المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (93)

93- وحينما جاءكم بالتوراة ، ورأيتم ما فيها من تكاليف شاقة ، فاستثقلتم أعباءها وارتبتم فيها ، أراكم الله آية على صدق هذا الكتاب وفائدة تعاليمه لكم ، فرفع جبل الطور فوق رءوسكم حتى صار كأنه ظُلَّة وظننتم أنه واقع بكم ، وحينئذٍ أعلنتم القبول والطاعة ، فأخذنا عليكم ميثاقاً ألا يأخذكم هوى في الامتثال لما جاء في هذا الكتاب ، فقلتم : آمنا وسمعنا ، ولكن أعمالكم تكشف عن عصيانكم وتمردكم ، وأن الإيمان لم يخالط قلوبكم ، ولا يمكن أن يكون الإيمان قد خالط قلوب قوم شغفوا حباً بعبادة العجل . فلبئس ما دفعكم إليه إيمانكم إن كنتم مؤمنين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (93)

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا } أي : سماع قبول وطاعة واستجابة ، { قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي : صارت هذه حالتهم { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ }{[94]}  بسبب كفرهم .

{ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أي : أنتم تدعون الإيمان وتتمدحون بالدين الحق ، وأنتم قتلتم أنبياء الله ، واتخذتم العجل إلها من دون الله ، لما غاب عنكم موسى ، نبي الله ، ولم تقبلوا أوامره ونواهيه إلا بعد التهديد ورفع الطور فوقكم ، فالتزمتم بالقول ، ونقضتم بالفعل ، فما هذا الإيمان الذي ادعيتم ، وما هذا الدين ؟ .

فإن كان هذا إيمانا على زعمكم ، فبئس الإيمان الداعي صاحبه إلى الطغيان ، والكفر برسل الله ، وكثرة العصيان ، وقد عهد أن الإيمان الصحيح ، يأمر صاحبه بكل خير ، وينهاه عن كل شر ، فوضح بهذا كذبهم ، وتبين تناقضهم .


[94]:- في ب: وشربها.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (93)

75

ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة . بل كان هنالك الميثاق تحت الصخرة ، وكان هناك التمرد والمعصية :

( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور : خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا . قالوا : سمعنا وعصينا ، وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) . .

والسياق هنا يلتفت من الخطاب إلى الحكاية . . يخاطب بني إسرائيل بما كان منهم ، ويلتفت إلى المؤمنين - وإلى الناس جميعا - فيطلعهم على ما كان منهم . . ثم يلقن الرسول [ ص ] أن يجبههم بالترذيل والتبشيع لهذا اللون من الإيمان العجيب الذي يدعونه إن كان يأمرهم بكل هذا الكفر الصريح :

( قل : بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ! ) . .

ونقف هنا لحظة أمام التعبيرين المصورين العجيبين : ( قالوا : سمعنا وعصينا ) . . ( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) . .

إنهم قالوا : سمعنا . ولم يقولوا عصينا . ففيم إذن حكاية هذا القول عنهم هنا ؟ إنه التصوير الحي للواقع الصامت كأنه واقع ناطق . لقد قالوا بأفواههم : سمعنا . وقالوا بأعمالهم : عصينا . والواقع العملي هو الذي يمنح القول الشفوي دلالته . وهذه الدلالة أقوى من القول المنطوق . . وهذا التصوير الحي للواقع يومىء إلى مبدأ كلي من مباديء الإسلام : إنه لا قيمة لقول بلا عمل . إن العمل هو المعتبر . أو هي الوحدة بين الكلمة المنطوقة والحركة الواقعة ، وهي مناط الحكم والتقدير .

فأما الصورة الغليظة التي ترسمها : ( وأشربوا في قلوبهم العجل )فهي صورة فريدة . لقد أشربوا . أشربوا بفعل فاعل سواهم . أشربوا ماذا ؟ أشربوا العجل ! وأين أشربوه ؟ أشربوه في قلوبهم ! ويظل الخيال يتمثل تلك المحاولة العنيفة الغليظة ، وتلك الصورة الساخرة الهازئة : صورة العجل يدخل في القلوب إدخالا ، ويحشر فيها حشرا ، حتى ليكاد ينسى المعنى الذهني الذي جاءت هذه الصورة المجسمة لتؤديه ، وهو حبهم الشديد لعبادة العجل ، حتى لكأنهم أشربوه إشرابا في القلوب ! هنا تبدو قيمة التعبير القرآني المصور ، بالقياس .

إن التعبير الذهي المفسر . . إنه التصوير . . السمة البارزة في التعبير القرآني الجميل .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (93)

يعدد ، تبارك وتعالى ، عليهم خطأهم ومخالفتهم للميثاق وعتوهم وإعراضهم عنه ، حتى رفع الطور عليهم حتى قبلوه ثم خالفوه ؛ ولهذا قال : { قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } وقد تقدم تفسير ذلك . { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } قال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ [ بِكُفْرِهِمْ ]{[2179]} } قال : أشربوا [ في قلوبهم ]{[2180]} حبه ، حتى خلص ذلك إلى قلوبهم . وكذا قال أبو العالية ، والربيع بن أنس .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عصام بن خالد ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني ، عن خالد بن محمد الثقفي ، عن بلال بن أبي الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حُبُّك الشيء يُعْمِي ويُصم "

ورواه أبو داود عن حيوة بن شريح عن بَقِيَّة ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم به{[2181]} وقال السدي : أخذ موسى ، عليه السلام ، العجل فذبحه ثم حرقه بالمبرد ، ثم ذراه في البحر ، فلم يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء منه ، ثم قال لهم موسى : اشربوا منه . فشربوا ، فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب . فذلك حين يقول الله تعالى : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ }

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا إسرائيل{[2182]} عن أبي إسحاق ، عن عمارة بن عبد{[2183]} وأبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب ، قال : عمد موسى إلى العجل ، فوضع عليه المبارد ، فبرده بها ، وهو على شاطئ نهر ، فما شرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب{[2184]} .

وقال سعيد بن جبير : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } قال : لما أحرق العجل بُرِدَ ثم نسف ، فحسوا الماء حتى عادت وجوههم كالزعفران .

وحكى القرطبي عن كتاب القشيري : أنه ما شرب منه أحد ممن عبد العجل إلا جنَّ [ ثم قال القرطبي ]{[2185]} وهذا شيء غير ما هاهنا ؛ لأن المقصود من هذا السياق ، أنه ظهر النقير على شفاههم ووجوههم ، والمذكور هاهنا : أنهم أشربوا في قلوبهم حب العجل ، يعني : في حال عبادتهم له ، ثم أنشد قول النابغة في زوجته عثمة :

تغلغل حب عثمة في فؤادي *** فباديه مع الخافي يسير

تغلغل حيث لم يبلغ شراب*** ولا حزن ولم يبلغ سرور

أكاد إذا ذكرت العهد منها *** أطير لو أن إنسانا يطير

وقوله : { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أي : بئسما تعتمدونه في قديم الدهر وحديثه ، من كفركم بآيات الله ومخالفتكم الأنبياء ، ثم اعتمادكم في كفركم بمحمد صلى الله عليه وسلم - وهذا أكبر ذنوبكم ، وأشد الأمور عليكم - إذ كفرتم بخاتم الرسل وسيد الأنبياء والمرسلين المبعوث إلى الناس أجمعين ، فكيف تدّعون لأنفسكم الإيمان وقد فعلتم هذه الأفاعيل القبيحة ، من نقضكم المواثيق ، وكفركم بآيات الله ، وعبادتكم العجل ؟ !


[2179]:زيادة من جـ، ط، ب، و.
[2180]:زيادة من جـ، ط، ب، و.
[2181]:المسند (5/194) وسنن أبي داود برقم (5130).
[2182]:في أ: "حدثنا إسماعيل".
[2183]:في هـ: "عبد الله" وهو خطأ.
[2184]:تفسير ابن أبي حاتم (1/282).
[2185]:زيادة من أ، و.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (93)

{ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا } أي قلنا لهم : خذوا ما أمرتم به في التوراة بجد واسمعوا سماع طاعة .

{ قالوا سمعنا } قولك { وعصينا } أمرك { وأشربوا في قلوبهم العجل } تداخلهم حبه ورسخ في قلوبهم صورته ، لفرط شغفهم به ، كما يتداخل الصبغ الثوب ، والشراب أعماق البدن . وفي قلوبهم : بيان لمكان الإشراب كقوله تعالى : { إنما يأكلون في بطونهم نارا } { بكفرهم } بسبب كفرهم وذلك لأنهم كانوا مجسمة ، أو حلولية ولم يروا جسما أعجب منه ، فتمكن في قلوبهم ما سول لهم السامري { قل بئسما يأمركم به إيمانكم } أي بالتوراة ، والمخصوص بالذم محذوف نحو هذا الأمر ، أو ما يعمه وغيره من قبائحهم المعدودة في الآيات الثلاث إلزاما عليهم { إن كنتم مؤمنين } تقرير للقدح . في دعواهم الإيمان بالتوراة ، وتقديره إن كنتم مؤمنين بها لم يأمركم بهذه القبائح ولا يرخص لكم فيها إيمانكم بها ، أو إن كنتم مؤمنين بها فبئسما يأمركم به إيمانكم بها ، لأن المؤمن ينبغي أن لا يتعاطى إلا ما يقتضيه إيمانه ، لكن الإيمان بها لا يأمر به ، فإذا لستم بمؤمنين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (93)

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }( 93 )

وقد تقدم ذكر أخذ الميثاق ورفع الطور .

وقوله تعالى : { خذوا ما آتيناكم بقوة } يعني التوراة والشرع ، و { بقوة } أي بعزم ونشاط وجد . { واسمعوا } معناه هنا : وأطيعوا ، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط . ( {[954]} )

وقالت طائفة من المفسرين : إنهم قالوا { سمعنا وعصينا } . ونطقوا بهذه الألفاظ مبالغة في التعنت والمعصية( {[955]} ) . وقالت طائفة : ذلك مجاز ولم ينطقوا ب { سمعنا وعصينا } ، ولكن فعلهم اقتضاه ، كما قال الشاعر [ الرجز ] :

امتلأ الحوض وقال قطني( {[956]} ) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وهذا أيضاً احتجاج عليهم في كذب قولهم { نؤمن بما أنزل علينا } [ البقرة : 91 ] ، وقوله تعالى : { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } التقدير حب العجل ، والمعنى جعلت قلوبهم تشربه ، وهذا تشبيه ومجاز ، عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم( {[957]} ) ، وقال قوم : إن معنى قوله

{ وأشربوا في قلوبهم العجل } شربهم الماء الذي ألقى فيه موسى برادة العجل ، وذلك أنه برده بالمبرد ورماه في الماء ، وقيل لبني إسرائيل : اشربوا من ذلك الماء فشرب جميعهم ، فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا قول يرده قوله تعالى : { في قلوبهم }( {[958]} ) ، وروي أن الذين تبين فيهم حب العجل أصابهم من ذلك الماء الجن( {[959]} ) ، وقوله تعالى { بكفرهم } يحتمل أن تكون باء السبب ، ويحتمل أن تكون بمعنى مع ، وقوله تعالى : { قل بِئسما } الآية أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم بأنه بئس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكم { نؤمن بما أنزل علينا }

[ البقرة : 91 ] ، و «ما » في موضع رفع والتقدير : بئس الشيء قتل( {[960]} ) واتخاذ عجل وقول { سمعنا وعصينا } ، يجوز أن تكون «ما » في موضع نصب ، و { إن كنتم مؤمنين } شرط( {[961]} ) . وقد يأتي الشرط والشارط يعلم أن الأمر على أحد الجهتين ، كما قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام : { إن كنت قلته فقد علمته }( {[962]} ) [ المائدة : 116 ] ، وقد علم عيسى عليه السلام أنه لم يقله ، وكذلك { إن كنتم مؤمنين } ، والقائل يعلم أنهم غير مؤمنين ، لكنه إقامة حجة بقياس بيّن ، وقال قوم { إن } هنا نافية بمنزلة «ما » كالتي تقدمت ، وقرأ الحسن ومسلم بن جندب : «يأمركم بهو إيمانكم » برفع الهاء( {[963]} ) .


[954]:- يعني أن المراد سماع القلب لا سماع الأذن، وسميت الطاعة سمعا على جهة المجاز، لأن طاعة الأمر تتوقف على سماعه، والمعنى: اعملوا بما سمعتم، والتزموه في حياتكم.
[955]:- يعني أن المفسرين اختلفوا في قوله تعالى: [قالوا سمعنا وعصينا] أكان ذلك بلسان المقال أم بلسان الحال؟ كما قال الشاعر: امتلأ الحوض وقال قطني ........................
[956]:- تمامه: ............................ مهلا رويدا قد ملأت بطني. من كلام بعض الماتحين. رأى حوضه قد امتلأ فقال: امتلأ حوضي، وقال: يكفيني، يعلم بذلك الماتح لينصرف إلى دلو غيره، وهذا ما يسمى عندهم بلسان الحال، فإن الحوض لا يتكلم.
[957]:- أي تغلغله في قلوبهم كما يتغلغل شرب الماء في الأعضاء حتى يصل إلى أعماقها ولذلك شبه حبهم للعجل بشرب الماء دون الأكل، لأن الطعام يجاور الأعضاء ولا يتغلغل فيها كما يتغلغل الشراب، فالمجاز استعارة، والاستعارة مبنية على التشبيه، جعلت قلوبهم- لتمكن حب العجل منها –كأنها تشربه، ثم استعير لفظ (اشربوا) استعارة تبعية، ولا يدل قوله: [وأشربوا] على أن غيرهم فعل بهم ذلك، بل هم الذين كسبوا ذلك، فأشربوا من الشراب كما أن (أُنسيت كذا) من النسيان.
[958]:-  وجه الرد أن القصد من هذا السياق أنه ظهر على شفاههم ووجوههم، والمذكور في الآية أنهم أشربوا العجل في قلوبهم.
[959]:- في تفسير (ق): وروي أنه ما شربه أحد إلا جن، حكاه القشيري اهـ. وفي بعض النسخ: (الجبن).
[960]:- أي: قتل الأنبياء.
[961]:- والتقدير: بئس شيئا يأمركم به إيمانكم قتلُ الأنبياء، واتخاذ العجل، وقول: سمعنا وعصينا.
[962]:- من الآية (116) من سورة المائدة.
[963]:- أي ووصلها بالواو للإشباع، و هي لغة.