأُتِمَّ نِعۡمَتِي عَلَيۡكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (150)

149

{ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره . . . }

المفردات :

ومن حيث خرجت : حيث ظرف مكان أي ومن أية جهة خرجت .

فول وجهك شطر المسجد الحرام : أي فوجه وجهك جهة المسجد الحرام .

التفسير :

وهو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام من حيث خرج ، وإلى المسلمين أن يولوا وجوههم شطره حيثما كانوا ، وبيان لعلة هذا التوجيه :

لئلا يكون للناس عليكم حجة :

والمراد من الناس اليهود ومن لف لفهم من المناوئين للدعوة الإسلامية .

والمعنى : عليك أيها النبي ومن معك من المؤمنين أن تتجهوا في صلاتكم إلى الكعبة المشرفة ، لكي تقطعوا دابر فتنة اليهود وحجتهم ، فقد قالوا لكم وقت اتجاهكم إلى بيت المقدس ، إذا كان لكم أيها المسلمون دين يخالف ديننا فلماذا تتجهون إلى قبلتنا ، إلى غير ذلك من أقوالهم الفاسدة ، فاتجاهكم إلى المسجد الحرام من شأنه أن يزيل هذه الحجة التي قد تبدو مقبولة في نظر ضعاف العقول .

إلا الذين ظلموا منهم :

وهذه الجملة استثناء من الناس ، والمعنى لئلا يكون لأحد من اليهود حجة عليكم ، إلا المعاندين منهم القائلين ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا حبّا لدين قومه واشتياقا لمكة . وهؤلاء الظالمون لا يقفون عند الحجة والمنطق ، وإنما ينساقون من العناد واللجاج ، فهؤلاء لا سبيل إلى إسكاتهم فسيظلون إذن في لجاجهم فلا على المسلمين منهم .

فلا تخشوهم واخشوني :

فلا تحفلوا بهم فتميلوا عما جاءكم من عندي ، فأنا الذي أستحق الخشية بما أملك من أمركم في الدنيا والآخرة .

ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون :

أي وأمرتكم بذلك لأتم نعمتي عليكم ، ولعلكم تهتدون بامتثال ما أمرتكم به إلى سعادة الدارين .

ومن تمام نعمة الله على المسلمين : جمع الكلمة ، وتوحيد الصف ، وتوحيد القبلة ، وتوحيد الهدف ، وتغيير معالم الجاهلية وما فيه من شقاق ونزاع وخلاف إلى معالم الإسلام وما فيه من إيمان ، ورحمة ووحدة وعزة .

وقد كان المسلمون يجدون أثر النعمة في حياتهم العامة كما وجدوه في قلوبهم وفي مكانهم من الأمم حولهم .

ونجد في تكرار الأمر بشأن القبلة الجديدة معنى جديدا في كل مرة ، في المرة الأولى كان الأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام استجابة فلرغبة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد تقلب وجهه في السماء وضراعته الصامتة إلى ربه في قوله سبحانه :

قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام . ( البقرة : 144 ) .

وفي المرة الثانية كان لإثبات أنه الحق من ربه في قوله تعالى :

ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك ( البقرة : 149 ) .

وفي المرة الثالثة كان لقطع حجة الناس والتهوين من شأن من لا يقف عند الحق والحجة . . في قوله تعالى :

ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا فلا تخشوهم واخشوني( البقرة : 150 ) .

وقال القرطبي نقلا عن غيره في تعليل التكرار :

إن موقع التحويل كان معنتا في نفوسهم جدا فأكد الأمر ، ليرى الناس الاهتمام به ، فيخفف عليهم ، وتسكن نفوسهم إليه . ويمكن حمل التكرار على أن الآية الأولى :

فول وجهك شطر المسجد الحرام . لتشريع تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة .

وقوله بعد ذلك :

ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام . لتشريع الاتجاه إليها في الأسفار .

وقوله : وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره . لتشريع الاتجاه إليها من المقيمين في بقاع الأرض المختلفة .