سورة   البقرة
 
محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (93)

ثم ذكر أمرا آخر هو أبين في عنادهم وأنهم مع الهوى فقال : { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين 93 } .

{ وإذ أخذنا ميثاقكم } على الإيمان والطاعة . { ورفعنا فوقكم الطّور } قائلين : { خذوا ما آتيناكم } أي ما أمرتم به في التوراة { بقوة } بجد

{ واسمعوا } أطيعوا { قالوا سمعنا } قولك { وعصينا } أمرك . وظاهر السوق يقتضي أنهم قالوا ذلك حقيقة .

قال أبو مسلم : وجائز أن يكون المعنى : سمعوه فتلقوه بالعصيان . فعبّر عن ذلك بالقول وإن لم يقولوه . كقوله تعالى : { أن يقول له كن فيكون } {[655]} . { وأشربوا في قلوبهم العجل } أي حبه على حذف المضاف . وإقامة المضاف إليه مقامه للمبالغة . أو العجل مجاز عن صورته . فلا يحتاج إلى حذف المضاف . وعلى كل ، فأشربو استعارة تبعيّة . إما من إشراب الثوب الصبغ أي تداخله فيه أو من إشراب الماء أي تداخله أعماق البدن والجامع السراية في كل جزء . وإسناد الفعل إليهم إيهام لمكان الإشراب . ثم بُيِّن بقوله : { في قلوبهم } للمبالغة ، فظهر وجه العدول عن مقتضى الظاهر وهو : وأشرب قلوبهم العجل . { بكفرهم } بسبب كفرهم { قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين } أي كما زعمتم ، بالتوراة . وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم كما في قصة شعيب { أصلاتك تأمرك } {[656]} وكذا إضافة الإيمان إليهم . وقوله : { إن كنتم مؤمنين } قدح في صحة دعواهم . فإن الإيمان إنما يأمر بعبادة الله وحده لا بشركة العباد لما هو في غاية البلادة . فهو غاية الاستهزاء . وحاصل الكلام : إن كنتم مؤمنين بها عاملين ، فيما ذكر من القول والعمل ، بما فيها ، فبئسما يأمركم به إيمانكم بها . وإذ لا يسوّغ الإيمان بها مثل تلك القبائح فلستم بمؤمنين بها قطعا . فجواب الشرط محذوف ، كما ترى ، لدلالة ما سبق عليه .


[655]:[36/ يس/ 82] ونصها: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}.
[656]:[11/ هود/ 87] ونصها: {قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد 87}.