تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِي وَلِأُتِمَّ نِعۡمَتِي عَلَيۡكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (150)

الآية 150 وقوله تعالى : ( ومن حيث خرجت ) على ما ذكرنا{[1735]} وقوله : ( وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) خاطب الكل ، وأمرهم بالتوجه إليه حيث ما كانوا حتى لا يكون هو المخصوص به دونهم .

وقوله : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) ؛ تأويل هذا الكلام ، [ والله أعلم ]{[1736]} ، أنه لما اختار اليهود ناحية المغرب قبلة والنصارى ناحية المشرق بهواهم ، أنزل الله عز وجل : [ ( لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) ]{[1737]} [ البقرة : 142 ] ، وقال : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) [ البقرة : 115 ] ؛ عذرهم وحجاجهم بما في كتب لهم أنه يحولهم ، وذلك معنى قوله : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) .

[ ثم اختلف في قوله : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا ) ]{[1738]} ؛ قيل : أراد بالناس أهل الكتاب ، وأراد بالذين ظلموا غيرهم من الكفرة . وتأويله : لئلا يكون لأهل الكتاب حجة ولا الذين ظلموا ، وقيل : ( لئلا يكون للناس ) يعني أهل الكتاب ( عليكم حجة ) ، فيقولوا : ليس هذا الوصف في كتبهم : أنه يصلى إلى بيت المقدس وقتا ، ثم يتحول إلى الكعبة ، ( إلا الذين ظلموا ) ؛ يقول : إلا من ظلم منهم عليكم في الكلام بلا حجة [ ولا دليل ]{[1739]} ، [ فيقولوا : ليس هذا الوصف ]{[1740]} . ومثل هذا جائز في الكلام : يقول [ رجل ]{[1741]} لآخر : ليس لك علي حجة إلا أن تظلمني بلا حجة ، وقال الفراء : هذا كما يقول الرجل لآخر : الناس لك حامدون إلا المعتدي عليك . صواب في المعنى ، خطأ في العربية ، وذكر بيتا يدل على الجواز :

ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروان{[1742]}

[ بمعنى ولا دار مروان ]{[1743]} وقيل أيضا : ( إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ) على القطع من الأول والابتداء بهذا : أي لا تخشوا الذين ظلموا في الضرر لكم ، ولكن اخشوني في ترككم إياها ، ويقال : لا تخشوهم بالقتال والغلبة ؛ فذلك لهم منة أمن من{[1744]} الأعداء . وعلى هذا يخرج قوله : ( ولأتم نعمتي عليكم ) يعني [ الأمن من ]{[1745]} الأعداء . أو أراد بالنعمة كل نعمة من الإسلام والنصر وغيره ( ولعلكم تهتدون ) القبلة ، وتهتدون الإرشاد والصواب .


[1735]:- كان ذلك في تفسير الآية 149.
[1736]:- من ط ع و ط م، ساقطة من الأصل.
[1737]:- من ط ع، في الأصل: (لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء) في ط م: (لله المشرق والمغرب) الآية (يهدي من يشاء).
[1738]:من ط ع و م، ساقطة من الأصل، وأدرج قبلها في ط ع: وقوله (إلا الذين ظلموا).
[1739]:- من ط ع و م.
[1740]:- ساقطة من م، وأدرج بعدها في الأصل: ولا دليل.
[1741]:- ساقطة من النسخ الثلاث.
[1742]:- نسب هذا البيت في: كتاب سيبويه إلى الفرزدق 2/ 340، والمقصود بالخليفة، مروان بن الحكم.
[1743]:-من ط ع و م.
[1744]:- في النسخ الثلاث: عن.
[1745]:- من ط ع، في الأصل و م: لا من.